أخبار رئيسية إضافيةمقالات

النقب الحامية الجنوبية باقية على عهد الأقصى

ساهر غزاوي

 

باستشهاد الشاب الطبيب محمد العصيبي من بلدة حورة في النقب، عند باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، يحضرنا في هذه المقالة الدور المبارك في الماضي والحاضر لمنطقة قضاء بئر السبع المتعارف عليها باسم النقب التي تشكل أكثر من نصف المساحة التاريخية لأرض فلسطين، هذه المنطقة التي تعتبر بوابة بلاد الشام أو بوابة فلسطين الجنوبية بالمفاهيم الإسلامية والعربية والفلسطينية.

يقول عن هذه المنطقة الدكتور منصور النصاصرة في كتابه “بدو النقب وبئر السبع: 100 عام من السياسة والنضال”: النقب وقضاء بئر السبع هو الجزء الجنوبي من فلسطين التاريخية، وسكانه كانوا- تاريخيًا ولا يزالون- جزءًا من نسيج المجتمع الفلسطيني. ولقد فشلت السياسة الإسرائيلية في تكوين هوية بدوية منفصلة لأهل النقب، وذلك بسبب الوعي السياسي لدى بدو النقب، فقد حافظت العشائر البدوية عبر المنطقة في بلاد الشام ومصر وشمال الجزيرة العربية والأردن على هويتها العربية، وعلاقات النسب المتينة، برغم ظهور دول وأشكال مواطنة جديدة.

ونزيد على هذا القول، أنَّ هذه المنطقة التي جذورها ضاربة في بطن التاريخ، ما يزال أهلها يحفظون أصول منطقتهم الدينية، وجذورها الإسلامية، ويحرصون على استعادة ماضيها وبعث الحياة في تراثها الذي جعلها تبقى آلاف السنين وما زالت، إذ ما زلنا نجد من أهل النقب المحافظة والصلابة والإصرار والثبات والتمسك بالأرض والتاريخ والجغرافية، لا سيّما وأنها- منطقة النقب- أفشلت المشروع الصهيوني عبر أكثر من سبعة عقود بترويضها وأفشلت الرهان على تذويبها وأسرلتها بمجرد أن يمنحها الجنسية الإسرائيلية وبعضًا من الامتيازات المعيشية والحقوق المطلبية، وأفشلت مخططه بصناعة الوعي الجديد للعربي الفلسطيني حتى يحارب معه جنبا إلى جنب لطمس الهوية الفلسطينية الجماعية ومظاهرها المتأصلة والمتجذرة في هذه المجموعة الأصلانية التي انتصرت في معركة الصراع على الوجود.

وكذلك، وهنا صلب الموضوع، فإن قضاء بئر السبع المتعارف عليها باسم النقب، البوابة الجنوبية لفلسطين والحامية الجنوبية للقدس والمسجد الأقصى المباركين، أدّت- وما تزال- الدور المبارك والبارز في نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى جنبًا إلى جنب مع كافة البلدات العربية في الجليل والمثلث والمدن الساحلية، وفي مسيرة إعمار المسجد الأقصى التي من أبرز أعمالها، فتح المصلى المرواني وبواباته الضخمة الخاصة بالمصلى وبناء درج يقود إليها، هذا إلى جانب حافلات شدّ الرحال التي راحت تنقل الناس من معظم قُرى ومدن ومضارب النقب إلى المسجد الأقصى المبارك، وإلى جانب المشاركة الفاعلة والبارزة في مشاريع الرباط المنظم والاعتكاف في المسجد الأقصى، فأهل النقب كانوا وما يزالون مع عهد نصرة القدس والأقصى.

وعودة على بدء، فإن استشهاد الشاب النقباوي، الطبيب محمد العصيبي، عند أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك بعد أن كُتب له تأدية عبادة الرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى، هي شهادة العز والمجد والفخر سيسجلها التاريخ وسيخلد اسم محمد العصيبي بحروف من نور في تاريخ مسيرة نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى، وكما قالت والدته: “انتظرنا تخرجه سبع سنوات لكن أكرمه الله بشهادة الأقصى”، كيف لا والطبيب محمد كان قد وصل المسجد الأقصى لصلاة الجمعة، وأفطر ثم أدَّى صلاة التراويح وهمّ بمغادرة المسجد، وتم إطلاق النار عليه عندما حاول مساعدة فتاة، بحسب رواية العائلة التي تدحض وتُفند وتُكذب رواية شرطة الاحتلال المضللة.

وما زلنا قد تحدثنا عن الدور النقباوي في نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى، فإنه لا يفوتنا أن نستذكر “شهيدات الأقصى” الـ 8 من بلدة حوره في النقب، حيث تعرضت حافلتهن التي كانت قادمة من المسجد الأقصى، لحادث طريق مروع أدَّى إلى استشهادهن يوم 3/2/2015، والشهيدات هن: فاطمة أبو القيعان، منوة أبو القيعان، كفاية العصيبي، يسرى النباري، خضرة السيد، نورة الأطرش، زانة أبو طريش ونعمة أبو شحيطة، وقد اعتدن على شد الرّحال إلى المسجد الأقصى في حافلات مؤسسة “البيارق” التي حظرتها المؤسسة الإسرائيلية عام 2015.

ولا يفوتنا كذلك أن نستذكر الشاب حسن سليمان سلمان أبو مديغم من مدينة رهط بالنقب الذي توفي في المسجد الأقصى بعد سقوطه من على سور المسجد الأقصى 2013 بعد إحيائه ليلة القدر في رحاب الأقصى وأدائه صلاة الفجر، لتكون عبادة الرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى آخرَ عهده بالحياة.

وختامًا، فإن قضاء بئر السبع المتعارف عليها باسم النقب، ومنذ العام 2000- أي بعد هبّة القدس والأقصى لغاية الآن- قتل منها أكثر من 20 شابًا برصاص الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضمن سياسة الضغط على الزناد بسهولة وجرائم القتل بما يسمى “خارج إطار القانون” بحق العرب والفلسطينيين في أراضي الـ 48، والتي كان أخر ضحايا هذه السياسة الممنهجة التي تحظى بدعم كبير من جهات سياسية رسمية وحكومية وقانونية وقضائية، الشاب الطبيب محمد العصيبي الذي قتل غدرًا عند أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى