أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الدروس المستفادة من زيارة جنوب أفريقيا (5).. دور المجتمع المدني في مقاومة الأبرتهايد

ساهر غزاوي

 

هي محاولة للفت الأنظار قليلًا إلى دور العمل الأهلي المدني الكبير في تنظيم المجتمع وإلى دوره الحيوي والبارز في تنشيط الحراكات وطبيعة فاعليته في مسار مقاومة نظام الأبارتهايد والعمل على انهائه في جنوب أفريقيا، وبالمناسبة، فإن هذا الموضوع من أهم الدروس المستفادة من زيارة جنوب أفريقيا، ومن أهم ما سمعناه خلال اللقاء بمجموعة من النشطاء في مناصرة القضية الفلسطينية ومنهم مدير مدرسة لانيزيا في جوهانسبرغ، الأستاذ ناظم آدم، وعضو البرلمان السابق الشيخ إسماعيل فادي، والناشط رشيد سيدات، بالإضافة إلى نشطاء آخرين ناضلوا في صفوف أحزاب وحركات ونقابات عمالية مختلفة أثناء حكم الأبارتهايد، وكذلك تحدث عن هذا الموضوع المهم جدًا مختصان بالقانون ولهم النشاط البارز في مناهضة نظام الأبارتهايد، وهما البروفيسور فيروز كاتشاليا والمحامي زياد باتيل.

بداية، فإنه منذ السنوات الأولى من القرن العشرين تشكلت منظمات وطنية وأحزاب سياسية مثلت المحور الأساسي للحركة الوطنية في البلاد. وكان في طليعة تلك الأحزاب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الذي قاد نضال الأفارقة ضد التمييز والفصل العنصري منذ تأسيسه عام 1912. شنّ الحزب الكثير من المعارك السياسية وقاد التنظيمات الاجتماعية ضد نظام الفصل العنصري، واستطاع الحزب بالتحالف مع قوى أخرى أن يعقد مؤتمر الشعب عام 1955، الذي صدر فيه (ميثاق الحرية) مؤكدًا على أن جنوب إفريقيا هي ملك لكل من يعيش فيها من سود وبيض وأن الشعب هو الذي سيحكم على أسس العدل والمساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص. في المقابل، لم يتوقف نظام الأبارتهايد عن قمعه لهذه الحراكات والتنظيمات الاجتماعية المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية، وشدد قبضته الأمنية وتصدى لكل الحركات الاحتجاجية بالقمع والقتل، فكانت المجازر والانتهاكات التي هزّت الضمير الإنساني الحر والرأي العام العالمي.

وجب التنويه إلى أنه بالرغم من حظر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) منذ عام 1960 من قِبل نظام الأبارتهايد إلا أن قياداته بزعامة مانديلا استمروا في نضالهم ضد العنصرية من خلال المؤتمرات والندوات ودعوات العصيان المدني. وقد شكلت نضالات الكفاح الوطني للسود ضغوطًا كبيرة على حكم الأقلية البيضاء وأضرت بمصالح البيض وازداد التوجه نحو ضرورة إجراء إصلاحات سياسية وإنهاء سياسة الفصل العنصري والتمهيد لتحقيق المشاركة السياسية الديمقراطية لعموم المجتمع وبكافة أجناسه ليس فقط نتيجة لنضال الشعب الإفريقي، وإنما لازدياد الضغوط الخارجية خاصة، والتي بدأت فاعلية تأثيرها بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور مفردات جديدة مرتبطة بالاتجاه الليبرالي الرأسمالي كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الحزبية.

في الواقع، فقد أدّت حراكات النقابات والعمل الشعبي وتنظيمات المجتمع المدني الدور الكبير في مقاومة ومناهضة نظام الأبارتهايد، ففترة الستينيات تُعد مُحبطة للنضال في جنوب أفريقيا، بحسب البروفيسور فيروز كاتشاليا، لأن توجه الأفارقة إلى المقاومة المسلحة لم يكن مجديًا لأن موازين القوى والدعم الخارجي كله يصب في صالح جيش نظام الأبارتهايد الذي يملك أقوى الأسلحة، غير أنه في فترة السبعينيات حصل تغيير كبير أثناء عودة العمل الشعبي والعمل النقابي في مجابهة التحديات الاقتصادية، والذي ساعد ذلك أكثر، أن الأفارقة يملكون قوة في تنظيم العمال، حيث نُظمت إضرابات عُمالية هزت اقتصاد نظام الأبارتهايد، وفي عام 1973 اعترف نظام الأبارتهايد بحقوق العمال السود نتيجة للحراكات الشعبية والنقابية وأيضًا لأن الاقتصاد العالمي تطور فإن اضطهاد العمال واجبارهم على العمل ما كان يفيدهم، لذلك مرروا تحسينات لظروف العمال، والعمال استغلوا ذلك لصالحهم وهذا فتح المجال للناس حتى ينظموا أنفسهم.

الحراكات الطلابية أيضًا لم تكن معزولة عن العمل الشعبي والمدني، بل كانت جزءًا مهمًا من منظمات المجتمع المدني، وكان لها الدور الكبير في إحداث نقطة تحول بكل مسارات النضال ومقاومة نظام الأبارتهايد، ففي عام 1976 قاد الطلاب تظاهرات احتجاجية في مدينة سويتو القريبة من جوهانسبرغ، وعلى أثرها ارتكبت مذبحة (مذبحة سويتو) والتي راح ضحيتها 700 من طلبة مدارس السود. وامتدت شرارة هذه الانتفاضة الطلابية إلى كافة أنحاء جنوب أفريقيا ولم تتوقف حتى نهاية الأبارتهايد. وبالمناسبة، فإن عام 1976 في حالتنا الفلسطينية له مكانة مهمة جدًا في مسيرة شعبنا الفلسطيني، وهو حدث (يوم الأرض)، الذي غدا ذكرى سنوية يحيها الشعب الفلسطيني في 30 آذار من كل عام، هذه الذكرى التي شارك اتحاد الطلاب العرب في صنع أحداثها بشكل كبير.

خلاصة الأمر، إن أعمدة النضال ضد نظام الأبارتهايد كثيرة، وأهمها العمل الأهلي المدني الكبير الذي عمل على تنظيم المجتمع وأحيّا دوره في تنشيط الحراكات والنضال الشعبي الموحد داخل الدولة، فعندما حظروا المؤسسات والأحزاب استمرت الحراكات الشعبية والتي كانت أحيانًا تأخذ شكل العمل السري المُخالف لقانون نظام الأبارتهايد، لكنها لم تتوقف أبدًا، ومن هذا النضال الشعبي انبثقت الكثير من الأفكار، منها إنشاء اتحاد الجبهة الموحدة للديمقراطية وكان الهدف منها التنظيم والتشبيك بين المؤسسات والجماعات والأفراد والتحشيد والتثقيف ورفع الوعي وجمع مجموعات نسائية ونشطاء وكل عمل شعبي لقيادة النضال ضد نظام الأبارتهايد، ونتيجة لذلك كان العصيان المدني الذي أثر بشكل كبير على نظام الأبارتهايد وساهم في إضعافه لتكلفته الاقتصادية الكبيرة، وهذا كله حصل في ظل قانون الطوارئ وفي أحلك الظروف وأقسى الحالات التي مرَّت على أهالي جنوب أفريقيا من ذوي البشرة السوداء ومن مجموعات عرقية أخرى، باستثناء البيض من أصل أوروبي. غير أن المقاومة الأفريقية أسست مطالبها على المساواة منذ البداية واعتبروا البيض جزءًا من أرضهم، وهذا أحد أبرز أوجه الاختلاف بين الحالتين الفلسطينية والجنوب الأفريقية الذي سيكون محور الحديث عنه في المقالة القادمة والأخيرة بمشيئة الله.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى