أخبار رئيسيةمقالاتومضات

صيحات جيلانية (1) حول سوء حال العلماء

الشيخ رائد صلاح

من خلال قراءة متأنية لكتاب (الفتح الرباني والفيض الرحماني) فإن الإمام عبد القادر الجيلاني يعيد الانحطاط الذي كانت عليه الأمّة الإسلامية وسوء حالها في زمانه إلى هذه الأسباب:

1- عدم فهم القدر 2- قسوة القلوب 3- مخالفة شرع الله تعالى 4- الغفلة عن سوء الحال 5- التّردّي الأخلاقي 6- شيوع الترف والشهوات 7- فتنة الأزواج والأولاد 8- ترك العمل بالعلم 9- الاكتفاء فقط بعبادة الظاهر 10- سوء حال العلماء. وما أشبه يومنا الذي نعيش فيه بالأمس الذي عاش فيه الإمام الجيلاني، فها نحن على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني نعاني من الانحطاط وسوء الحال، وقد اجتمعت فينا كل الأسباب العشرة التي أوردت عناوينها خلال السطور السابقة والتي تقف من وراء سوء حالنا اليوم كما وقفت من وراء سوء الحال الذي عاش فيه الإمام الجيلاني والذي دفعه أن يواصل إطلاق صيحاته صارخا:

* (دين محمد صلى الله عليه وسلم تتواقع حيطانه، ويتناثر أساسه، هلمّوا يا أهل الأرض نشيد ما تقدم، ونقيم ما وقع…).

* (يا قوم الإسلام يبكي ويستغيث، يده في رأسه من هؤلاء الفجار، من هؤلاء الفساق، من هؤلاء أهل البدع والضلال، من الظلمة، من اللابسين ثياب الزور، من المدعين ما ليس فيهم…).

* (هذا الدين أودى – أي ذهب وهلك- تتواقع حيطانه، اللهم ارزقني أعوانا على بنائه، ما يبنى على أيديكم يا منافقين، لا كرامة لكم حتى يبنى على أيديكم، كيف تبنون وليست لكم صنعة البناء ولا آلته).

* (حيطان دين نبينا قد تواقعت، تستغيث بمن يبنيه، نهره قد نضب ماؤه، والرب لا يعبد، وإذا عُبد رياء ونفاقا. من يعاون في إقامة الحيطان وتعجيل النهر، وكسر أهل النفاق).

* (هذا آخر الزمان، اللهم إنا نعوذ بك من شره).

* (أكثر أهل هذا الزمان ذئاب عليهم ثياب).

* (هذا زمان بيع الدين بالتين).

* (هذا آخر الزمان، إني أراكم قد غيرتم وبدلتم، فأخاف عليكم من التغيير والتبديل).

* (هذا آخر الزمان، قد صار معبود أكثرهم: الدينار والدرهم، قد صاروا كقوم موسى عليه الصلاة والسلام الذين أشربوا في قلوبهم العجل، عجل هذا الزمان الدينار والدرهم).

* (الله أكبر عليكم يا موتى القلوب، يا مشركين بالأسباب، يا عابدين أصنام حولهم وقواهم ومعايشهم ورؤوس أموالهم وسلاطين بلادهم وجهاتهم التي ينتهون إليها، إنهم محجوبون عن الله تعالى.). من يتدبر هذه الصيحات اليوم يجد أنها تنطبق على زماننا اليوم كلمة كلمة وحرفا حرفا، مما يعني أننا بحاجة إلى نهضة واعية وصادقة وشاملة ومستديمة تنفض عنا كل الأسباب العشرة التي جعلت منا محل تندر بين الأمم. وكم نحن بحاجة للوقوف عند كل سبب منها، ولأن من أخطرها هو سوء حال العلماء، فسأتناوله بالشرح الموجز في هذه المقالة مستندا إلى توصيف الإمام الجيلاني لسوء حال العلماء وتحديده العلاج، وهاكم بعض أقواله الموجعة والمرة والمتألمة التي خاطب بها علماء زمانه:

* (يا علماء يا جهال، يا حاضرين ويا غائبين، استحيوا من الله تعالى).

* (لا تغتر بهؤلاء العلماء الجهال بالله تعالى، كل علمهم عليهم لا لهم… يأمرون الناس بأمر ولا يمتثلونه، وينهون عن شيء ولا ينتهون عنه، يدعون إلى الحق عز وجل وهم يفرون منه، يبارزونه بمعاصيهم وزلاتهم، أسماؤهم عندي مؤرخة مكتوبة معدودة).

* ( إني أرى علماءكم جهالا، زهادكم طالبي الدنيا وراغبين فيها، متوكلين على الخلق، ناسين للحق، الثقة بغير الحق تعالى سبب اللعنة).

* ( يا من يدعي العلم، ويطلب الدنيا من أبنائها، ويذل لهم، قد أضلك الله على علم، ذهبت بركة علمك، ذهب لبّك وبقي قشره).

* (يا من تمشيخ وتصدر وزاحم الشيوخ المخلصين في أحوالهم، ما دمت تطلب الدنيا بنفسك وهواك فأنت صبي ذلك الطبع المحض).

* (هذا النفاق إلى متى يا علماء ويا زهاد؟ كم تنافقون الملوك والسلاطين حتى تأخذوا منهم حطام الدنيا وشهواتها ولذاتها، أنتم وأكثر الملوك في هذا الزمان ظلمة خونة في مال الله تعالى وفي عباده). ثم ماذا ؟!

الإمام الجيلاني لا يقف عند حد الوصف فقط لسوء حال علماء زمانه، بل يدعو إلى الدور المطموع به من العلماء، ويعبر عن ذلك عبر نصائح صادقة وحارقة وهاكم أمثلة منها:

* (إنما يقود الناس البصير، إنما يخلصهم من البحر السابح الجمود، إنما يرد الناس إلى الله عز وجل من عرفه، أما من جهله كيف يدل عليه).

* (اخدم العلم والعلماء العمال واصبر على ذلك).

* (قام شخص قلبه لله، ومع الله، متعلق بالله، زاهد في الخلق، قام لنصرة دينه، فتشوا الأرض فإن وجدتم هذا فتعلقوا به).

* (إذا خالطت أهل الدين وأحببتهم، استغنت يداك، وقلبك يهرب من النفاق وأهله).

* (العلماء العمال بعلمهم نواب السلف، هم ورثة الأنبياء، وبقية الخلق، هم مقدمون بين أيديهم، يأمرونهم بالعمل في مدينة الشرع، وينهون عن خرابها).

* (العلماء بالشرع وحقائق الإسلام هم أطباء الدين الجابرون لكسره. يا من انكسر دينه تقدّم إليهم حتى يجبروا كسرك).

* (العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر، يؤخذ من الحال لا من المقال، يؤخذ من الفانين عنهم وعن الخلق الباقين بالحق).

ثم ماذا؟! ماذا نقول عن زماننا الذي بات فيه عدد العلماء أندر من الكبريت الأحمر، ومع ذلك هم موجودون بحمد الله تعالى اليوم، وبعضهم قائم لله بالحق في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وهناك البعض من هؤلاء البعض في الداخل الفلسطيني، ولا يزالون يعلمون أهلنا أمور دينهم، ويدعونهم إلى الله تعالى على بصيرة، ويذكرونهم بميزان الحلال والحرام، ويفتونهم في مسائل دينهم ودنياهم متمسكين بالكتاب والسنة والتراث الفقهي للمذاهب الأربعة. وأمّا أنا وغيري ممن لسنا علماء وإنما نجتهد أن نغير ما بأنفسنا، وما بأنفس أهلنا في الداخل الفلسطيني فنحن مطالبون أن نوقر هؤلاء العلماء الندرة في الداخل الفلسطيني وأن نحسن الظن بهم، وأن نتهم أنفسنا إذا ما حدثتنا بغير ذلك. وكم حالنا بات مأزوما، وكم باتت ترمينا سهام أعداء الله تعالى من كل جانب، فيا كل العاملين في الداخل الفلسطيني على تغيير ما بأنفسهم وما بأنفس أهلنا ارفقوا بأنفسكم وارفقوا بأقلامكم وارفقوا بصفحات تواصلكم، وارفقوا بقلوبكم وألسنتكم، ولنلتقي على أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)، ولنعلم أن قيمة كل واحد منا بقدر تآلفه مع كل هؤلاء العاملين الصادقين الساعين لتغيير ما بأنفسهم، وما بأنفس أهلنا، وإلا فأنا لوحدي لا أساوي شيئا، ولولا رحمة الله تعالى وكرمه أنى لي وأنى لغيري أن نطمع بمعرفة الله تعالى وحب الأيمان، وصدق من قال: المؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى