أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

كتاب مفتوح إلى كل رؤسائنا في السلطات المحلية العربية (2)

الشيخ رائد صلاح

 

متابعة لمقالتي الأخيرة التي كانت بعنوان (كتاب مفتوح إلى كل رؤسائنا في السلطات المحلية العربية) أواصل وأقول: يا كل رؤسائنا في السلطات المحلية العربية، ويا كل مرشح لرئاسة هذه السلطات في الانتخابات المحلية المقبلة القريبة، إنكم كنتم ولا زلتم تقفون على مرارة معاناة مجتمعنا وهو لا يعاني من شح الميزانيات المالية فقط، بل كان ولا يزال يعاني من شح التراحم والتغافر والتسامح فيما بيننا، وإنكم تتقلدون أمانة رعاية مجتمعنا وهو لا يعاني من ارتفاع نسبة البطالة في سوق العمل فقط، بل كان ولا يزال يعاني من بطالة الإرادة والهمة والتطوع والعطاء، وإنكم تحملون تبعة مجتمعنا الثقيلة وهو لا يعاني من خطر مصادرة أرضه وخطر هدم بيته، بل كان ولا يزال يعاني من خطر مصادرة هويته وقيمه وجذوره وانتمائه ولغته، وإنكم تجهدون لحماية مجتمعنا وهو لا يعاني من وباء كورونا والتلوث والسرطان والفشل الكلوي والسكري والسمنة فقط، بل كان ولا يزال يعاني من وباء السوق السوداء والربا الأسود والخاوة وفوضى السلاح الأعمى وتفشي المخدرات وأخواتها، وإنكم تواجهون فاجعة مجتمعنا وهو لا يعاني وهن البنى التحتية وضيق الشوارع وندرة المتنزهات العامة وقلة المراكز الجماهيرية وملاعب الأحياء والملاعب العامة فقط، بل كان ولا يزال يعاني فاجعة وهن القلوب وضيق الأخلاق وندرة المعاملة الفاضلة، وقلّة الغيورين عليه من أبنائه!!

لكل ذلك، فأنا أعلم يقينا أنكم قد كنتم ولا زلتم تدركون منذ عقود أن حملكم ثقيل، وثقيل جدا، وهو أثقل من كل جبال أرضنا المباركة، ولن يقدر على أداء حق هذا الحمل الثقيل إلا كل رئيس سلطة محلية عربية يتعامل مع كل مسن في بلدته كأنه أبوه، ومع كل مسنة كأنها أمه، ومع كل رجل كأنه أخوه، ومع كل امرأة كأنها أخته، ومع كل شاب كأنه ابنه، ومع كل فتاة كأنها بنته، ومع كل طفل كأنه طفله، ومع كل طفلة كأنها طفلته، ومع كل رضيع كأنه رضيعه، ومع كل رضيعة كأنها رضيعته، ومع كل أسرة كأنها أسرته، ومع كل بيت كأنه بيته، ومع كل شارع كأنه شارعه، ومع كل حي كأنه حيه، ومع كل حارة كأنه حارته، ومع كل مدرسة كأنها مدرسته، وعليه أن يوطّن نفسه أن يسير على مبدأ: (ليس منَّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)، سواء كان هذا الكبير قد أدلى بصوته الانتخابي لصالح الرئيس، أو لصالح أشد منافسيه، وسواء كان هذا الصغير من شيعته التي ترفده بأصواتها الانتخابية، أو من شيعة غيره التي كادت أن تطيح بعرشه الرئاسي الفاني بسبب كثرة أصواتها!!

كما ولن يقدر على أداء حق هذا الحمل الثقيل إلا كل رئيس سلطة محلية عربية يكتب على نفسه أن يكون أول من يدخل المبنى الموقر لسلطته المحلية العربية وآخر من يخرج من هذا المبنى الفتَّان الذي طالما سقط على أعتابه الكثير في امتحان رئاسة السلطة المحلية العربية، إلا من رحم الله تعالى وقليل ما هم، ولذلك لا يحرم النوم على رئيس السلطة المحلية العربية، ولكنه مطالب إذا نامت عينه ألا ينام قلبه، وإذا تعبت جوارحه ألا تتعب إرادته، وأن تكون كفة قوله نصف كفة عمله أو أقل، وأن تكون كفة وعوده عُشر كفة إنجازاته، وأن تتغذى شعاراته من فيض عطائه لا أن يتغذى عطاؤه من فيض شعاراته، وأن ينظر إلى دوره بعين التقصير لا بعين العجب والكبر والغرور، وأن يوقن أنه خطَّاء، ولو لم يعمل لم يخطئ، وكلَّما زاد عمله زاد خطؤه، وإن لم يخطئ فهذا يعني أنه لم يعمل، ولذلك هو مطالب أن يوطن نفسه على حق الغير في نقده، وأن ينشرح صدره لمن يسائله كما ينشرح صدره لمن يمدحه، وأن يصغي لمن يخطئه كما يصغي لمن يمجده، وأن يسعد بمن يبكيه كما يسعد بمن يضحكه، بل الأولى له أمر مبكيه لا أمر مضحكه!! وإن هذه الصفات الجامعة والخِلال النافعة التي أوردتها أعلاه هي ضرورة لا تنقطع ولا تتوقف ولا تختفي فجأة في مسيرة هذا الرئيس المنشود لأداء حق هذا الحمل الثقيل، وهي ضرورة مطلوبة لخمس سنوات على الأقل وليس لسنة واحدة فقط، ولا لشهر واحد فقط، ولا لأسبوع واحد فقط، ولا ليوم واحد فقط، وهذا يعني أنَّ رئيس السلطة المحلية العربية حتى يتحلى بهذه الصفات الجامعة والخِلال النافعة يجب أن يتحلى قبل ذلك بالصبر الجميل والنفس الطويل والأدب الأصيل، فليس كل ما يلمع ذهبا، وما أبعد الثرى عن الثريا، وليست النائحة كالمستأجرة، وليس من زرع وحصد كمن طمع أن يحصد دون أن يزرع، وليس من سهر الليالي وأحرز العلا، كمن رام أن يحرز العلا وقد نام كل ليلة منذ غروب الشمس حتى طلوعها وزيادة، وليس من يمشي سويا على صراط مستقيم كمن يمشي مكبا على وجهه.

ويرحم الله تعالى تلك الأيام التي كان فيها مجتمعنا لا يزال يحبو في مسيرته العلمية والثقافية، حيث قلَّ في تلك الأيام حملة الشهادات الجامعية وأهل الاختصاص من أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين… إلخ. أمَّا اليوم، فإنَّ كل رئيس سلطة محلية عربية محاط في بلدته مهما قلَّ عددها بمئات من هؤلاء، ومحاط على الأقل بعشرات من رجال الإعلام ومواقع التواصل التي ترصد الأحداث بالبث المباشر الفوري، وهذا يعني أنَّ كل رئيس سلطة محلية عربية بات تحت المجهر طوال الوقت وما عادت أقواله وأعماله ومواقفه تخفى على أحد في بلدته أو في كل الداخل الفلسطيني على صعيد المثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة)، وبات كل فرد من مجتمعنا يراقب عبر مواقع التواصل هذه كل رئيس سلطة محلية عربية في الداخل الفلسطيني كما يراقب رئيس السلطة المحلية في بلدته، وهذا يعني أن كل رئيس سلطة محلية عربية بات مطالبا أن يستشعر أن عين الله تعالى تراه ثم إن كل عيون أهلنا في الداخل الفلسطيني تراقبه، وكل أقلامها تتابعه، فليجتهد أن يتقن عمله كرئيس سلطة محلية عربية كأنه يرى الله فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وليجتهد أن يسدد ويقارب وأن يدور مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية حيث دارت وألا يفارقها، حتى لو أغراه الغير بحفنة من الميزانيات بشرط أن يفارق هذه الثوابت، فليبق معها لا يفارقها ولا تفارقه، وهكذا ستجسد أقواله وأعماله ومواقفه ضمير هذه الجماهير ونبض شارعها وصدى قيمها، وهي جماهير واعية مسيسة، ليس بإمكان أي صاحب منصب مهما كان أن يخدعها وأن يستغلها وأن يستدرجها إلى حيث يشاء، أو أن يرضيها بمعسول الشعارات وزخرف القول…

يتبع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى