أخبار رئيسيةمقالاتومضات

إسرائيل والأسئلة المقلقة..

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

ابتـــداء..

المجتمع الديني-القومي في إسرائيل، مجتمع مُركب يضم في داخله مجموعات دينية مختلفة من حيث علاقتها مع التدين تبدأ من اليهود المحافظين واليهود الليبراليين (اليهودية الليبرالية) وتنتهي باليهود الحاردليم، التيار الديني الصهيوني الأقرب إلى الحاردية (الحاردلية = القومية-الصهيونية الحاريدية) ومع ذلك فالمجتمع الديني القومي يتمتع بمواصفات تختلف نوعيًا عن باقي المكونات المجتمع الإسرائيلي، العلمانيون والحاريديون، إذ تتمتع بصفات تمنحها هذه اللحظات فرصة تعزيز مواقفها القومية والدينية وهو ما نلاحظه عيانًا في الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى فضلًا عن تميزها عن باقي المجتمع الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تتميز هذه المجموعة بجهاز تعليم خاص بها يمنحها قوة تربوية وتثقيفية هائلة للبقاء والتمدد المجتمعي والسلطوي وصولًا إلى مفاصل القرار، وتتمتع بقيادة دينية-روحية تتميز بطروحاتها وتفسيراتها التوراتية والتلمودية التي جمعت بين الديني والسياسي من جهة والسياسي والخلاصي من جهة أخرى، جعلتها مختلفة كلية عن القيادات الحاريدية وتكاد لا تكون صلة بين القيادات الروحية-الدينية من الفريقين على الرغم من أنهما، مثلًا، موجودان في ائتلاف حكومي يميني واحد، بل وتعمقت هذه الهوة بعد الانتخابات خاصة من طرف التيار الحاريدي الذي شعر بمخاطر تغلغل القومية الدينية على شبابه، بيدَ أن التطلعات السياسية والدينية للفريقين تكاد تكون مختلفة كليةً بناء على منظومتي القيم والمصالح لكلٍ منهما. ففي حين يشتركان في المصالح الفئوية الضيقة لكل مجموعة منهما، فإن القيمة المشتركة بينهما هي في تحقيق قيم اليهودية داخل المجتمع الإسرائيلي كلُّ وفق فهمه واعتقاده.

 

سؤال الحكم..

أثارت نتائج انتخابات الكنيست للدورة الخامسة والعشرين والتي أفرزت نتائجها فوزًا ساحقًا لحزب الليكود والأحزاب الدينية الحاريدية والدينية الصهيونية والقومية، أي حكومة يمينية بامتياز، أثارت قلقًا كبيرًا بين المكونات اليهودية في إسرائيل ويهود الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا. يمكن القول إنَّ القلق ساور اليهود في كل أماكن تواجدهم وليس فقط الأحزاب السياسية المعارضة التي خسرت الانتخابات حول مستقبل إسرائيل، هل ستستمر دولة ديموقراطية علمانية ليبرالية، أم ستكون دولة ديمو-كتاتورية (ديموقراطية-ديكتاتورية) أم دولة ديكتاتورية أم دولة ثيوقراطية (دولة دينية يحكمها رجال الدين) أم ستنقسم إلى دولتين دولة يهودا والسامرة ودولة إسرائيل. وهذه الأسئلة باتت محط تحليلات تكاد تكون يومية ووصلت إلى المنصات الأكاديمية باللغات العبرية والإنجليزية فضلًا عن المنصات الإعلامية. وكان من نتائج هذه الانتخابات السؤال الجوهري: ما هي طبيعة إسرائيل ككيان سياسي وما هي طبيعة إسرائيل كمجتمع؟

من الواضح أنّ صعود الأيديولوجيات القومية والمسيانية وتغلغلها داخل الحزب الحاكم وتناغم نتنياهو مع هذه القوى، أقلق اليهود الليبراليين خاصة بعد طروحات التعديلات والإصلاحات القانونية التي ستكون في حال إعدادها وسنّ قوانينها وإدخال تعديلات على المنظومتين القضائية والتشريعية بما في ذلك القضاة وطبيعة تعيينهم وعملهم، المدخل- كما يعتقد البعض منهم- إلى الديكتاتورية القومية الدينية وهو ما سيترتب عنه تمييز داخل المجتمع الإسرائيلي بكل مكوناته وأعراقه، وهو ما سيؤسس لتنظيمات جديدة تتجاوز الأطر الأيديولوجية النهائية، مثل يمين ويسار، أو علماني ومتدين، إلى ما هو سائل يتداخل فيه اليساري واليميني الرافضون لهذه التحولات والإصلاحات، أو التمييز العرقي لصالح واقع جديد يؤسس عمليًا لمساقات جديدة في المجتمع الإسرائيلي يتداخل فيه الليبرالي العلماني والديني المحافظ والصهيوني المعتدل الرافض لهذا التغول، وهو ما يخلق سؤالًا جديًا وجديدًا حول الدين والعلمانية في الحالة الإسرائيلية وجدل العلاقة بينهما.

هذه التساؤلات تقلق الراعين لإسرائيل ممن يلعبون دور العراب الحامي لها خارجيًا والممثل في الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها واللوبيات اليهودية والصهيونية في العالم، وكلاهما من المنظومات السبع التي تحفظ الوجود وتخلق توازنات داخلية (انظر مقالتي في صحيفة المدينة تحت عنوان: فقدان التوازن في المنظومة الإسرائيلية ).

هناك من اعتبر هذه الانتخابات بنتائجها حدثًا مُؤسسًا في السياق الإسرائيلي، مُستشهدًا بالتحولات التي تقوم بها هذه الحكومة في مختلف القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية والقضائية، الأهم فيما ذكرت، وأكثر ما يسلط عليه الإعلام، التعديلات القضائية التي ستصيب كافة شؤون الحياة بما في ذلك العمود الفقري للدولة، الجيش والأمن. من نافلة القول الإشارة، ونحن نتحدث عن التحولات، إلى سياسة وزير المالية اتجاه السلطات المحلية العربية، وهو الممثل الرسمي في حكومة نتنياهو لشباب التلال، المجموعة الأكثر تطرفًا في التجمعات اليهودية القومية والصهيونية الدينية. أعلن سموتريتش يوم الأحد الماضي رفضه تحويل هبات الموازنة بقيمة 200 مليون شيكل للسلطات المحلية العربية والمقررة بناء على اتفاقيات مع الحكومة السابقة وفقًا لمخططات وافق عليها نتنياهو في حكومته الأخيرة وأسست عليها السلطات العربية موازناتها، وبوضوح ودون لف أو دوران، أكد أنه يرفض الاستمرار في دفع الميزانيات المقررة للسلطات المحلية العربية، وأنه سيعمل على إعادة النظر في سياسات الحكومة المتعلقة بالأولويات للسلطات المحلية، مؤكدًا أنَّ دعم السلطات المحلية العربية ليس من أولويات هذه الحكومة، وهو ما لاقى ردود أفعال رافضة لهذه التصريحات التي عمليًا ستتحول قريبًا إلى سياسات تعيد السلطات المحلية العربية إلى الوراء.

هذه السياسات تجدها تنفذ في الضفة الغربية في المنطقة “ج” حيث تعمل الصهيونية الدينية والقومية على ضمها عمليًا إلى إسرائيل دون أي التزام قانوني أو مادي، وكذلك نجد هذه السياسات تنفذ بدقة متناهية في البلدة القديمة في القدس ومحيطها المدني القريب منها، سواء فيما يتعلق بهدم البيوت أو التعليم أو ترخيص البناء أو سياسات العمل، وتجدها بوضوح في المسجد الأقصى المُبارك حيث الرقابة الدقيقة لكل حركة في ساحاته، والعمل جارٍ على تنفيذ ما يسمونه الشروع في “تحرير جبل الهيكل وتسريع الخلاص” عبر إعلانهم عن الشروع مع مطلع الفصح القادم في ذبح البقرات التي تمَّ استجلابها من الولايات المتحدة بعد عمليات تهجين استمرت عدة سنوات مآلاتها النهائية البقرات التي تم إعدادها لعملية التطهير إيذانًا بالبدء بعصر المسيح المُنتظر الذي يتبلور حاليًا بشكل قانوني لتحقيق دولة اليهود المسيحيانية، الدولة اليهودية التي يختلف التياران الحاريدي والديني الصهيوني-القومي على ماهيات هذه الدولة ونزول المخلص، هل هو قدر أم فعل بشري. ولذلك لن يُسقِطَ الثنائي بن غفير-سموتريتش هذه الحكومة التي ستستمر حتى عام 2026 موعد الانتخابات القادمة، ومن ثم يُدرك المعارضون أنهم أمام عملية مارتونية تمامًا كما يدرك الائتلاف وتحديدًا الليكود أنهم أمام معركة صراع ذراعين لمَّا تصل بعد مرحلة كسر العظام، ويُلاحَظ أن القيادات الدينية اليهودية من مختلف التيارات الدينية تعمل جاهدةً لمنع الوصول إلى هذه اللحظة.

 

تغيير المعادلات السياسية

رئيس معهد “شالوم هيرطمان” الحاخام دانييل هيرطمان في مقابلة أجريت معه مطلع هذا الشهر، مع وكالة الأنباء اليهودية الأمريكية (JTA) زعم في مستهل تحليله للأحداث الجارية: “إن الحاجة ماسة إلى تحالف اجتماعي جديد في إسرائيل، يحقق نصرًا حاسمًا. في الواقع الحالي، 75 %، وربما أكثر، من المواطنين اليهود في إسرائيل غير مقسمين حسب فئات اليسار واليمين. في المظاهرات واستطلاعات الرأي، نرى أن 20 إلى 30% ممن كانوا، أو لا يزالون متماثلين مع اليمين، ولم يعودوا ينوون التصويت لنتنياهو وسموتريتش وبن غفير، إنهم يريدون إيجاد تعبيرات بديلة عن هويتهم، ما يتعين علينا القيام به في السنوات الثلاث المقبلة هو إنشاء تحالف اجتماعي جديد في إسرائيل حول القيم الداخلية التي يقبلها حوالي 75% من اليهود الإسرائيليين- أولئك الذين يؤمنون بالصهيونية الليبرالية واليهودية الليبرالية. وهذا ما سيقود لتحقيق النصر وجعل عام 2026 عامًا حاسمًا”.

المجموعات الدينية اليهودية الأمريكية على وجه الخصوص ممن ينتمون إلى اليهودية الليبرالية، يعملون على تغيير المعادلات في الواقع الإسرائيلي عبر تواصل هادئ مع مختلف التيارات السياسية والأيديولوجية الرافضة أو/والمتحفظة على الحكومة وسياساتها سعيًا لتحقيق تغيير جاد في الحكومة القادمة التي ستُنتخب في 2026 بعد أن وصلت تلكم القيادات ومعها قيادات أمريكية نافذة إلى استحالة سقوط هذه الحكومة من الداخل. ما لا يتنبه إليه هؤلاء، أنَّ حالة من الموار في الداخل الإسرائيلي بدأت تتصاعد خاصة وأن عديد الجند والقادة من مختلف الألوية باتوا يعلنون عن رفضهم للتغييرات التي تعمل عليها هذه الحكومة، وصرنا نسمع من الشارع المعترض عن سيناريوهات محتملة إن استمرت هذه الحكومة في مشوارها السياسي-القانوني-المجتمعي ليس أقله تدخلًا عسكريًا لإنقاذ إسرائيل من قادتها الفاشيين خاصة مع اتضاح معطى لطالما تغافلت عنه الأجهزة الأمنية والحكومية، وجود مليشيات مسلحة في المستوطنات التي يبدو أن الحكومات المختلفة أعدتها للإجهاز على الفلسطينيين، ولكن وفي ظل التحولات الجارية أظهرت بعضًا من شغبها اتجاه الجيش، الحامي والممول لها، وهو ما يدفع بعض القادة للتفكير بصوت عال منادين بحماية الدولة والمنجز الصهيوني من أجل الأجيال القادمة ومنعًا لشتات قد يحدث في كل لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى