أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرعرب ودوليومضات

“العدل والإحسان” المغربية.. ما مدى نجاحها في الجمع بين التصوف والسياسة؟

تُعد تجربة جماعة “العدل والإحسان” المغربية، في الجمع بين التصوف والتربية والاشتغال بالشأن العام، ومنه السياسة، على أيدي مؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين تجربة فريدة من نوعها، ومتميزة في سياقها، وهو ما يستحق دراسة تجربتها تلك لاستكشاف مدى نجاحها أو إخفاقها في ذلك.

من المعروف أنَّ للجماعة اهتماما كبيرا، وعناية خاصة بالتربية والتزكية على طريقة التصوف السني الراشد، وهي تترجم ذلك في أعمال ونشاطات وبرامج منتظمة على مختلف مستوياتها التنظيمية، وجلساتها التكوينية والتربوية، ولم يكن ذلك الاشتغال التزكوي لأفرادها مانعا لها من الانخراط والاشتغال بالشأن العام، بل كان بمثابة المحضن التربوي الذي يُحصن رجالها من الانزلاق في مزالق السياسية، والتعلق بمغانمها ومكاسبها.

ووفقا لمراقبين، فقد كان للجماعة طوال مسيرتها سواء في حياة مؤسسها، الشيخ عبد السلام ياسين، أو بعد وفاته آراء ومشاركات ومواقف صارمة وقوية عرضتها للمضايقات والتهميش من قبل السلطات المغربية، لكنها حافظت على خطها الفكري والدعوي والسياسي، مستمدة ثباتها من أصولها العقدية والإيمانية والتزكوية والفكرية، وفق رؤى وتقريرات مؤسسها ومرشدها، والتي شكلت عقليات قادتها وكوادرها، وهذبت أخلاقياتهم، وزكّت نفوسهم.

ومع أن الفكرة السائدة في التداول الإسلامي، خاصة في القرون المتأخرة ابتعاد رجال التربية والتصوف عن الخوض في الشأن السياسي، واعتكافهم على إصلاح قلوبهم، ومجاهدة أنفسهم للارتقاء في معارج التجليات والمقامات، إلا أن تجربة العدل والإحسان محاولة على غير المألوف والمعهود، فإلى أي مدى نجحت في الجمع بين التصوف بنزعته الطهرانية، الزاهدة في الدنيا ومناصبها ومكاسبها، وبين متطلبات العمل السياسي بمعادلاته الصعبة، ومآلاته المقلقة؟.

وطبقا للباحث في الفكر الإسلامي، وأحد أعضاء الجماعة، عبد الهادي المهادي فإن “جماعة العدل والإحسان، ومنذ البداية انطلقت بإرادة تجديدية تطمح للجمع بين ما تفرَّق في تاريخ الأمة منذ الانكسار التاريخي، عندما استُبِدّ بالحكم دون شورى من قبل ملوك تسموا خلفاء، وفي المقابل اعتزل رجال السياسة للاشتغال بتزكية أنفسهم، فاشتهروا فيما بعد باسم الصوفية”.

وواصل حديثه بالقول: “وهذا الوعي، وهذه الإرادة جليان في الشعار الذي ترفعه الجماعة؛ فـ”العدل” تهَمّم بالشأن العام، وتدافع سياسي في أفق دول العدل والكرامة والحرية، و”الإحسان” انشغال بالتزكية ومركزها الصحبة والذكر، وما فتئ الأستاذ عبد السلام ياسين -–رحمه الله-– يلحُّ على هذا الربط النبوي بين الشاغلين، وكشف في كتابات عدة، خاصة “نظرات في الفقه والتاريخ” الخطورة التي سببها افتراقهما على المشروع الدعوي والسياسي للأمة”.

وأضاف: “وعى الأستاذ عبد السلام ياسين جيدا أن الانسحاب من خوض معركة العدل في السياسة، وفي قسمة الأرزاق يسمح لأطراف أخرى ذات مرجعية مادية، مثل المدرسة الماركسية، باحتكار مُجرياتها وقطف نتائجها وتجييش شباب المسلمين تحت شعاراتها وقيادتهم إلى العَتَمة، لقد حسم الأستاذ ياسين المسألة عندما أعلن أن (أذن الجائع لا تسمع نداء الصلاة)”.

وعن تجربة مؤسس الجماعة في الجمع بين التصوف والسياسية، أوضح المهادي أن “الأستاذ ياسين منذ البداية بنى مشروعه على هذه الثنائية، ومنذ أن خرج من الزاوية البوتشيشية، بعد أن قضى ست سنوات في صحبة شيخه المتوفى، نشر كتابه الموسوعي (الإسلام غدا)، ومنحه عنوانا تفسيريا هو (العمل الإسلامي وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة)، ثم ما لبث أن أرسل رسالة نقد ونصح وبيان مشروع لملك المغرب آنئذ الحسن الثاني سماها (الإسلام أو الطوفان)، فسُجن بعد ذلك مرات، وحوصر في بيته عشر سنوات، كما حوصرت جماعته وضُيق عليها ـ وما يزال ـ إلى هذه اللحظة”.

وتابع: “الأصول الصوفية للأستاذ ياسين كانت ـ وما زالت ـ محط نقد من قبل معارضيه من الإسلاميين وغيرهم، وكانت ضمن الأسباب التي رفض على أساسها بعض الإسلاميين العمل المشترك معه يوم طُرح في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات العمل الوحدوي المشترك، رغم أنه ما فتئ يؤكد أنه قطع بشكل نهائي مع (الخطاب الصوفي) تصورا وتنزيلا، وما فتئ يؤكد أن (العالم هو زاويتنا)”.

وأردف: “تعتقد الجماعة أن المدخل إلى الإحسان هو العدل، وأن العدل جزء من ماهية الإحسان، وتدعو إلى ما تسميه في أدبياتها بـ’توازن التربية‘؛ الذي يهدف إلى الهروب من الزهادة بدعوى الروحانية، أو الاستغراق في الفكر، أو الإفراط في الحركة، وتسمي ذلك ’مزالق ثلاثة‘ “.

وبيَّن المهادي أن الجماعة “لتنزيل هذا التصور وتثبيته اشتغلت بكل مؤسساتها على التخطيط لبرامج عملية إجرائية ومتابعتها بشكل دقيق، سواء ما تعلق بالمطلب الفردي الإحساني، أو ما ارتبط بالهدف العدلي الجماعي، فهي تطمح لتخريج أفواج من المحسنين المُعافسين للواقع، المتدافعين مع الاستبداد، عبر الجلسات التربوية والرباطات والاعتكافات، ودعاء الرابطة، والانتظام في الورد اليومي، من ذكر وتلاوة القرآن، وكذا حفظه.. أهم مفهوم في أدبياته التربوية، وهو ما يحتاج بسطا وشرحا لا تتسع له هذه النبذة اليسيرة”.

من جهته قال الكاتب والباحث المغربي، نور الدين لشهب: “جماعات الإسلام السياسي ثلاثة أصناف: الإخوان المسلمون وما يدور في فلكها، والسلفية بكل تنوعاتها، والجماعات التي هي امتداد للزوايا الصوفية، وجماعة العدل والإحسان منها”، وأضاف: “هي جماعة مغربية، تأسست في المغرب، وانطلقت من المغرب، وليست امتدادا لأي جماعة أو حركة خارج المغرب”.

وتابع: “ومن المعروف أن الخلفية الدينية في المغرب خلفية صوفية، وللزوايا الصوفية حضور وتأثير في المجتمع المغربي تاريخيا وواقعيا، وقد قامت بدور ريادي وطليعي في التربية والتزكية، وكذلك في الشأن العام، وأحيانا في مواجهة السلطة المركزية، وجماعة العدل والإحسان هي امتداد لتلك التوجهات، وتصوفها من قبيل تصوف التربية والإحسان مع الاشتغال بالشأن العام، ومنه السياسي، وهي بهذا تتصالح مع مجتمعها، ومع الثقافة الدينية السائدة فيه”.

في ذات السياق رأى الباحث المغربي، فيصل الأمين البقالي أن “تجربة جماعة العدل والإحسان لها خصوصيتها وفرادتها داخل الساحة الحركية الإسلامية، لذا فإن فهم تلك الخصوصية ضروري لفهم ما قد يطرح حولها من إشكالات، ومن بينها العلاقة بين التصوف والسياسة على ما بينهما من تنافر في ظاهر الأمر”.

وأضاف: “فهي خصوصية لا تُعزى فقط إلى مشربها الصوفي، فهناك حركات إسلامية لها هذا المشرب الصوفي، كما في تجربة الإخوان المسلمين التي بدأت بهذا المشرب أول ما بدأت، فمؤسسها ومرشدها كان من مريدي الطريقة الحصافية الشاذلية..، كما أنها خصوصية لا تعود فقط إلى محتدها المغربي، بتوجهاته الدينية المعروفة، في تبني الأشعرية عقائديا، والمالكية فقهيا، فثمة حركات إسلامية تتميز بذلك..”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى