أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودولي

حذر من أي ثورة محتملة.. ما دلالات اعتراف السيسي بعجز الدولة قبيل يناير 2011؟

في الوقت الذي يعاني فيه المصريون من تردي الأوضاع المعيشية وسجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 40.7 بالمئة في تموز/ يوليو الماضي، اعترف رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أن الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، عام 2011، كانت بسبب عجز الدولة عن تقديم ما يطلبونه.

وخلال افتتاحه المؤتمر العالمي الأول لـ”السكان والصحة والتنمية” بالعاصمة الإدارية الجديدة، قال السيسي، إن “الناس تحركوا عام 2011، لأنهم تصوروا أن الدولة غير قادرة على أن تقدم لهم مطالبهم”، مستدركا: “لكن الجميع يجب أن يعلم أن قدرات الدولة لا تستطيع تقديم لهم أكثر مما كان”.

وفي سياق تحذيره من نتائج أية ثورة محتملة، جدد السيسي خلال كلمته حديثه المتكرر عن حجم خسائر مصر جراء اندلاع ثورة كانون الثاني/يناير 2011، قائلا: “نعمل ثورة والدولة تخسر 400 مليار دولار (..) الدولة في أحوج ما يكون لكل دولار فيها”.

وخاطب السيسي وزير الصحة خالد عبدالغفار، قائلا: “أرفض حرية تعداد المواليد داخل الأسرة”، مشيرا إلى ضرورة الوصول إلى 400 ألف مولود سنويا لتخفيض الزيادة السكانية التي بلغت 21.2 لكل ألف نسمة عام 2022. مستطردا: “التنمية والتغيير الحقيقي يأتي بالتكاتف بين أطياف الشعب وليس بهدم مؤسسات الدولة مثلما حدث في 2011”.

وقال مراقبون ومتابعون، إن السيسي كعادته دائما في الكثير من مؤتمراته، ربط أزمة المصريين الحالية من الغلاء والفقر وتدهور الدولة بحجم الزيادة السكانية وبثورة 2011، التي تسببت وفق تأكيده في خسائر مالية للدولة، وذلك دون الاعتراف بأية أخطاء أو فشل في سياسات حكومته على مدار 9 سنوات.

وعلى مدار 10 سنوات، ومنذ انقلابه حينما كان قائدا للجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي، في 2 تموز/يوليو 2013، يواصل السيسي، كيل الاتهامات لثورة يناير والتنكيل برموزها واتهامها بأنها السبب في خراب الدولة المصرية، كما أنه لم يترك مناسبة دون تحذير المصريين من تبعات ثورة جديدة، بحسب المراقبين والمتابعين.

وفي 25 كانون الثاني/ يناير 2011، تفجرت ثورة المصريين الغاضبين ضد سياسات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي حكم البلاد نحو 3 عقود، ورفضا لمخطط توريث الحكم لنجله علاء مبارك، ما جمع أطياف المصريين رغم اختلافاتهم الفكرية والسياسية بميدان التحرير وسط القاهرة حتى تنحي مبارك 11 شباط/ فبراير 2011.

 

“في اللامعقول”

وفي قراءته لدلالات اعتراف السيسي بأن المصريين ثاروا في 2011 بسبب عجز الدولة عن تلبية مطالبهم، قال السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور ثروت نافع: “كعادة كل الأنظمة الشمولية، حينما تفشل لا تعترف بالخطأ أو بالفشل إنما ترده إلى شيء آخر وإن كان في اللامعقول”.

مؤسس “الحركة الليبرالية المصرية”، أضاف: “وقد اعتدنا من رأس النظام الحالي ذكر بيانات وأرقام لا تمت إلى الحقيقة أو القواقع أو العلم بشيء”.

وأوضح أنه “إن كانت الثورة قد كلفت مصر 400 مليار دولار -وفق ما ذكره السيسي- في رقم لا يتناسب مع دخل مصر القومي ويعني أن مصر خلال عام الثورة لم يدخل لها أي شيء وقد صرفت كل شيء، وهذا بالأرقام غير صحيح وتم الرد على هذه الأرقام من قبل”.

وأكد أنه “حتى لا نخوض في تفاصيل لا معنى لها فقد بات واضحا باعتراف أجهزة النظام واعتراف خبراء النظام أن كل ما تم من مشاريع وتم إنفاقه في العشر سنوات الماضية خاصة في الثمانية الأخيرة كان بلا دراسات جدوى حقيقية وبلا دراسات اقتصادية حقيقية وتسبب في الأزمة الحالية”.

نافع، لفت إلى أن “المؤسسات الدولية ذكرت ذلك وعلى رأسها المؤسسات التي يسعى إليها النظام للتمويل، وبعض المؤسسات الصحفية الاقتصادية المتخصصة، وأوضحت أن كل هذه المصروفات نتيجة (corruption) أو فساد حيث بها الكثير من الفساد، مع عدم وجود دراسات اقتصادية صحيحة وحقيقية”.

ويعتقد السياسي المصري، أن “هذا ما وصلنا إليه وما آلت إليه، وهذا ليس جديدا منذ 1952 ومنذ انقلاب العسكر الأول ومصر في حالة تدهور اقتصادي مستمر، والحجة دائما لا تعول على النظام بأي شيء ولا تعود على النظام بشيء”.

وتابع: “الحجة هي إما الشعب، أو الحرب وإما الآخر وإما المؤامرة الدولية أو أي شيء آخر إلا فشل نظامهم وديكتاتورياتهم في الحكم، ولذا لا أعول على الأرقام التي تُذكر من رأس النظام والتي يتراجعون عنها حينما يعلنون لك من خلال خبرائهم وتجد الأرقام مختلفة تماما”.

وفي إجابته على التساؤل: “هل يدرك السيسي، أن الحالة التي دفعت المصريين للثورة في عهد مبارك، يعيشونها الآن وأشد، وأراد التغطية عليها باتهام الزيادة السكانية والثورة بالتسبب في سوء أحوال المصريين اليوم”.

أجاب نافع بالقول، إن الحديث عن الزيادة السكانية، “هو ما كان يقوله جمال عبدالناصر في آواخر أيامه ثم أنور السادات وحسني مبارك، وكما ذكرت كلها حجج يمكن أن تجهد بدلا من أن تكون شيئا نستفيد منه”.

وختم مؤكدا أن “النظام يحاول أن يجعلها السبب في أي محاولات في فشلهم في تحقيق أي تقدم على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى العسكري”، مضيفا: “لم نر من هذا النظام الذي يحكم منذ 1952 إلا فشلا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ولم نر منه أي نوع من أنواع النجاح أو التقدم للدولة المصرية”.

“ارتباك كامل”

وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، إن “السيسي في حالة ارتباك كامل نتيجة الوضع الاقتصادي المأزوم الذي تسبب في حدوثه، وكان يقف وراءه وهو يدرك ذلك، والجميع كذلك”.

وأضاف: “وأجهزته الأمنية تقيس حالة الغليان بالشارع، وتعلم أن الأوضاع على صفيح ساخن، وينقص فقط من يحرك هذا الصفيح لينفجر الشعب في وجهه”.

ويعتقد الباحث المصري، أنه “لذلك يحاول السيسي، المراوغة وتحميل المسؤولية للثورة، وأنها سبب الكوارث التي نحياها، وبالتالي هو يحاول تبييض صفحته، وفي ذات الوقت يقول للشعب لا تثور عليَ لأن ذلك سيزيد الوضع سوءا”.

ويرى المنير، أن “اعترافه بأن ثورة يناير، قامت لسوء أحوال المصريين لا يعني تحمله المسؤولية، لأنه نسب سوء الأحوال هذه للزيادة السكانية، وبالتالي فهو يُحمل الشعب وحده مسؤولية الوضع الاقتصادي”.

وأعرب عن أسفه من أن “السيسي يعلم جيدا أن الأوضاع على شفا الانهيار؛ ولكنه يحاول كسب مزيد من الوقت يبقيه في الحكم أو ربما رضي عنه الداعمون في الخليج وغيره، فقدموا له نفحة من نفحاتهم”.

ولفت إلى أنه “يستخدم حاليا أوراق الفوضى، والهجرة غير الشرعية، كأوراق ابتزاز يضغط بها على الداعمين شرقا وغربا”.

لكن الوضع من وجهة نظر المنير، “هو دائرة مفرغة، فأي مساعدات ستأتي ستبتلعها بالوعة الفساد التي أسسها، وبالتالي لن يتغير الوضع الاقتصادي، ولا يستطيع إيقاف الفساد لأنه أداة استمرار حكمه”.

وأكد أن السيسي، “يحمي نفسه بمنظومات الفساد هذه، وطائرة زامبيا مثال واضح على ما أقول؛ ففي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة يتم تهريب عشرات أو مئات ملايين الدولارات للخارج”.

“غضب وسخرية”

وعبر موقع “إكس” استفز حديث السيسي، الممثل المصري المعارض عمرو واكد، الذي عرض لأخطاء السيسي، وما تسبب فيه لمصر من أزمات وخسائر منذ انقلابه في 2013.

وكتب واكد: “السيسي بعد ما استولى عنوة واقتدار على جميع موارد الدولة بدون وجه حق، وتنازل منفردا عن موارد منها لا تقدر بثمن، وصرف بمسؤوليته المستقلة مئات المليارات بإسراف مشكوك في دوافعه”.

وأشار إلى أنه اشترى “أغلى الطائرات لنفسه، وأغلى السلاح في العالم لرشوة أعوانه ولتهديد شعبه، وبنى عاصمة جهاز الكفتة ذات الكلفة الهيستيرية لتكون هدية لحاشيته الفاسدين من مديري جرائمه المنظمة، وحفر ترعة القناة على الناشف التي فقط تضيف عقبة استراتيجية لعبور أي قوات جيش للقناة”.

ولفت إلى إنفاقه “الأموال الطائلة على قصور فارهة”، و”على مظهره الشخصي”، و”على مواكبه الفرعونية”، و”على التأمين لشخصه”، مبينا أنه مع كل هذا البذخ والتبذير لم ينشئ خط سكة حديد يربط القاهرة بسيناء، ولم ينهض بالتعليم والصحة، ولم يؤسس مشروعا واحدا يسدد جزءا من ديونه.

واستنكر واكد، اتهام السيسي، لثورة يناير بالتسبب في تردي أوضاع المصريين، ساخرا بقوله إنها التي تسببت في “كوفيد 19″، و”حرب أوكرانيا”، و”وقعت على اتفاقية ضياع مياة النيل”، و”تنازلت عن الغاز”، و”أفقدتنا السيادة على مضيق تيران”.

وأشار الكاتب الصحفي وائل قنديل، إلى أحاديث السيسي المتواصلة عن يناير، واصفا حالته بالقول: “في واحد هيموت بجرعة خوف زيادة من اللي حصل في 2011”.

“السيسي وعداء يناير”

ورغم أن الدستور المصري ينص في ديباجته على أن ثورة يناير “ثورة شعبية انحازت لها القوات المسلحة”، يواصل السيسي تأكيده على أن “الله أنقذ البلاد من مصير دول مجاورة مثل ليبيا وسوريا واليمن”، مع تحميل ثورة 25 يناير مآلات الوضع الاقتصادي الحالي.

تلك المواقف تأتي رغم أن السيسي، قد يكون أكثر من استفاد من ثورة يناير، التي كان فاعلا في أحداثها وظهر للعلن للحديث مع الثوار بميدان التحرير بصفته رئيس المخابرات الحربية في الجيش حينها، ليصبح لاحقا عضوا بالمجلس العسكري الذي حكم البلاد بعد عزل حسني مبارك (11 شباط/ فبراير 2011 إلى 13 آب/ أغسطس 2012).

لتتم توليته قيادة الجيش في عهد الرئيس محمد مرسي، وترقيته لرتبة فريق أول 12 آب/ أغسطس 2012، ليواصل صعوده بالانقلاب العسكري الذي قاده 3 تموز/ يوليو 2013، ليخوض انتخابات الرئاسة في أيار/ مايو 2014، ويصبح على رأس الدولة منذ ذلك التاريخ.

وبعد سنوات من الصمت حول ثورة يناير، انفجر السيسي موجها أشد الانتقادات لها، ففي كانون الثاني/ يناير 2017، اتهم السيسي، ثورة يناير بأنها سبب الوقيعة بين المصريين، وأنها استهدفت إيقاع الفرقة بين الشرطة والجيش من جهة، والشعب من جهة ثانية.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، هاجم السيسي، ثورة يناير قائلا: “ما حدث في 2011، علاج خاطئ لتشخيص خاطئ، فالبعض قدم للناس صورة عن أن التغيير من الممكن أن يحدث بهذه الطريقة، وأن هناك عصا سحرية سوف تحل المشكلات”.

وبالتزامن مع دعوات المقاول المعارض محمد علي، المصريين للنزول ضد السيسي، وكشفه عمليات فساد مالي داخل الجيش، زعم السيسي، في أيلول/ سبتمبر 2019، أن ثورة يناير كانت مؤامرة ضد الجيش والشرطة، قائلا: “المؤامرة التي حدثت في 2011 كانت على وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، لأن من يريد ضرب مصر لا بد أن يبدأ بهما”.

وحذر السيسي، المصريين من تكرار ما حدث في يناير 2011، بقوله: “لا تكرروا ذلك ثانية”، محملا الثورة السبب في تراجع عائدات السياحة، وبناء إثيوبيا “سد النهضة”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قال السيسي، إن “مصر كشفت ظهرها وعرت كتفها في 2011″، فيما حمل ثورة يناير المسؤولية في بناء إثيوبيا سد “النهضة” على النيل الأزرق، قائلا: “لو ماكنتش 2011 كان هيبقى عندنا فرصة للتوافق على بناء السد”.

وفي أيلول/ سبتمبر 2021، وعلى هامش إطلاقه “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، أكد السيسي، أن ثورة 2011، كانت “إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية”.

وقال: “الثورة كانت إعلان – وأنا بقولها دلوقتي بعد ما الدنيا عدت وتغيرت – كانت في تقديري أنا شهادة وفاة لدولة 2011، كان إعلان لشهادة وفاة الدولة المصرية”.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، اتهم السيسي ثورة يناير، بأنها سبب الخراب والدمار في البلاد، قائلا: “لن أنسى ما حدث في 2011، والمفروض ألا ينسى المصريون هذا العام”، مضيفا أن “العناية الإلهية أنقذت مصر من الخراب والدمار”.

وشدد على ضرورة عدم تكرار هذا المسار، متسائلا: “فهل نكرر نفس المسار؟”، فيما تعهد “بعدم السماح بتكرار مثل هذه الأحداث مرة أخرى لخوفه على بلاده من الدمار والخراب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى