أخبار رئيسية إضافيةمقالات

أحداث مخيم عين الحلوة.. محاولة لتفريق الساحات

ساهر غزاوي

لست هنا في معرض الحديث عن تفاصيل الأحداث الدامية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا، جنوبي لبنان، لكن من المهم جدًا استشعار نار الفتنة الدائرة هناك التي تسعى لضرب الاستقرار الأمني والتي لا تصب في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته، بل هي خدمة مجانية لكل متربص بتطلعات الشعب الفلسطيني التحررية من ربقة الاحتلال ومن الظلم التاريخي الذي يعاني منه الفلسطينيون ومن التعسف السياسي والاجتماعي الواقع عليهم.

يقينًا أن الجميع خاسر من الأحداث الدامية ولا يوجد رابح فيها ولن ينال أحد من اللاجئين الفلسطينيين شيئًا سوى المزيد من تهجير سكان مخيم عين الحلوة الذي يُعاني أساسًا من الفقر المدقع، حيث يشهد حركة نزوح واسعة منه شملت المئات من سكانه الذين يهربون مع أطفالهم وبعض أمتعتهم خوفًا من القذائف والرصاص العشوائي، كما لجأت مئات الأسر الهاربة من نار هذه الفتنة إلى المساجد والمدارس التي فتحت أبوابها الأونروا، كما ورد من صور وأخبار.

إنَّ فتنة الأحداث الدامية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، لا تُشغل أبناء المخيم وحسب، بل تُشغل الكل الفلسطيني لما لها من تداعيات سلبية وخطيرة على باقي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على وجه الخصوص، لا سيّما وأن مخيم عين الحلوة هو أكبر مخيم بلبنان من بين 12 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين، علاوة على ما يسود هناك من خشية حدوث سيناريو مماثل لما حدث في مخيم نهر البارد للفلسطينيين عام 2007، هذا السيناريو لا زال حاضرًا اليوم بقوة في هذه الأحداث في أذهان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ويُشكل لهم مصدر قلق وخوف من تداعيات هذه الفتنة.

يُدرك جيدًا المتربصون أن قضية فلسطين تكتسب قوتها من وحدة شعبها ومن حالة الوعي الفلسطيني الذي يُمكّنه من الاستمرار في مسيرته التحررية والتي تُجسد حالة الدفاع عن القضية المركزية والثوابت الوطنية. وتكتسب قوتها أيضًا من الوحدة الشعورية التي تُعزز صمود الشعب الفلسطيني وتراكم عليه نقاط النضال في مسيرته التحررية التي لن تتوقف حتى تصل إلى تطلعاتها وأهدافها رغم العوائق والمعالم السيئة في مسيرة الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن افتعال فتنة الأحداث الدامية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين ليست بعيدة عن استراتيجية التفريق بين الساحات الفلسطينية عبر إشغال كل ساحة بنفسها وباحتياجاتها الخاصة وبظروف تحدياتها السياسية والاجتماعية والمعيشية. هذه الاستراتيجية التي من أهم أهدافها، الحفاظ على وتيرة منخفضة قدر الإمكان من ردود فعل الفلسطينيين في جميع الساحات ومقاومتهم للسياسات العدوانية والإجرامية، وكل ساحة بحسب ظروفها وخصوصيتها وأدواتها المشروعة.

إنّ إشغال اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والشتات في دول الطوق العربية، ولا سّيما في الساحة اللبنانية، وهي ساحة تُعد ضمن مفهوم “وحدة الساحات” التي تستعد لها إسرائيل في المواجهة العسكرية الواسعة المقبلة، غير منفصل بتاتًا عمّا يحدث في غزة من إشغال سكان القطاع بالحصار الخانق الشديد المفروض عليهم منذ 17 عامًا والذي أصاب كافة مناحي الحياة، عدا أن سكان القطاع الذين عاشوا منذ عام 2006 وحتى 2023 ما لا يقل عن 10 جولات تصعيد وحروب خلفت آلاف الشهداء والجرحى والدمار الواسع في المنازل والمصانع والأراضي الزراعية. وغير منفصل أيضًا عمّا يحدث في الضفة الغربية من إشغال الفلسطينيين هناك بالسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية التي غدت سيفًا مسلطًا على رقابهم وتحاول عبر دورها الوظيفي انجاز ما عجز عن فعله الاحتلال. وغير منفصل عمّا يحدث من إشغال للفلسطينيين في الداخل بقضايا ونزاعات داخلية بسبب ارتفاع وطأة الجريمة المنظمة التي تفتك بأبناء مجتمعهم، ومن جهة أخرى إشغالهم بتحصيل الميزانيات وتحصيل الحقوق الفردية واللهث وراء مشاريع مفاسد الانخراط فيها أكثر من مصالحها.

في الختام، ونحن نعيش في هذه الأيام ذكرى مرور ثلاثين عامًا بالتمام والكمال على اتفاقية أوسلو التي وقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والجانب الإسرائيلي في 13/9/1993، لا يفوتنا التوقف عندها قليلا، وهي الاتفاقية التي تُعتبر من المعالم السيئة في مسيرة الشعب الفلسطيني التي عملت على تفريق الساحات الفلسطينية وأحدثت تجزئة للشعب الفلسطيني، وأحدثت شرخًا وانقسامًا سياسيًا عميقًا في الساحة الفلسطينية وبين مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل (أراضي 1948) والخارج (الشتات) والأراضي المحتلة (الضفة وغزة). ومنذ اتفاقية أوسلو يعيش اللاجئون الفلسطينيون وخاصة في المخيمات الفلسطينية في لبنان بشكل عام ومخيم عين الحلوة بشكل خاص غربة سياسية حقيقية، فهم لم يشاركوا في أي يوم من الأيام في صناعة القرار السياسي أو أية عملية انتخابية لا على مستواهم القُطري (لبنان) أو على مستوى القضية الفلسطينية ككل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى