أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

في حلقة جديدة من برنامج “هذه شهادتي”.. الشيخ رائد صلاح يتابع الحديث عن محطات في حياته الجامعية بكلية الشريعة في الخليل

الشيخ رائد صلاح يتابع الحديث عن:

·     أساتذة وعلماء في الكلية تركوا بصمات وأناروا الدرب

·     في الخليل عرفنا معنى “الاحتلال” بمراراته وصمود الأهل

 

 

طه اغبارية، عبد الإله معلواني

 

قال الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا عام 2015، ورئيس لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إنَّه وزملاءه في كلية الشريعة من أبناء الداخل الفلسطيني، في أواخر السبعينيات، عرفوا خلال حياتهم في الخليل المعنى الفعلي لكلمة “احتلال” خاصة أنهم باشروا دراستهم الجامعية فور انهائهم الثانوية. فاستوقفهم جنود الاحتلال على الحواجز العسكرية، في ذهابهم إلى الخليل وعند عودتهم إلى أم الفحم، ودققوا في بطاقاتهم الشخصية. وفي الخليل أيضا، شاهدوا بأم أعينهم ظلم الاحتلال ومرارته بكل أشكاله وما يسببه من معاناة لأبناء شعبنا.

جاء ذلك في الحلقة الرابعة من برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وأكمل فيها الشيخ رائد صلاح شهادته باستدعاء ذاكرته والوقوف على محطات في حياته الشخصية والدعوية وبدايات انخراطه في مشروع الصحوة الإسلامية.

وتبثُّ حلقات البرنامج (هذه شهادتي) تباعا، كل يوم خميس/ الساعة الثامنة مساء، على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.

 

منارات على الدرب

ترك أساتذة الشيخ رائد صلاح وزملاءه (ذكر أسماءهم في الحلقة الثالثة) من الداخل الفلسطيني في كلية الشريعة بالخليل، أثرا كبيرا في حياتهم حين أناروا لهم الدرب وساهموا في صقل شخصياتهم من الناحية الفكرية والعلمية، وذكر- في شهادته- أسماء عدد من هذه القامات من أساتذة الكلية.

يقول مفصِّلًا: “من فضل الله علينا، أن أكرمنا بأساتذة كرام، رحمة الله على من مات منهم، وأسأله الصحة والعافية وحُسن الخاتمة للأحياء. لكل واحد منهم ميزته، الشيخ صالح الشريف- على سبيل المثال-، كان صاحب علم ودين، والأستاذ اسماعيل عمرو، كان عالم لغة عربية، وبليغا فصيحا وشاعرا وخطيبا مفوّها وصاحب أسلوب متميز في التدريس، لدرجة أنَّ بعض الطلاب في سنوات أعلى منَّا كانوا يغيبون عن محاضراتهم ويأتون إلينا في قاعة التدريس من أجل الاستماع لمحاضرات الأستاذ إسماعيل عمرو- رحمه الله- وقد أكرمه الله بالشهادة خلال أيام الانتفاضة. أذكر كذلك، الأستاذ حافظ الجعبري- هو الآن مريض كما علمت، أسأل الله له الشفاء- ولازمنا الأستاذ حافظ حتى في بيتنا (السكن)، أكل معنا وسافر معنا الى مناسبات كثيرة، ثمَّ زارنا في أم الفحم وخطب الجمعة ودرَّس في “مسجد المحاجنة” في مبناه القديم أيام الشيخ أبو حمدان- رحمه الله. فعلا هي قائمة طويلة من الأساتذة لا يمكن أن ننسى دورهم في حياتنا، ومنهم أيضا: الأستاذ برهان الجعبري- رحمة الله عليه-، والأستاذ هارون الشرباطي- رحمه الله-، والأستاذ وليد القاضي- رحمه الله-، والأستاذ يونس عمرو، والأستاذ خُلقي كان عميد كلية الشريعة وكان عالما في التاريخ الإسلامي واللغة العربية. كذلك أتذكر الأستاذ محمد رشاد الشريف، علَّمنا احكام الترتيل وكان شاعرا بليغا ورجل تقوى- ولا نزكي أحدا على الله،- في إحدى المرات طلب مني (الأستاذ محمد الشريف) أن أقرأ آيات من القرآن الكريم، فقرأت وأخطأت بأحكام الترتيل، فقال لي: توقف “بتحب واحد يناديك رايد؟”، فقلت: لا، فقال أنت أخطأت بالقراءة بحسب الأحكام ولا ينبغي أن تعود على ذلك. وسلفا أعتذر إن نسيت بعض أسماء الأساتذة الذين علَّموني”.

 

مع الأستاذ حافظ الجعبري

بالعودة إلى أحد اساتذته في كلية الشريعة، أشاد الشيخ رائد صلاح على وجه الخصوص بالأستاذ حافظ الجعبري ودوره الطيب- كما قال- في دعم بدايات الصحوة الإسلامية في مدينة الخليل. يضيف “في مرة من المرات في صلاة الجمعة في مدينة الخليل كنت أجلس إلى جانب الأستاذ حافظ، وبعد الصلاة وقبل ان نخرج من المسجد، وإذ بأحد المصلين يصيح “أيها الناس، لقد سمعنا أن هناك من يخطط للاعتداء على الشيخ حافظ وليعلم الجميع أننا سنقف وندافع عنه أمام كل من يريد الاعتداء عليه”. كان لهذا المشهد دلالاته في أنَّ مجتمعنا في داخله يحب الدين والعلماء والدعاة وينتصر لهم. حتى من يترك الصلاة والمتعثر وقد يتعاطى المخدرات أو الخمر لا يمكن ان تنزع منه هذه الفطرة. أذكر مرة بعد مظاهرة ضخمة في الناصرة نصرة لرسول الله (عقب الرسوم المسيئة بالدنمارك)، اقترب مني شاب تبدو عليه علامات “المخمور” وقال “لوينتى بدهم ايظلوا يعتدوا على الرسول”. بالتالي قد يسكر الجسد، ولكن الفطرة لا يمكن أن تسكر، والمنبت الخير لا يمكن أن يموت، قد تكون هناك طبقة معاصي عند الإنسان، ولكن الفطرة لا تموت، وإلا فكيف يتوب الناس؟!!”.

 

معنى “احتلال”!!

بعد الانتقال لكلية الشريعة في الخليل، وقف الشيخ رائد وزملاؤه على حقيقة الاحتلال الإسرائيلي بكل مراراته.

وأوضح بالخصوص: “انتقلت من أم الفحم إلى الخليل مباشرة بعد الثانوية، وفي أم الفحم كان جو حياة يومية معروف ومختلف عن الأجواء التي وجدناها في المدينة الخليل. هناك بدأنا نعيش أيام “الإعلان عن اضراب” ودوافع الاضراب- مثلا- لأن الاحتلال تعرض لفلان وارتقى شهيدا فتمَّ الإعلان عن إضراب في الخليل، أو- مثلا- كنّا في طريق العودة إلى أم الفحم نقف في طابور طويل من السيارات والحافلات للعبور عن حاجز عسكري للاحتلال، وكان جنود الاحتلال يُنزلون الناس- ونحن منهم- من السيارات والحافلات ويفتشونها ويدققون في البطاقات الشخصية. كذلك في الخليل، بدأنا نعيش قضية التواصل في دائرة الهم العام مع الكل الفلسطيني، كأن يُعلن اضراب عام في كل الضفة لأنَّ بعض الاهل تعرضوا لاعتداء من قوات الاحتلال في بلدة أو جامعة في إحدى المناطق الفلسطينية المحتلة. هذه الأجواء عرَّفتنا معنى “احتلال” ومعنى تشديد وخنق وايذاء الناس. أذكر في ليلة من الليالي وكنت مكلفا مع أحد الاخوة لشراء بعض المواد التموينية للسكن.. توجهنا إلى السوق وكان قريبا من بيتنا، وفي طريق عودتنا إلى السكن أوقفتنا سيارة عسكرية للاحتلال، سلَّطوا اضواءهم علينا، سألوني وزميلي عن بطاقتنا الشخصية وكنت نسيتها في السكن فيما كان زميلي يحمل بطاقته، ولم يخلوا سبيلي إلا بعد أن عاد زميلي إلى السكن وأتى بها. لقد عشنا في الخليل حياة صبغت بكلمة احتلال بمرارته وتضييقه على الناس في كل المجالات”.

 

زملاء.. وطرائف لا تنسى

أمّا زملاء الدراسة من الخليل وبلدات الضفة الذين ارتبط بهم الشيخ رائد وزملاؤه، فتحدث قائلا: “أذكر على سبيل المثال الأخ عز الدين الجعبري من الخليل، ولازمنا كل سنوات دراستنا ولم يفارقنا يوما، كان يزورنا دائما، حرص على احتضاننا ومساندتنا فله ألف تحية وتقدير. وقد زارنا في أم الفحم، كما حرص أن يعرِّفنا على الأهل في الخليل. ولا يمكن أن ننسى كذلك، الأخ مازن دويك وهو من مدينة نابلس، كان صاحب فكاهة ويتقن الطبخ وكان معلمي في هذا المجال، ومما تعلمته منه إعداد “المقلوبة”. وفي إحدى الليالي (ليلة جمعة) كان سكننا عامرا بالزملاء سواء من كانوا معي من أم الفحم أو من الخليل وبلدات الضفة لأن اليوم التالي كان يوم عطلة، وأعددنا أنا والأخ مازن طبخة “مقلوبة” كل واحد طنجرة بسبب العدد الكبير. وبعد أن “قلبنا” الطبخة (الطنجرتين) على الطاولة، سارع معظم الزملاء إلى الالتفاف حول الطنجرة التي أعدها مازن لأنه معروف بشطارته في الطهي، وأنا- بطبيعة الحال- كنت حديث عهد بالطبخ. وقدّر الله أن “طنجرة” مازن لم تكن قد نضجت كما يجب، في حين كانت “طبختي” ممتازة، فصار الأخوة ينسحبون من عند “مقلوبة” باتجاه “المقلوبة” التي طبختها، فكان الموقف في غاية الطرافة وضحكنا طويلا”.

وأكمل عن المواقف مع مازن “في مرة من المرات دعانا مازن إلى مدينته نابلس وكانت هذه أول مرة أزور فيها نابلس، بتنا والأخوة الذين كانوا معي عند الأخ مازن وزميل آخر اظن اسمه علي، وفي اليوم التالي اصطحبنا (مازن) لمحل كنافة مشهور، وحين سأل صاحب المحل عنا ومن أين نحن، أجابه مازن مازحا “لقد جئناكم بخير الناس””.

وفي سياق حديثه عن مواقف طريفة أيام الشباب، يقول الشيخ رائد “قمنا في مرة من المرات بأم الفحم بزيارة لأخ كريم يعمل نجارا هو الأخ وجيه نايف “أبو محمد”، وهدفت الزيارة إلى دعوته للصلاة، وتولى الحديث خلال الجلسة الشيخ أحمد فتحي خليفة وقال للأخ وجيه: “بما انك نجار أريد منك أن تصنع لي طاولة دائرية تكون قاعدتها من الأطراف وليس من المركز، فاستغرب الأخ وجيه وقال لا يمكن ذلك!! فقال له الشيخ أحمد فتحي: إذن لماذا لا تصلي وأنت تعلم أن الصلاة ركن الدين الأساس. وفعلا بدأ الأخ وجيه بعدها بالصلاة والتعبد، وأحيانا أزوره وألتقيه وأذكره بتلك الحادثة”.

ومن القصص الطريفة في أم الفحم- يتابع- أن “الشيخ حسين خالد رحمه الله ذهب بالشيخ خالد أحمد مهنا إلى جسر الزرقاء ليخطب الجمعة هناك، فألبسه عمامة ليضفي عليه هيبة العلماء، فصار كعالم أزهري، وقبل أن يسافرا مرّا بنا ولم نعرف لحظتها أن صاحب العمامة هو الشيخ خالد وتساءلنا من هذا العالم؟! فلما عادا من الجسر عرفنا انه الشيخ خالد وأن الشيخ حسين ألبسه إياها لإضفاء هيبة على شخصيته”.

 

الحطّة والعقال

بالعودة إلى مواقف ونوادر أيام الدراسة في الخليل، يتابع الشيخ رائد: “قررنا ونحن في الخليل أن يشتري كل واحد فينا كوفية وعقال ونلبسها، وفعلا ذهبنا إلى السوق وكل واحد اختار ما يناسبه. في أحد الأيام صباحا، لبست الكوفية والعقال، وكانت الكوفية تغطي جزءا من وجهي، خرجت من البيت وأنا على تلك الهيئة، فلم استطع أن التفت يمينا وشمالا كما يجب، وحين بدأت في عبور أحد الشوارع- بشكل عرضي- وإذ بسائق سيارة قادم باتجاهي فخفف سرعته قبل أن يصلني وكان يبتسم لأنه- كما يبدو- فهم القصة وأن الكوفية حجبت مني رؤيته أول الأمر. لكل واحد منّا (زملاء الدراسة من الداخل) قصته الطريفة سواء مع “الكوفية والعقال” أو غيرها من المواقف والذكريات الجميلة”.

 

الخليل وتيارات الصحوة الإسلامية

تعرَّف الشيخ رائد صلاح وزملاؤه على تيارات الصحوة الإسلامية التي تنوعت بمدارسها في الخليل ومنها: الإخوان، حزب التحرير، الحركة الصوفية وغيرهم)، ويقول في هذا السياق: “معروف أن الخليل ذات جذور تاريخية حيث سكن فيها بعض الصحابة رضوان الله عليهم، منهم الصحابي الجليل تميم الداري وهو أول صاحب وقف في بيت المقدس حصل عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يزال هناك سند محفوظ لهذا الصحابي الجليل، وهناك مصلى قريب من الخليل على اسمه، ولا تزال هناك عائلات تمتد بجذورها إلى هذا الصحابي وغيره من الصحابة والسلف الصالح، منها: عائلة التميمي والـ الشريف وغيرهما من العائلات الخليلية الكريمة، فالخليل- كما أسلفت- لها جذور عميقة جدا تمتد الى كل مواقفنا العظيمة في تاريخنا الإسلامي، وظلَّت الخليل مدينة علماء وعُبّاد، ومدينة تعج بحفظة القرآن الكريم، ونشأت فيها كلية الشريعة التي تحولت الى جامعة وتخرج منها الكثير من العلماء”.

وأردف: “كانت الخليل على صفتها هذه، حاضنة لكل تيارات الصحوة الإسلامية، على صعيد الاخوان، وحزب التحرير والحركة الصوفية. أذكر في أول خطبة جمعة سمح لي ان اخطبها في الخليل وكانت في مسجد الحرس، تواجد في المسجد يومها العديد من أبناء الصحوة الإسلامية من مختلف التيارات، لذلك حرصت في الخطبة- التي اعددت لها جيدا- أن اتحدث عن الوحدة الإسلامية وأهمية عمل تيارات الصحوة في بوتقة واحدة من أجل خدمة الإسلام. هذه الأجواء الغنية فكريا، إلى جانب دور الأساتذة في الكلية، جعلتنا نكتسب قدرة على خوض نقاشات فكرية نقدية حتى مع الأستاذة أنفسهم، أذكر أن الأستاذ خلقي خنفر-في أحد الأيام- وقبل أن يبدأ محاضرته عنونها على اللوح بعبارة “الديموقراطية- شورى الإسلام”، وإذ بمجموعة من الطلاب وأنا منهم، نعترض على العنوان من منطلق إيماننا أن الشورى تختلف عن الديموقراطية الغربية، وفعلا تبادلنا الآراء مع الأستاذ خلقي في أجواء ممتعة من الأخذ والردّ، ما يعني أنَّ وجهات النظر المختلفة  ضمن الدائرة الإسلامية تثري العقل الإسلامي”.

 

شاهد الحلقة هنا :

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى