أخبار رئيسيةمقالاتومضات

رسالة شكر الى لجنة إفشاء السلام في أم- الفحم

الشيخ رائد صلاح 

هكذا كانت صرخة الإمام عبد القادر الجيلاني في وجه زًهاد زمانه: (يا زُهاد الأرض هدِّموا صوامعكم وتقدَّموا منّي فقد قعدتم بخلاف ما طلبتموه)، وكأني بالإمام الجيلاني أراد أن يقول لهم ولكل علماء زمانه، وعُبّاده، ألا ترضوا لأنفسكم أن تعيشوا في (برج عاجي) يقطعكم عن الجماهير وهمومها وآلامها وأوجاعها وأحزانها ومآسيها، بل أنتم مطالبون أن تتواصلوا مع هذه الجماهير وأن تساندوها وأن تفرجوا كروبها كل كروبها سواء كانت فقرًا مدقعا أو ظلما قاهرا أو تفككا أسريا أو أمراضا اجتماعية أو جوائح أوبئة، وإلا إذا ظلَّ الزاهد في صومعته دون أن يعيش هموم هذه الجماهير فقد اختار لنفسه أن يتربع على قمة هذا (البرج العاجي) باسم الزهد، مما دفع الإمام الجيلاني أن يطالبه بهدم صومعته، والانخراط مع هذه الجماهير ومع همومها، وكذلك حال العالم الذي حبس نفسه بين الكتب وأقام سدا كسد ذي القرنين بينه وبين صرخات هذه الجماهير، فهو في الحقيقة اختار لنفسه أن يتسلق هذا (البرج العاجي)، وكأنه في كوكب وهذه الجماهير المسحوقة في كوكب آخر، فما أحراه أن يهدم هذا (البرج العاجي) حتى لا يبقى فيه حجرا على حجر ثمَّ يسارع ويلتحم مع هذه الجماهير ومع معاناتها. وكذلك الحال مع العابد الذي ربط نفسه بحبل العزلة في محرابه، ثمَّ حشا أذنيه قطنا حتى لا يسمع نداءات استغاثة هذه الجماهير، فهو في الحقيقة اختار لنفسه أن ينظر إلى هذه الجماهير من برجه العاجي الذي يفرض عليه القطيعة مع هذه الجماهير ومع نداءات استغاثتها، مما يملي عليه أن ينقض هذا (البرج العاجي) حجرا حجرا وأن يعجل بالاستجابة لنداءات استغاثة هذه الجماهير، وهكذا تتحد هذه الأجزاء المتفرقة التي اسمها: الزُهّاد، والعلماء، والعباد، والجماهير.

وهكذا تولد الأمَّة من جديد، وتجدد العهد مع قدراتها وإراداتها، ومع علمها وعملها، ومع أقوالها وأفعالها، ومع أقويائها وضعفائها، ومع أغنيائها وفقرائها، وإلا فإنَّ الأمة لا تستحق أن يطلق عليها أمَّة إذا ظلت مقومات رأس مالها البشري متفرقة، وإذا بات كل عضو من جسدها يألم لوحده ويتوجع لوحده ويأنُّ لوحده، ولا أبالغ إذا قلت إنَّ حالنا اليوم يشهد تشظي أمتنا إلى أمم، وتشظي مجتمعنا في الداخل الفلسطيني إلى شظايا متناحرة ومتدابرة لا تشعر فيه أية شظية بما عليه حال سائر الشظايا من ألوان ضنك وشقاء وكمد. وقد جلست يوم الأحد الموافق 9/4/2023 مع لجنة إفشاء السلام النسائية في أم- الفحم فسمعت منهن حديثا يذهل كل مرضعة عمّا أرضعت ويجعل الولدان شيبا، فقد دأبن في هذا الشهر (رمضان المبارك) على التواصل مع مئات البيوت والأسر في أم- الفحم، ودأبن على توزيع الطرود الغذائية على هذه البيوت والأسر، وتزويدها باللحم والملابس والأحذية والأسماك والحلوى، وخلال هذا النشاط الدؤوب الذي قمن به جزاهن الله خيرا، وجزى الله خيرا كل تاجر وكل صانع معروف وكل مؤسسة أمدتهن بهذه التبرعات الكثيرة والمتنوعة خلال هذا النشاط الذي قمن به على مدار كل أيام رمضان المبارك سجلنَّ هذه الملاحظات التي تدمي القلب وتفتت الأكباد:

1- عندما دخلنَّ بعض البيوت في أم-الفحم وقدمنَّ لهم اللحم لاحظن أنَّ البعض من أطفال هذه البيوت أخذوا يشمون اللحم من شدة شوقهم إليه، وراحوا يصيحون بفرح: اليوم سنأكل لحما.

2- عندما قدمن اللحم لبعض الأمهات في هذه البيوت، وهو عبارة عن بضعة كيلوغرامات ليس إلا، قامت هذه الأمهات بتقطيع هذا اللحم إلى قطع وقلن بلا تلعثم: سنطبخ كل يوم واحدة من هذه القطع وسنحتفظ بالقطعة الكبيرة ليوم العيد.

3- عندما دخلن بعض البيوت في أم-الفحم ووزعن على أطفال هذه البيوت الأحذية الجديدة، أخذ هؤلاء الأطفال يحتضنون هذه الأحذية من شدة الفرح، ويعلم الله تعالى، كيف كان حال أقدامهم في تلك اللحظات التي حملوا فيها تلك الأحذية الجديدة.

4- عندما دخلن بعض البيوت في أم-الفحم وجدن أن الأسر التي عاشت في تلك البيوت كانت بلا ملابس، مما دفع إحدى الأمهات أن تقول لهن: نحن بأمس الحاجة إلى الملابس سواء كانت ملابس جديدة أو مستعملة، فالرحمة بهذه البيوت يا من تحرصون على ارتداء ثوب جديد في كل شهر ثم إلقائه بعد شهر في سلة المهملات.

5- دخلن أحد البيوت المنكوبة في أم-الفحم والتي اختطف منها غول العنف الأعمى أحد أبنائها، فظلَّ والد ذاك الأبن القتيل يجهش بالبكاء خلال مدة زيارتهن لذلك البيت، وظلت عيناه تفيض بالدموع الساخنة الحارقة، ثمَّ قال لهنّ: لقد نسيني أهل بلدي أم-الفحم، ولم يعد أحد يتفطن لمصيبتي، ثمَّ قال لهنّ: صدق من قال: الوجع لا يؤلم إلا صاحبه!! فهل لا زلنا نعتبر أنفسنا جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى!! أم أن سوس الأنانية أكل من لحومنا وسبح في نخاعنا حتى أصابته التخمة.

6- دخلن أحد البيوت في أم-الفحم، فوجدن فيه عجوزا، فقالت لهن: أنا فلانة بنت فلان، ثمَّ قالت: أين فلان لماذا لم يعد يزورنا؟! لقد كان يزورنا قبل ذلك ويشرب من بيتنا؟! هل نسي ذلك؟

 

7- دخلن بعض البيوت في أم-الفحم فوجدن أنها تفتقر للخبز، فجزى الله خيرا ذاك المخبز (س) الذي أمدَّهن بكمية كبيرة من الخبز، فقمن بتوزيعها على تلك البيوت.

8- ثمَّ قالت لي لجنة إفشاء السلام النسائية في أم-الفحم إنَّهنّ على وشك أن يبدأن بتوزيع سلال حلوى، قبيل يوم عيد الفطر على بيوت في ضائقة في أم-الفحم، وهي لفتة مباركة، وعمل مبارك. وإلى جانب ذلك سيقمن بتزويد بعض البيوت بأطقم الفراش.

لكل ذلك فإنّي أقدّم شكري من عميق قلبي إلى لجنة إفشاء السلام النسائية في أم-الفحم على سيل هذا العطاء الذي قمن به في شهر رمضان، ولا أنسى أن أقدم شكري من عميق قلبي إلى لجنة الزكاة المحلية في أم-الفحم، وإلى لجنة حفظ النعمة في أم-الفحم وإلى سائر المؤسسات الإغاثية في أم-الفحم وما أكثرها، والتي لا تزال تؤدي دور الكافل المغيث للكثير من البيوت المحتاجة والأسر المستورة في أم-الفحم وخارجها. وكم أتمنى على سائر لجان إفشاء السلام النسائية في سائر البلدات في الداخل الفلسطيني أن تحذو حذو لجنة إفشاء السلام المحلية في أم-الفحم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى