أخبار رئيسيةالقدس والأقصىتقارير ومقابلاتومضات

القدسُ عام 2023.. تحتَ مقصلةِ حكومة الاحتلال

لم تتوقف مساعي تهويد القدس عام 2022، ضمن سياسة تهدف إلى تكريس القدس عاصمة يهودية لدولة الاحتلال، بعد السيطرة على كل مفاصل الحياة فيها.

وتظهر إطلالة سريعة على تطورات التهويد في القدس أنّ الاحتلال ماضٍ في سياسته التهويدية على المستوى الديني والثقافي أو السكاني والديمغرافي.

ففي الأقصى، تجاوز عدد المستوطنين المشاركين في الاقتحامات 50 ألف مستوطن، مقارنة بأكثر من 33,500 مستوطن عام 2021، و5000 مستوطن عام 2009. ولم يعد العدوان على الأقصى مقتصرًا على الاقتحامات، بل بات مقرونًا بأداء الطقوس التوراتية في المسجد وترسيخ هذا الاتجاه لتعزيز الوجود اليهودي فيه، في ظل احتضان سياسي واضح، وتجاوب قانوني من محاكم الاحتلال مع مطالب “جماعات المعبد” لتصعيد العدوان على الأقصى.

من مسيرة الاعلام الاستفزازية التي قام بها مجموعة من المستوطنين عند باب العامود

وفي التعليم، صعّد الاحتلال هجمته على القطاع ضمن محاولات استكمال أسرلته، إذ باتت قرابة 51% من مدارس شرق القدس منضوية تحت المنهاج الإسرائيلي فيما يسعى الاحتلال إلى استقطاب مزيد من المدارس لتعتمد المنهاج الإسرائيلي أو المنهاج الفلسطيني المحرّف، وكانت مدارس الإيمان والكلية الإبراهيمية حاضرة بقوة هذا العام في إطار مساعي الأسرلة.

ومع الإعلان عن حكومة نتنياهو في 2022/12/29، يبدو أنّ البرنامج الذي تتبنّاه الحكومة أكثر إصرارًا على تهويد القدس، فالحكومة ذات اتجاهات استيطانية بامتياز، وعينها على مزيد من العدوان على الأقصى. وقد أكّد الائتلاف الحكومي المحافظة الطابع اليهودي للدولة، علاوة على العمل على تعزيز مكانة القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ما ينبئ بأنّ المشهد في القدس سيتكشّف عن مزيد من مساعي التهويد والاستيطان.

 

تبدأ ملامح اتجاهات التهويد في القدس في العام القادم بالتظهّر من الموازنة التي رصدتها بلدية الاحتلال، فقبل أيام من نهاية عام 2022، صادقت اللجنة المالية التابعة للبلدية على موازنة بقيمة 6 مليارات شاقل لعام 2023، بزيادة حوالي 20% مقارنة بموازنة عام 2022، وسيتمّ استغلالها في التهويد، تحت عناوين تطوير التعليم، وتخطيط المدن وتعزيز “الأمن”.

وتشمل موازنة البلدية الجديدة خططًا استراتيجية لتعزيز البناء الاستيطاني في القدس المحتلة، عبر منح الحوافز للمستثمرين وشق الطرق حول المدينة وداخلها، وكذلك خطة شاملة لتعزيز الوجود الاستيطاني، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية وتعزيز نظام “الحماية” للمستوطنين عبر نشر مزيد من كاميرات المراقبة المتطورة في الأماكن العامة.

وتشير المعطيات إلى أنّ استكمال أسرلة التعليم سيكون حاضرًا العام القادم ضمن مخططات الاحتلال، إذ تسعى البلدية الى تعزيز قبضتها على قطاع التعليم في شرق القدس المحتلة، بحيث تشمل خطة بلدية الاحتلال لاستهداف قطاع التعليم عبر 18 مشروعًا لبناء فصول دراسية ورياض أطفال في بلدات وأحياء المدينة ومبان عامة، وتعزيز البنية التحتية برصد ميزانية تقدر بـ 514 مليون شاقل.

تتقاطع المساعي التي تبذلها “جماعات المعبد” لتحقيق مزيد من المكتسبات في الأقصى مع تشكيلة الحكومة التي أدّت القسم أمام “الكنيست” يوم 2022/12/29، فحوالي نصف أعضاء الحكومة الجديدة يتبنون فكرة “المعبد” ومطالب “جماعات المعبد” بخصوص تصعيد العدوان على الأقصى، ومنهم من يشاركون في اقتحامات المسجد.

 

فالوزير إيتمار بن غفير، وهو من المشاركين في اقتحام الأقصى، تعهّد في جولات المشاورات لتشكيل الحكومة أنّه سيعمل على تغيير الوضع القائم في الأقصى بخصوص صلاة اليهود. والوزير عميحاي إلياهو صرّح بالقول: “سنعود إلى الأيام التي كان فيها جبل المعبد بأيدينا، ونقول بوضوح إنّه يجب أن تكون هناك صلوات يهودية على الجبل”.

وبناء على مسارات العدوان على الأقصى في الأعوام السابقة، واتجاهات عدد كبير من وزراء الحكومة الجديدة، يمكن القول إنّ “جماعات المعبد” ستحظى بهامش أكبر لتصعيد اعتداءاتها على المسجد، مستفيدة من البيئة السياسية الداعمة.

تظهر سياسات حكومة الاحتلال على مدى الأعوام الماضية تمسكًا شديدًا بالاستيطان، ولن تكون المرحلة القادمة مختلفة عن سابقاتها في هذا الصدد، بل إنّ نتنياهو شدد، في أثناء عرض سياسة الحكومة الجديدة في “الكنيست”، على أن حكومته ستعمل على تعزيز الاستيطان وتطويره في جميع أنحاء ما سماها “أرض إسرائيل” في الجليل والنقب والجولان والضفة الغربية، قائلاً إن هذا “حق حصري للشعب الإسرائيلي لا جدال فيه”.

وصادقت اللجنة المالية في بلدية الاحتلال مؤخرًا على ميزانية تقارب 46 مليون شاقل لتخطيط طرق شريانية في شرقي القدس، كما تقرر مضاعفة حجم الأسرة وعددها، وإنشاء مجمع مستشفيات نفسية، وافتتاح مركز تصوير كبير، وعيادات جديدة في مجالات الآلام والإدمان في مركز هرتسوغ الطبي المقام على أراضي لفتا المهجرة.

وسيركز التخطيط، وفق بلدية الاحتلال، على 18 موقعًا رئيسًا، بما في ذلك تقاطع العيسوية، والطريق الرئيس في وادي الجوز، وسيتم تنفيذه من عبر شركة موريا، وذلك باستثمار وزارة المواصلات وفي إطار خطة الحكومة الخماسية لتقليص الفجوات بين واقع البنى التحتية في شرق القدس وذلك في غربها.

 

وتشمل الخطة الخماسية الاستثمار في مجموعة متنوعة من المناطق في شرق القدس، بما في ذلك التعليم والبنية التحتية والتوظيف والتنظيف وتطوير الأماكن العامة.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم بلدية الاحتلال، فإنّ تخطيط الطرق يعد جزءًا من التطوير العام في شرق القدس، وسيدعم مشاريع التوظيف المخطط لها في المنطقة، مثل المنطقة الصناعية في وادي الجوز كمنطقة “وادي السيليكون” والمخططات الهيكلية لأحياء شرق القدس. ولفت إلى أن بلدية الاحتلال تعمل على بناء صفوف دراسية، وحدائق، ومبانٍ عامة في الشطر الشرقي من القدس.

وعلى أيّ حال، فإنّ التطوير والتخطيط هما التسمية التي تستعملها سلطات الاحتلال للتعبير عن التهويد، وسياسات الاستيلاء على أراضي المقدسيين ومصادرتها، وتعزيز الوجود الاستيطاني في الشطر الشرقي من القدس على وجه الخصوص.

إنّ تهويد القدس، على مدى عقود، جزء لا يتجزأ من سياسات الاحتلال، وهو يشهد اتجاهًا إلى تعميقه عامًا بعد عام، لكنّه، وإنّ تقدّم في محطات، فهو اصطدم في محطات أخرى بإرادة جماهير القدس التي أجبرته على الانكفاء والتراجع، وإنّ الهجمة التي يتحضّر الاحتلال ليشنّها على القدس في المرحلة القادمة لن تدرك مطالبها إذا اصطدمت بإرادة الصمود والمقاومة التي لم ينجح الاحتلال في القضاء عليها رغم سياسات التضييق والعقاب بحقّ المقدسيين، وإنّ غدًا لناظره لقريب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى