تحليل: إلى أين تتجه احتجاجات التعديلات القضائية في إسرائيل؟
– تصاعد الاحتجاجات بالتوازي مع استمرار الحكومة بعملية إقرار التشريعات في الكنيست
– الحكومة أمام خيارين فإما إقرار التشريعات أو القبول بحوار مع المعارضة للتوصل إلى تسوية
** رئيس معهد “متفيم” (مسارات) الإسرائيلي للسياسات الخارجيّة الإقليميّة للأناضول:
– اعتقد أنها لحظات محلية حساسة للغاية
– آمل أن يتم احتواء هذا الأمر لأنه قد يتجه نحو وضع لا يريد أحد رؤيته
تتقدم الحكومة الإسرائيلية في اعتماد مشاريع قوانين من شأنها الحد من قوة السلطة القضائية في الوقت الذي تتصاعد حملة الاحتجاجات المعارضة لها.
غير أن التصعيد في ردود الأفعال السياسية وحتى الميدانية، كما جرى الأربعاء في تل أبيب، بات يدفع بسؤال إلى أين تتجه إسرائيل؟
وليس ثمة إجابة محددة لا لدى المحللين ولا حتى السياسيين عن مآل التطورات المحلية في إسرائيل سيما في ظل عزم الحكومة على المضي قدما في مخططها الدفع باتجاه سلسلة من مشاريع القوانين في الكنيست وإصرار المعارضة على إفشال هذا المخطط.
وتبدو فرص المعارضة في منع تمرير هذه القوانين متواضعة للغاية إن لم تكن معدومة في ظل تمتع الحكومة بأغلبية 63 من أعضاء الكنيست الـ 120.
خياران أمام إسرائيل
ومع ذلك فيبدو أن إسرائيل تسير نحو خيارين فإما أن تقبل الحكومة والمعارضة باقتراحات الجلوس لإيجاد حل وسط أو أن يمضي كل في مواقفه وعندها فيرجح أن تحصل مشاريع القوانين على المصادقة النهائية بحلول الشهر المقبل.
فالحكومة الإسرائيلية مستندة إلى أغلبيتها البرلمانية، وتقول إنها تريد الحد من قوة السلطة القضائية، وتحديدا المحكمة العليا، لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وبذلك يكون للحكومة اليد الطولى في تعيين قضاة المحكمة العليا التي عليها أن لا تتدخل بقوانين الأساس التي يعتمدها الكنيست وأيضا يكون من حق المسؤولين السياسيين اختيار مستشاريهم القانونيين، كما تعبر عن ذلك نصوص مشاريع القوانين المطروحة أمام الكنيست.
ولأجل هذه الأسباب تحديدا تحتج المعارضة على هذه التشريعيات وتعتبر أن من شأن اعتمادها، الانقلاب على السلطة القضائية وتحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية، كما عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة في الأسابيع الأخيرة رئيس المعارضة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد.
ولطالما تباهت إسرائيل بأن قوة سلطتها القضائية هو عنوان ديمقراطيتها.
تجربة جديدة
وقال رئيس معهد “متفيم” (مسارات) للسياسات الخارجيّة الإقليميّة (خاص) نمرود غورين: “اعتقد أنها لحظات محلية حساسة للغاية، لأن لدينا حكومة تدفع بتشريعات تتعارض مع الطبيعة الديمقراطية الأساسية التي كانت سائدة منذ عقود، سواء ما يتعلق بهيكل الحكم أو النظام القانوني”.
وأضاف غورين: “هناك الكثير يعارضون هذه التشريعات ويخرجون إلى الشوارع، ولا نعرف حتى الآن إذا ما كان هناك مجال لنوع من التسوية أو أن نتنياهو وحكومته سيسيران بسرعة كاملة في الاتجاه الذي يريدون، وإذا ما حدث ذلك فستكون أزمة دستورية غير مسبوقة في إسرائيل”.
واعتبر غورين، أن ما يجري هو “تجربة جديدة ولكن من المشجع رؤية الكثير من الإسرائيليين سواء من اليسار أو اليمين يخرجون من أجل حماية الديمقراطية”.
وكانت المعارضة الإسرائيلية أشارت إلى أن نتنياهو، بإصراره على التشريعات، فإنه يدفع الإسرائيليين نحو حرب أهلية.
ولكن نتنياهو حاول طمأنة الإسرائيليين والأطراف الدولية القلقة من ما يجري في إسرائيل بأنه “لن تحدث حرب ما بين الاخوة في إسرائيل”.
ومع ذلك فقد اعتبر نتنياهو أن “المعارضة الإسرائيلية تدفع نحو الفوضى على أمل إسقاط حكومته والعودة إلى صناديق الاقتراع”.
وبالمقابل فقد اعتبرت المعارضة أن التشريعات من شأنها إخراج إسرائيل من دائرة الديمقراطية إلى الديكتاتورية.
وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة اشتبكت الشرطة الإسرائيلية مع محتجين على التشريعات في تل أبيب.
واستخدمت الشرطة القنابل الصوتية وخراطيم المياه والخيالة لتفريق المتظاهرين الذين قالت الشرطة إنهم أغلقوا الشوارع واعتدوا على عناصر الشرطة.
وتصاعد بشكل ملحوظ تبادل الاتهامات ما بين الحكومة برئاسة نتنياهو والمعارضة برئاسة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد.
الحرب الأهلية بعيدة
وعما إذا كانت الأوضاع تتدهور أكثر فأكثر، قال غورين: “لا نعلم، إن الحرب الأهلية هي أمر بعيد جدا عن التجربة التي نعرفها في إسرائيل، ولذلك نأمل أن لا تتصاعد الأمور نحو أعمال عنف”.
وأضاف: “أنا اعتقد ان الاحتجاج ليس عنيفا فالناس يخرجون إلى الشوارع ويسمعون أصواتهم ويفعلون ذلك في إطار القانون”.
واستدرك في إشارة إلى وزير الأمن القومي وزعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني المتطرف إيتمار بن غفير: “هناك مشكلة مع الوزير بن غفير الذي بات مسؤولا عن الشرطة فهو من اليمين المتشدد ويدفع باتجاه رد أكثر صرامة من قبل الشرطة ضد المحتجين”.
وأضاف: “مع ذلك آمل أن يتم احتواء هذا الأمر لأنه قد يتجه نحو وضع لا يريد أحد رؤيته في إسرائيل”.
محاولات للدفع باتجاه الحوار
وتحاول أطراف سياسية إسرائيلية على رأسها الرئيس إسحاق هرتسوغ جلب الطرفين إلى طاولة الحوار لمحاولة إيجاد حلول وسط.
وحتى الآن لم تجد هذه الدعوات آذان صاغية في وقت تبدو فيه الحكومة عازمة على المضي قدما في سن التشريعات من خلال الكنيست.
ولم يملك غورين إجابة محددة عن المنحى الذي قد تتجه فيه الحكومة، قائلا: “لا نعلم بعد، فمن ناحية فإن هناك العملية الجارية في الكنيست تدفع فيها الحكومة قدما هذه التشريعات، ومن ناحية ثانية فإن هناك الجهود التي يبذلها الرئيس هرتسوغ لمحاولة إيجاد طرق للدفع باتجاه انخراط الطرفين في حوار نحو تسويات”.
واستدرك: “الأمر يعتمد على نوايا نتنياهو والحكومة وما إذا كانوا على استعداد للتنازل عن عناصر رئيسية أو وقف عملية التشريع هذه لفترة تفاوض في محاولة للتوصل إلى اجماع حول بعض البنود”.
وأضاف غورين: “إذا ما كان هناك استعداد للقيام بذلك، فأعتقد أنه من الممكن التوصل إلى حلول ولكن من غير الواضح إذا ما كانت هذه الجهود ستنجح أم لا ولذلك لا جواب لدينا على هذا الأمر حتى الآن”.
وتتواصل الاحتجاجات منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة بنيامين نتنياهو نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي ويتوقع أن تستمر حتى اعتماد هذه القوانين نهائيا الشهر المقبل، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة.