أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

طلبة مع وقف التنفيذ.. فلسطينيون جمد الاحتلال حياتهم الأكاديمية بسبب الاعتقال

“بدأت اعتقالاتي وأنا طالب في الثانوية العامة “التوجيهي” بسببها تأخرت 4 سنوات عن الطلبة من جيلي. ولما تمكنت من الالتحاق بالجامعة عام 2021، اعتقلت 7 مرات خلال سنتي الجامعية الأولى”.

هكذا فسر الطالب في جامعة بيرزيت محمد العيساوي (23 عاما) سبب تأخره في التخرج من كلية التربية البدنية خلال ظهوره في فيلم “طلبة مع وقف التنفيذ” الذي عرض في الجامعة (الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني) إلى جانب عدد آخر من الطلبة والطالبات الذين عرقل الاحتلال الإسرائيلي حياتهم الأكاديمية بالاعتقال.

الفيلم أُعد بجهد مشترك بين حملة “الحق في التعليم” بالجامعة ومؤسسة “الضمير” لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان، وذلك لتسليط الضوء على قضية اعتقال الطلبة الجامعيين وتأثيرها على حياتهم بشكل عام، وتحديدا طلبة جامعة بيرزيت، حيث تستمر إسرائيل في اعتقال 70 من طلبتها، أقدمهم الأسير عبد الكريم الريماوي المعتقل منذ 20 عاما.

وبحسب هذا الطالب، وهو من القدس المحتلة، فإن اعتقاله المتكرر وخضوعه للاعتقال المنزلي منعه من تجاوز سنته الأولى في الجامعة وهو بهذا العمر، حيث استخدم الاحتلال سياسة الاعتقال للانتقام منه فـ “قبل أيام وصلني تهديد من ضابط أمن إسرائيلي بأنه لن يسمح لي بإكمال دراستي الجامعية وسيستمر باعتقالي”.

العيساوي، كما غيره من الطلبة المشاركين في الفيلم، تحدث عن تأثير هذه الاعتقالات على حياته الأكاديمية، واضطراره للدراسة مع طلبة أصغر منه سنا، مما خلف له فجوة زمنية وأكاديمية، وتسبب في تأخير بحياته المهنية أيضا.

اغتراب أكاديمي

هذه الفجوة وصفتها الطالبة سلام أبو شرار بشعور “الاغتراب” عن الحياة الجامعية، وهي التي اعتقلت 10 أشهر عام 2016، خسرت خلالها سنة أكاديمية كاملة بكلية الصيدلة، تخرج خلالها كل طلاب دفعتها.

أبو شرار من بلدة دورا جنوب الضفة الغربية، كانت على وشك إنهاء سنتها الرابعة بجامعة القدس أبو ديس حين اعتقالها واحتجازها بسجن الدامون حيث يجاورها 29 أسيرة حتى الآن. ورغم محاولتها البقاء بأجواء الدراسة من خلال مواصلة المطالعة والتدوين داخل السجن، إلا أنها وجدت صعوبة كبيرة في العودة للجامعة بعد الإفراج عنها، كما تقول للجزيرة نت.

وتابعت “احتجت لفترة لتجاوز الانقطاع الطويل عن المعرفة الأكاديمية، واسترجاع الأساسيات والقدرة على التركيز والتواصل مع زملائي الطلبة، حتى إنني لم أستطع تجاوز أول امتحان قمت بتقديمه”.

وبحسب أبو شرار، وهي الآن طالبة دراسات عليا بجامعة بيرزيت، فإن أصعب ما في تجربتها الاعتقالية أنها تمت من سكن الجامعة بعيدا عن العائلة، إلى جانب فترة التحقيق حيث حاول المحققون الربط بين دراستها للصيدلة وبين الاشتباه الذي لديهم.

تسهيل عودة الطلبة والاندماج بحياتهم الجامعية بعد الاعتقال، للتخفيف من شعور “الاغتراب” الذي تحدثت عنه أبو شرار، هو أحد أهداف حملة “الحق في التعليم” بجامعة بيرزيت، والتي تعمل منذ سنوات في متابعة الطلبة المعتقلين.

منسقة الحملة إسراء القاضي، إنهم يعملون أيضا على توثيق الاعتداءات والعراقيل التي تحول بين الطالب وحقه في التعليم، وخاصة قضية الاعتقالات من قبل الاحتلال، وتوفير محامين لمتابعة قضاياهم داخل السجن والتنسيق مع المؤسسات الدولية والقانونية لعمل حملات دعم ومناصرة.

“الضمير” واحدة من هذه المؤسسات التي يتم التنسيق معها لمتابعة قضايا الطلبة قانونيا في ظل استهداف الاحتلال لطلبة “بيرزيت” من خلال حملة اعتقالات طالت أكثر من 50 من طلبتها خلال العامين الفائتين.

على خلفية النشاط الطلابي

تالا ناصر محامية المؤسسة التي تابعت ملفات 40 طالبا وطالبة، قالت، إن كل التهم الموجهة للطلبة عادة ما تكون على خلفية عملهم الطلابي داخل الجامعة، وأشارت إلى أن طالبين فقط -من 40 طالبا ترافعت عنهم- وجهت لهما تهم لا تتعلق بعملهم الطلابي داخل الجامعة.

وبحسب هذه المحامية فإن الاحتلال يهدد الطلبة بعرقلة مسيرتهم التعليمية من خلال الاعتقال. وكثير منهم يتم إعادة اعتقاله أكثر من مرة، أو تعمد اعتقاله فترة الامتحانات، إلى جانب الأحكام المبالغة التي لا تتناسب مع التهم التي توجه لهم.

وتشير ناصر إلى أن التهم الموجهة للطلبة معظمها يتعلق بتوزيع قرطاسية وكتب ومساعدة الطلبة ضمن العمل النقابي بالجامعة. وتقول إن أقل حكم كان 9 أشهر، بينما وصل حكم بعضهم إلى عامين. وتابعت “السنوات الأخيرة صدرت أوامر عسكرية تجرم العمل النقابي الطلابي بالجامعات، وهو ما يفتح الباب واسعا لملاحقة الطلبة واعتقالهم”.

خالد بعيرات، من كفر مالك (شرق رام الله) من الطلبة الذين وجهت له تهم تتعلق بعملهم الطلابي داخل الجامعة، وحكم بالسجن 2.5 عام بعد اعتقاله في سنته الأولى بالجامعة.

هذا الطالب الذي يدرس الإعلام، عرف نفسه بأنه في يمضي السنة السادسة بكلية الإعلام بالرغم من أن الزمن الأكاديمي لتخصصه 4 سنوات.

وبعد الإفراج عنه، عاد بعيرات (23 عاما) لمقاعد الدراسة وكان معظم طلبة دفعته قد أتموا دراستهم وتخرجوا، وبعضهم أصبح يعمل في الجامعة أيضا، وهو ما شكل “صدمة أكاديمية” احتاج لجهد ووقت لتجاوزها، كما يقول للجزيرة نت.

وعن تجربته الشخصية بالاعتقال، يقول بعيرات إنه كان من الطلبة المحظوظين الذين تمكنوا من استمرار دراسته داخل السجن بالتواصل مع معهد إعلام خارج فلسطين بجهود ذاتية.

خيارات محدودة

الفرصة التي توفرت لبعيرات يحرم منها بقية الأسرى الطلبة في سجون الاحتلال، فإكمال دراستهم الأكاديمية داخل السجون الإسرائيلية -وعددها 23 سجنا ومركز توقيف- غير متاح لمعظمهم بسبب تعقيدات الاحتلال الذي يرفض السماح للجامعات بالتواصل مع الطلبة لإكمال تعليمهم إلا في حالات خاصة جدا وفي سجون محددة.

وفي حال سمح لبعض السجون، كما هو الحال في سجن هداريم مثلا، فإنه يقوم بإجراءات لعرقلة عملية التعليم، حيث يمنع إدخال الكتب الدراسية أو التواصل مع الجامعة والمحاضرين خارج السجن.

المحاضِرة بكلية الإعلام في جامعة بيرزيت وداد البرغوثي، تقول إن الطلبة -خاصة ذوي الأحكام العالية، من أجل تجنب الانقطاع الأكاديمي- خياراتهم محدودة بسبب تحكم الاحتلال بكل تفاصيل الاعتقال ورفضه تقديم التسهيلات لهم.

وفي المقابل، ترى البرغوثي أن هناك تقصيرا فلسطينيا في هذا الجانب، وخاصة من المستويات الرسمية. فهناك بعض التدخلات الممكنة لتسهل على الطلاب إكمال دراستهم داخل السجون.

فعلى سبيل المثال تشترط وزارة التعليم العالي الفلسطيني أن يكون الأسير محكوما عليه للتسجيل لدراسة “الماجستير” المتاح ببعض السجون، في حين أن بعض الأسرى يبقى دون محاكمة سنوات طويلة.

وكمحاضرة بالجامعة منذ 30 عاما، تقول البرغوثي إنها واكبت العديد من الطلبة الذين تعرضوا للاعتقال داخل السجون الإسرائيلية خلال فترة دراستهم الجامعية، وهو ما أثر سلبا على تحصيلهم الأكاديمي وصعوبة اندماجهم من جديد بالحياة الأكاديمية.

ولكن البرغوثي تتحدث عن تأثيرات إيجابية لتجربة الاعتقال فكريا، فالطالب -الذي يستغل فترة اعتقاله- يطور من قدراته العلمية والثقافية والفكرية، ويصقل من شخصيته. وليس الطالب وحده وإنما جميع الأسرى وعددهم حاليا 4700 أسير وأسيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى