أخبار رئيسية إضافيةمقالات

املأ حياتها سرورًا.. يمتلئ ميزانك أجورًا

ليلى غليون 

ليس أجمل من أن أفتتح مقالتي هذه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يقول فيه: (من أعظم الأعمال أجورًا عند الله سرور تدخله على قلب مسلم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

تشع أمام ناظري قناديل هذا الحديث والمكدرات والمنغصات تموج موجًا في الصدور ودخانها يكاد يخنق الأنفاس، وحرارتها تلسع القلوب فتحرق سعادتها وتبخر هناءها، فما أحوجنا في خضم ذلك كله لتجسيد معاني هذا الحديث الشريف في واقع حياتنا، وترجمته في سلوكياتنا ومعاملاتنا فيما بيننا.

فما أكثر القلوب التي انطفأت فيها جذوة الفرح والتي بحاجة لمن يضيء فيها ولو ومضة واحدة لتعود نسائم السعادة تداعب أوتارها، وما أكثر القلوب التي كدرت صفوها متاعب الحياة يفترش أصحابها الهموم ويلتحفون الأحزان وقد غرقت سفنهم في بحار الآلام، يتمنون ولو قطرة من قطرات ندى السرور تلامس قلوبهم لعلها تمسح ولو قليلًا مما علق بها من كدر، فحق المسلم على المسلم أن يكون كقطرة الندى تلك، بل من حقه عليه أيضًا أن يتفنن في الطرق والوسائل التي تجلب السعادة وتدخل السرور عليه، وإذا كان تحقيق السعادة والفرح من واجبات المسلم تجاه أخيه المسلم بصورة عامة، فإنه من باب أولى أن يكون أوجب في الحياة الأسرية والزوجية، يسعى كل من الزوج والزوجة لتحقيقه لتنعم الأسرة بأجواء دافئة من المودة والرحمة خصوصًا في ظل هذه الحياة الصعبة التي لا يكاد ينجو من متاعبها أحد.

وإن كان الرجل والمرأة كلاهما مطلوبًا منه توفير كل ما يدخل السعادة إلى قلب الأسرة، إلا إنني سأخصص توجهي وكلامي إليك أخي الرجل أبًا كنت أو زوجًا أو أخًا، وذلك نظرا للاعتقاد السائد والذي بنظري يحمل الكثير من الخطأ بل ومن الظلم أيضًا، وهو أن المرأة وحدها المطلوب منها أن تكون مصدرًا للسعادة، وإنها هي فقط المنوط بها مسؤولية إسعاد أسرتها، مع تأكيدنا وإيماننا أن العمل على ترسيخ دعائم السعادة الأسرية يجب أن يتصدر أولويات المرأة في حياتها الزوجية، ولكننا في نفس الوقت يجب أن نؤكد أيضًا أنه ليس هناك من هو أفقر إلى ذلك من المرأة.

فيا أيها الرجل الزوج، يا من جعلك النبي صلى الله عليه وسلم جنة المرأة ونارها، أنت يا من خُلقت المرأة من ضلعك فجُبلت على فقرها إليك وحاجتها لرعايتك، هل جلست يومًا ولو لدقائق معدودة وجعلت زوجتك في محور تفكيرك لتفكر كيف تدخل السرور إلى قلبها، أم أن جلسة مع الأصحاب أو مشاهدة مباراة كرة قدم في التلفزيون أو الجلوس أمام الحاسوب على مواقع التواصل الاجتماعي أنساك أن هناك من ينتظر ولو لفتة اهتمام منك وهي زوجتك، اسمع معي ذاك الحوار بين خير البشرية صلى الله عليه وسلم وبين زوجته وهو يقول لها: “إني لأعلم يا عائشة متى تكونين عليَّ غاضبة ومتى تكونين عني راضية، قالت: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: إن كنت غاضبة قلت لا ورب إبراهيم، وإن كنت راضية قلت لا ورب محمد”. انظر أخي الزوج إلى الدقة والتفحص والاهتمام لحال الزوجة، بل إنها المهارة في كيفية إدخال الفرح في قلب رفيقة العمر، بعد أن تنبه الزوج الكريم صلى الله عليه وسلم لمواطن فرح وغضب من تشاركه الحياة بحلوها ومرها، فكم بلغ يا ترى فرحك يا عائشة عندما سمعت هذا الكلام!!

 

وأنت أيها الرجل الأب، أنت تعمل خارج البيت، أنت تكد، أنت تشقى، فأنت مأجور بإذن الله وكان الله في عونك، ولكن لماذا إذا وطئت قدماك البيت تحولت إلى محور كآبة لا أحد يجرؤ من الاقتراب منك لأنك “تعبان وزهقان وعايف حالك”، فهكذا تقول ودومًا تردد هذه السمفونية على أبنائك وبناتك الذين هم بحاجة إليك، إلى حنانك، إلى عطفك، إلى قربك، خصوصًا بناتك اللواتي تعتقد بأنهن لسن بحاجة إليك بل إلى والدتهن، فاقرأ معي أيها الأب الكريم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأب الحنون الرؤوف يطوف على بناته ليتفقد أحوالهن، ويجلس في فراش فاطمة حبيبة قلبه يتوسط بينها وبين زوجها ليصلح ما حلَّ بينها وبينه من إشكال، ومناصحته لها بكل لين ولطف، حتى في سياق موته صلى الله عليه وسلم كيف حرص أن يرفع الكآبة والحزن عن قلب ابنته ليدخل إليه السرور والابتسام، ومواقف كثيرة لا تعد ولا تحصى تعكس صورة الأب الحنون الذي يسعى ويحرص أن تداعب أطياف السعادة رموش بناته.

وأنت أيها الرجل الأخ، أنت يا شقيق الروح وتوأمها، أنت من شاطرت أختك بطن أمك قبل أن ترى عيناك النور، وأنت من شاطرتها صدر أمك فرضعتما من ثدي واحد، وأنت من شاطرتها طفولتك، تلعبان معا، تختلفان معًا، تتشاجران معًا، ثمَّ لا تلبثان وببراءة الأطفال أن تصطلحا من جديد، حتى إذا كبرتما وانتقلت أختك إلى بيتها الجديد بيت الزوجية نسيتها، وإن عاتبتك تذرعت بحجج كثيرة بأنك مشغول ولا وقت لديك لزيارتها وهي تتمنى لو تصلها حتى ولو بمكالمة هاتفية، وتنتظر يوم العيد بفارغ الصبر لتكتحل عيناها برؤيتك ويفرح قلبها بقدومك وتدعو الله لك أن يصلك بخير ما وصل به الواصلين وأن يرضى عنك ويجبر بخاطرك كما جبرت بخاطرها، فهلا علمت أيها الأخ ما جاء في الخبر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج ثيبًا: “فهلا بكر تلاعبها وتلاعبك” قال: “يا رسول الله إن أبي قُتل يوم أحد وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء لا تحسن شيئًا ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت”.

فيا للأخ الحنون الذي حمل همَّ أخواته حتى نسي نفسه وترك هواها ليجعل جل اهتمامه بشقيقاته وكيف يرعاهن ويهيئ لهن أسباب السعادة والعيش الهانئ الكريم بعد وفاة والده. فهكذا أيها الرجل، الزوج، الأب، الأخ، هكذا يجب أن تكون، فاملأ حياة من حولك سرورًا، ليمتلئ ميزانك أجورًا.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى