أخبار رئيسية إضافيةمقالات

يوم الأرض.. ذكرى حاضرة وباقية في الوعي الجمعي

 ساهر غزاوي

تحلّ علينا في هذه الأيام، الذكرى الـ 47 ليوم الأرض والتي تعود أحداثها إلى الثلاثين من آذار/ مارس عام 1976 عندما أقدمت السلطات الإسرائيلية على مصادرة نحو 21 ألف دونم لتنفيذ مشروع أطلقت عليه “تطوير الجليل” وكان عبارة عن عملية تهويد كاملة للمنطقة، ما دفع العرب الفلسطينيين في أراضي الـ 48 للتصدي لهذا المشروع، وعلى أثرها عمّ إضراب عام ومسيرات شعبية في مناطق الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد 6 فلسطينيين وجُرح 49 واعتقل أكثر من 300 آخرين.

بعد مرور 47 عامًا على وقوع أحداث يوم الأرض، صار الوعي الجمعي الفلسطيني بأهمية إحيائها يتزايد عامًا بعد عام، من خلال التذكر والاستذكار، وهذه المقالة ما هي إلا مساهمة متواضعة لحفظ الذاكرة الجماعية في الوعي الجمعي الفلسطيني، وبالرغم من أن الذاكرة تعتمد على التذكر، والتذكر عادة ما يكون لأشياء حدثت وانتهت في الماضي، بَيْدَ أن التذكر هنا لاستحضار ذكرى يوم الأرض بكل ما ترمز إليه وبما تحمله من أبعاد ودلالات ومعان سياسية ووطنية، والاستذكار لمواصلة واستمرار التأكيد على أحقية هذا الشعب بأرضه التاريخية والهوية والانتماء والتشبث بالوطن والأرض وعدم الاستسلام لواقع استمرار السياسة الإسرائيلية في الاستيلاء على الأراضي، بحيث لا تزال مشاريع مصادرة الأرض مستمرة.

يعتبر يوم الأرض من المحطات الهامة والمفصلية في تاريخ مسيرة شعبنا الفلسطيني، وهي أول محطة تأتي بعد الحدث المفصلي الجوهري الأكبر النكبة عام 1948، بحيث أن هذه هي المرة الأولى التي نظم الفلسطينيون منذ عام 1948 احتجاجات ردًا على السياسات الإسرائيلية، في حين أن يوم الأرض شكل نقطة تحول في التوجهات والأدوات النضالية للفلسطينيين في أراضي الـ 48.

من المهم جدًا أن نقف عند تفاصيل أحداث وتداعيات وأثار هذه المحطة الهامة والمفصلية التي شهدت تحولًا ملموسًا في الوعي السياسي الشعبي لدى الفلسطينيين في الداخل خاصّة بعد مرورهم بصدمة أو كارثة النكبة، ومرورًا بالحكم العسكري (روحه ما زالت حيّة حتى اليوم) الذي حوَّل حياة الفلسطينيين سكان البلاد الأصلانيين إلى عسكرية، ومرورًا بمجزرة كفر قاسم البشعة عام 1956، فضلًا عن الممارسات القمعية اليومية والسياسية التي وصلت الذروة في أحداث يوم الأرض عام 1976.

ومن المهم جدًا الوقوف عند ذكرى يوم الأرض بتداعياتها وإسقاطاتها علينا كفلسطينيين نعيش على أرضنا وفي وطننا، لنستذكر شهداءنا الستة الذين قتلوا على يد الشرطة الإسرائيلية في المظاهرات التي انطلقت من سخنين وعرابة ودير حنا في الجليل في سياق الاحتجاج على مصادرة الأراضي. هؤلاء الشهداء وثقت أسماؤهم ضمن سجل حافل لضحايا سياسات التمييز العنصري، بحيث أنه منذ قيام الكيّان الإسرائيلي عام 1948 حتى يومنا هذا، كان (وما زال) ثمة استعمال دائم للقوة المفرطة ضد الأقلية الأصلانية الفلسطينية عبر محطات كثيرة كان يوم الأرض من أبرز هذه المحطات التي جاءت بعدها انتفاضة القدس والأقصى عام 2000، وهبّة الكرامة في أيار عام 2021، فضلًا عن أحداث تقع بين الفنية والأخرى في طول البلاد وعرضها، تظهر ذهنية الهيمنة والضبط الاستعماري الإسرائيلي تجاه المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ 48.

في يوم الأرض من المهم كذلك أنّ نستذكر أن مفهوم الصراع على الأرض الذي يشكل محورًا أساسيًا في الصراع مع الحركة الصهيونية، يطغى عليه هاجس “الخطر الديمغرافي”. هذا الهاجس ساور وما يزال الكيّان الإسرائيلي حتى لا تتحول الأغلبية اليهودية المهيمنة إلى أقلية أو إلى نسبة قريبة جدًا من نسبة العرب الفلسطينيين، بحيث أن هذا الكيان اعتبر العرب الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم غرباء في وطنهم الأصلي ولعنة كبيرة على المشروع الصهيوني واعتبرهم مجموعة عدائية فطريًا وطابورًا خامسًا وعمل على التضييق عليهم ومحاصرتهم في مناطق أمنية وفرض عليهم الحكم العسكري، فهاجس الاستيطان الإسرائيلي بالجليل ولمواجهة الواقع الديموغرافي ومحاولة تثبيت يهودية الدولة على حساب مصادرة الأراضي العربية، هذه العوامل وغيرها فجرت أحداث “يوم الأرض” عام 1976.

والذي لا يقل أهمية عمّا سلف، أن يوم الأرض شكل جوهرية الصراع مع الاحتلال وأعاد الاعتبار إلى القضية الفلسطينية وكان بمثابة خطوة بصفة جماعية لاستعادة الحقوق لأصحابها الأصلانيين، انطلاقًا من الوطنية الفلسطينية التي اتسمت بوعي مبكر بالمخطط الصهيوني وبصراع البقاء وصراع الأرض والديموغرافيا. ويوم الأرض أكّد كذلك على أحقية هذا الشعب بأرضه التاريخية وفرض معادلات جديدة في الصراع على الوجود والهوية والانتماء والتشبث بالوطن والأرض ولعدم استسلامهم لواقع استمرار السياسة الإسرائيلية في الاستيلاء على أراضيهم.

ختاما، فإن يوم الأرض غدا يومًا فلسطينيًا بامتياز وتقليدًا سنويًا يشارك في إحيائه الشعب الفلسطيني وكل صاحب قضية وضمير إنساني يناصر ويدافع عن المظلومين، وغدا هذا اليوم يومًا يؤكد فيه كل عام ورغم مرور 47 عامًا على هذه الذكرى، الفلسطينيون في أراضي الـ 48 ومعهم أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم وإلى جانبهم بعضًا من الشعوب العربية والإسلامية، على حقوق الفلسطينيين القانونية والسياسية كأصحاب أرض ووطن في فلسطين التاريخية، ويؤكدون على تمسكهم وتشبثهم في أرضهم وعلى ثباتهم في مواجهة كافة الإجراءات والمحاولات الإسرائيلية، الرامية إلى اجتثاثهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى