أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

الورقة الأهم لدى روسيا.. هل خسر بوتين حرب الطاقة أمام الأوروبيين بعد عام من الحرب؟

منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا، ظل موضوع الطاقة الشغل الشاغل للعواصم الأوروبية، وذلك لاعتمادها الكبير على الغاز الروسي من أجل التدفئة، لدرجةٍ تحوّل معها ملف الطاقة إلى حرب بين روسيا والدول الأوروبية داخل الحرب الكبرى.

وبعد أشهر من النقاشات الحادة التي كادت تعصف بالعلاقات داخل الاتحاد الأوروبي، تقرر فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي عبر التزام دول الاتحاد بتقليص واردات الغاز الروسي بنحو الثلثين على أساس التخلي عنه تقريبا نهاية العام الحالي، فضلا عن فرض عقوبات على النفط الروسي وفرض سقف سعري لبيعه تم تحديده بـ45 دولارا للبرميل.

وكانت أكبر مخاوف الدول الأوروبية، وهي تقرر حظر الغاز الروسي، أن تقع في سيناريو الحاجة للطاقة خلال فصل الشتاء، وبالفعل وضعت كل الحكومات الأوروبية خطة طوارئ لقطع التيار الكهربائي لبعض الساعات خلال الليل، وإيقاف تدفئة بعض المرافق العمومية وإطفاء أنوار واجهات المحلات التجارية.

وبعد مرور عام على الحرب، وعلى بعد أسابيع قليلة من انقضاء فصل الشتاء، تُطرح تساؤلات عمّن انتصر في معركة الطاقة بين روسيا وأوروبا.

 

ضربة حظ

قبل بداية موسم الشتاء الحالي، أعلن الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن جميع دوله حققت هدف تخزين أكثر من 82% من احتياجاتها من الغاز لمواجهة فصل الشتاء، ومع ذلك كانت هناك مخاوف من الحاجة للمزيد في حال انخفاض درجات الحرارة.

إلا أنه مع اقتراب انقضاء فصل الشتاء، ظهر أن الدول الأوروبية لم تلجأ للسيناريو الأسوأ المتمثل في قطع الكهرباء لساعات طويلة لأجل توفير الطاقة، الأمر الذي يعزى لعاملين أساسيين: أولهما انقضاء الأسابيع الأولى لفصل الشتاء بدرجات حرارة دافئة نسبيا في عموم أوروبا، أما الثاني فيتعلق بالارتباك الذي شهدته الصين بعد الانفتاح العام وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهو ما أدى إلى تراجع الطلب على الغاز، إذ إن جميع الشحنات التي كانت متوجهة إلى الصين تمت إعادة توجيهها لأوروبا لتعزيز مخزونها.

وهكذا، يمكن القول إن أوروبا تجاوزت شبح الشتاء بأقل الخسائر الممكنة بسبب عوامل خارجة عن إرادتها، ولكنها خدمتها في نهاية المطاف.

 

ما البدائل؟

قبل بداية الحرب في أوكرانيا، كانت أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وكانت ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي بحوالي 5.6 مليارات متر مكعب، إلا أن هذا الوقع تغير تماما في ظرف أشهر قليلا.

وتشير معطيات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن أوروبا استعاضت عن الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال، الذي أصبح المصدر الرئيسي للغاز في أوروبا والقادم أساسا من الولايات المتحدة وقطر والجزائر والنرويج، إذ تستورد الدول الأوروبية شهريا 25 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، ثم يأتي الغاز القادم من النرويج في المرتبة الثانية (20 مليار متر مكعب شهريا)، ثم الإنتاج الداخلي للدول الأوروبية، الأمر الذي جعل الغاز الروسي يتذيل ترتيب مصادر الغاز القادم نحو أوروبا (4 مليارات متر مكعب شهريا).

ورغم ذلك، فيبدو أن المشكلة التي لا تزال تواجه أوروبا هي النقص في أعداد محطات تخزين الغاز الطبيعي المسال، إذ تتوفر في أوروبا حاليا أكثر من 44 محطة لتخزين الغاز المسال، إلا أن هذا العدد غير كاف، لا سيما أن عددا من هذه المحطات لا يزال قيد الإنشاء، ويقول الاتحاد الأوروبي إنه استثمر أكثر من 300 مليار دولار لأجل التخلص من التبعية للغاز الروسي.

 

ماذا عن السنوات المقبلة؟

في تقرير للوكالة الدولية للطاقة حول قدرة أوروبا على التخلص نهائيا من الغاز الروسي عام 2023، يظهر أن هناك عاملا مهما لبلوغ هذا الهدف، وهو احتمال عودة الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال لمستوى عام 2021، حينها ستعاني القارة العجوز نقصا حادا في الغاز خلال شتاء 2023-2024.

ورغم توقع التقرير أن روسيا بدأت فعليا في خسارة معركة الطاقة مع الاتحاد الأوروبي، فإنه يتوقع أن يصل العجز في المخزون الأوروبي من الغاز إلى 57 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل نحو 15% من الاستهلاك الأوروبي.

ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استثمار 107 مليارات دولار إضافية من أجل سد هذا النقص، وذلك عن طريق بناء محطات جديدة لتخزين الغاز الطبيعي المسال، وتوسيع مشاريع الطاقة المتجددة، وبحسب معطيات الوكالة الدولية للطاقة، فإن الطاقات المتجددة ستقلص العجز الحاصل في الغاز إلى 27 مليار متر مكعب.

 

هل خسرت روسيا المعركة؟

في حوار مع صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times)، يجزم بيير أندوراند -وهو واحد من كبار المستثمرين في مجال الطاقة في العالم- بأن بوتين خسر المعركة بفقدانه الاتحاد الأوروبي بوصفه أكبر زبون للطاقة الروسية، وبأنه بحاجة إلى أكثر من 10 سنوات من أجل بناء خطوط أنابيب لنقل الغاز إلى الصين بعد أن كان موجها نحو أوروبا.

في المقابل، تذهب تحليلات أخرى إلى أن أوروبا وإن نجحت في التخلص من التبعية الروسية بمجال الطاقة، غير أنها ستدخل الآن في منافسة شرسة مع الصين حول الغاز الطبيعي المسال، فضلا عن أن روسيا لم تخسر المعركة بشكل نهائي،  ذلك أن 70% من صادراتها النفطية تتم توجيهها حاليا نحو الصين والهند وتركيا بأسعار تفضيلية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى