أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“فتح” في ذكرى انطلاقاتها الـ 58

ساهر غزاوي

 أحيت حركة “فتح” الفلسطينية التي يترأسها اليوم محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، ذكرى انطلاقتها الـ 58 في مهرجانين منفصلين، مهرجان في رام الله وسط الضفة الغربية، ومهرجان بساحة الكتيبة وسط غزة، بالإضافة إلى أن “التيار الإصلاحي” بفتح الذي يقوده محمد دحلان قد أعلن عن إقامة فعالية متزامنة، في ساحة الجندي المجهول التي لا تبعد كثيرًا عن المهرجان الأول في غزة.

يحق لحركة فتح لما لها من تاريخ نضالي في مسيرة شعبنا الفلسطيني، أن تحتفل وأن تحيي ذكرى انطلاقتها كل عام، ويحق لها أن تستذكر ماضيها النضالي وماضي أبرز قادتها المؤسسين لهذه الحركة التي تُعد اليوم من أبرز الحركات والفصائل الفلسطينية التي لها الجذور الضاربة في أعماق الأرض الفلسطينية ولها الامتداد الشعبي الواسع، لكن هذه حركة ما كان لجذورها أن تضرب في أعماق الأرض الفلسطينية ولا أن يتسع امتدادها الشعبي لولا أن قادتها الأولون أسسوا هذه الحركة وأعلنوا عن انطلاقتها من الخنادق وليس من الفنادق كما هو حالها اليوم وحال قادتها والطغمة الحاكمة المنتفعة والاستثمارية من مشروع السلطة الفلسطينية ومن ملاحقة الأحرار والتضييق عليهم باسم القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني.

لا شك أن هناك مجموعة حقائق تاريخية لا يستطيع أحد تغييبها، سواء اتفق مع حركة فتح أو اختلف معها، وهذا أقل ما يقال في الموضوعية العلمية المُنضبطة، فحركة فتح أعلنت عن انطلاقتها الأولى في 1/1/1965، حيث تم الإعلان عن تنفيذ مجموعة من فدائيي الحركة عملية تفجير نفق عيلبون في الشمال الفلسطيني في 28/12/1964، وهي شركة مياه إسرائيلية. وفي عام الانطلاقة نفسه (1965) عُقد المؤتمر العام الأول للحركة في دمشق، والذي أقرّ إطلاق العمل العسكري، وتأسيس الجناح العسكري للحركة (قوات العاصفة)، وسبق ذلك، عقد لقاء في الكويت عام 1957، حيث اعتبر اللقاء التأسيسي الأول للحركة، ضم مجموعة أشخاص أشهرهم ياسر عرفات (أبو عمار) وخليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، وتمَّ طرح فكرة تأسيس حركة التحرير الفلسطيني، مع أهمية الإشارة بمكان إلى أن هذه الأسماء- وهي أسماء في سجل شهداء الشعب الفلسطيني- عرفت واشتهرت وبزرت وسطع نجمها في تاريخ القضية الفلسطينية من خلال الخنادق والمقاومة والنضال من أجل مشروع التحرر الفلسطيني لا من أجل أي مشروع وهدف آخر.

كذلك لا يمكن أيضًا إخفاء وتغييب حقائق واقعية ملموسة في ذكرى انطلاقة حركة فتح الـ 58. فهذه الحركة لا تعاني اليوم فقط من انقسام داخلي بسبب السياسات الاستبدادية للقيادة المتنفذة والطغمة الحاكمة في السلطة، ولا بسبب تسريبات التسجيلات الصوتية التي نسبت إلى عضو اللجنة المركزية لفتح حسين الشيخ الذي تهجم خلالها على رئيس السلطة محمود عباس أو أية تسريبات صوتية أخرى تدور فلكها في الصراع على السلطة والمصلحة النفعية الذاتية، إنما أيضًا لأسباب أخرى ولا تقل أهمية عن غيرها وأهمها؛ الأصوات الفتحاوية التي تنادي وتطالب الحركة بإعادة النظر في الاتفاقيات مع إسرائيل التي لم تلتزم بأي من هذه الاتفاقيات، كما دعا إلى ذلك رئيس حركة فتح في قطاع غزة أحمد حلس خلال المهرجان المركزي.

ولا يمكن التغاضي عن المساءلة التاريخية لحركة فتح وتحميلها مسؤولية التوقيع على الاتفاقيات المذلة مع إسرائيل التي أدخلت الشعب الفلسطيني في نفق مظلم وطريق مسدود عندما غيرت خط منظمة التحرير الفلسطينية السياسي من المقاومة المسلحة إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وخاصة وأن قادة حركة فتح البارزون يقفون على رأس الهرم التنظيمي للمنظمة ولمعظم لجانها ومؤسساتها المهمة منذ العام 1969 إلى يومنا هذا. وحركة فتح هي من دخلت مسار التسوية والمفاوضات العبثية باسم منظمة التحرير الفلسطينية وألحقت الكوارث بالقضية الوطنية وحقوق الشعب الفلسطيني وأدخلت المشروع الوطني الفلسطيني في أزمة حقيقية لا يزال شعبنا الفلسطيني يتجرع مرارة إسقاطاته وتداعيته السلبية إلى يومنا هذا. وحركة فتح هي من خلال عبثية المفاوضات، لم تحقق للشعب الفلسطيني منها شيئًا سوى الخذلان وضياع الأرض وأوصلت القضية الفلسطينية ومشروعها التحرري الوطني إلى واقع لم يتوقعه أي فلسطيني في أسوأ الأحوال. وحركة فتح التي يقودها محمود عباس هي من عملت على تكريس واقع سلطة وهمية وظيفتها حماية الاحتلال، في الوقت الذي تتهرب فيه هذه السلطة من الأمور الجدية التي تخدم الشعب الفلسطيني، وتلجأ إلى الاحتلال وتقدم له خدمات مجانية عبر استمرار التنسيق الأمني معه لتبقى على قيد الحياة.

في النهاية، فإنه أمام هذه المساءلة التاريخية الصريحة، على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده أن يكون له وقفات عدة في الذكرى الـ 58 لانطلاقة حركة فتح الفلسطينية وأن يطالب قيادة حركة فتح بترك عبثية المفاوضات إلى ما لا نهاية والتي تصب في المصلحة الإسرائيلية أولًا وآخرًا، ولأن المفاوضات محكومة بميزان القوى بين الأطراف والطرف الفلسطيني المفاوض ليس هو الأضعف وحسب، بل عمل على تدمير أسباب القوة ولاحق أبناء شعبه من القوى السياسية الرافضة للمفاوضات العبثية وأدت ممارساته في النهاية إلى شرخ عميق وترهل في مختلف أنسجة الحياة العامة وتعميق الانقسام الفلسطيني والسعي لإضعاف وتدمير أسباب القوة التي يمتلكها هذا الشعب، وهذه المطالبة على الأقل تنادي بها أصوات من داخل حركة فتح نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى