أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

هل هي بداية اليقظة من كأس العالم في قطر

الشيخ رائد صلاح

 

هناك في المدرجات الأربعة العملاقة في قطر التي كانت ولا تزال تستضيف منتخبات إثنين وثلاثين دولة في كأس العالم، وهناك في سوق (واقف) وفي الحي الثقافي (كتارا) وفي سائر مواقع المتنزهات التي أعدتها قطر لكل ضيوفها من كل العالم الذين شدّوا الرّحال إليها من كل قارات الدنيا مع بدايات كأس العالم الأخير والذي حبس أنفاس العالم وهو يتابع المباريات وما شهدت من تصفيات بين هذه المنتخبات، وهناك في شوارع الدوحة عاصمة قطر ذابت الحدود بين شعوب العالم العربي، وذابت مسميات الدول العربية في مشاعر هذه الشعوب، وذابت كل مظاهر الافتخار بالانتساب- عصبية موروثة- إلى هذه الدولة العربية أو تلك، وما عادت الشعوب العربية موزعة في إثنين وعشرين دولة عربية، ذات إثنين وعشرين جواز سفر تفصل العربي عن العربي، وذات إثنين وعشرين علما جعلت من العرب أعرابا!!

هل حدث ذلك حقا؟! نعم حدث ذلك بالبث المباشر وتردد صداه في كل الدول العربية دون استثناء، وفي أجواء حياة الجاليات العربية حيثما كانت!! وبناء على ذلك أصبح الترقب العربي ترقبا واحدا، وأصبح الدعم العربي دعما واحدا، وأصبح الفرح العربي فرحا واحدا، كله ذاب في المشهد العربي الواحد!! فها هو المشهد العربي بكل ما يملك من مشاعر وعاطفة وتطلعات وطموح احتضن المنتخب القطري عندما كان يلعب في كأس العالم هذا الأخير على اعتبار أنه منتخب لكل العرب وليس للقطريين فقط!! وها هو هذا المشهد العربي يحتضن المنتخب السعودي والمنتخب التونسي وما أحرزا من انتصارات على اعتبار أنهما منتخب لكل العرب وليس للسعوديين أو التونسيين فقط!! ثمَّ ها هو المشهد العربي يحتضن المنتخب المغربي ويلزم كل عربي أن يقف على قدميه وأن يشاهد مباراة المغرب مع إسبانيا، ثمَّ مباراة المغرب مع البرتغال، على اعتبار أنَّ المنتخب المغربي هو منتخب لكل العرب وليس للمغربيين فقط. وهكذا، انتظر كل عربي في كل العالم بفارغ الصبر كأنه يقف على الجمر عندما كان يتابع بكامل أعصابه المتوترة لحظات تألق المنتخب المغربي خلال مباراته مع إسبانيا، ثم خلال مباراته مع البرتغال، على اعتبار أنه منتخب كل العرب، وهكذا صرخ كل عربي من قحف قلبه عندما سجَّل المنتخب المغربي أهدافه في مرمى المنتخب الإسباني والمنتخب البرتغالي، حتى أمي العجوز- حفظها الله تعالى- التي باتت في حمى التسعين عاما كانت تترقب نتائج هاتين المباراتين.

ولا أنسى إعلاميا عربيا لفت انتباهه مشهد مسن من السودان كان من ضمن من كانوا يشاهدون مباراة المنتخب المغربي مع المنتخب الإسباني على مدرج الثمامة، حيث توترت أعصاب هذا المسن طوال تلك المباراة، لدرجة أن هذا الإعلامي خاف عليه، ثمَّ لما انتهت المباراة، وفاز المنتخب المغربي كأن الفرحة عقدت لسان هذا المسن وما عاد يملك القدرة على الكلام!! ولا أنسى ردّ مهاجرة عربية تسكن في أمريكا، حيث أن مراسل قناة الجزيرة عندما سألها عن شعورها بعد فوز المنتخب المغربي على المنتخب البرتغالي، أجابت بلا تلعثم أنها سافرت خصيصا من أمريكا إلى قطر لدعم المنتخب المغربي!! مع التأكيد أن هذه المهاجرة العربية قد تكون مغربية، وقد تكون من أية دولة عربية أخرى، ولكنها جاءت تسعى من أقصى الأرض بعد أن بات المنتخب المغربي هو منتخبها وهو مصدر فخرها تماما كما أصبح هكذا حال كل مهاجر عربي وكل مهاجرة عربية في كل قارات الدنيا!!

وهل هناك أصفى من أن تحتشد فرحة عربية واحدة راحت تهتف في سوق واقف، ثم لمَّا راح مراسل قناة الجزيرة يسأل بعض أعضاء هذه الفرحة العربية تبين أن أحدهم كان سعوديا وكان الثاني أردنيا وكان الثالث سوريا وكان الرابع عمانيا وكان الخامس تونسيا وكان السادس فلسطينيا وكان السابع مصريا إلى جانب العشرات من المغربيين!! وهل يمكن لأحدنا أن ينسى مشهد أعضاء البرلمان التركي وهم يصفقون فرحا في مبنى البرلمان التركي بعد أن فاز المنتخب المغربي على المنتخب البرتغالي!! وهذا يعني أن الفرحة الواحدة تجاوزت الشعوب العربية ودخلت إلى قلوب الملايين من أمتنا الإسلامية، وهذا يعني أن قطر برعايتها المتقنة لكأس العالم هذا الأخير، وأن المنتخب المغربي نجحا بدفع الشعوب العربية والأمة الإسلامية إلى تجديد العهد مع الحاضنة الإسلامية العروبية، ثمَّ إلى تجديد العهد مع فلسطين ومع القدس والمسجد الأقصى المباركين، فهذا اللاعب المغربي الذي أحرز هدف الفوز في مرمى البرتغال عبَّر عن فرحته بأن حمل علم فلسطين وطاف به أمام عشرات آلاف المشاهدين العرب والمسلمين وهم يهتفون لمنتخب المغرب تارة ولفلسطين تارة أخرى.

وهكذا بات المشهد العربي يقول: كما أن منتخب المغرب أصبح منتخب كل العرب فإن قضية فلسطين كانت ولا تزال قضية كل العرب. وهكذا تجاوزت الشعوب المسلمة والعربية الإسقاطات المشؤومة لما عُرف باسم (الثورة العربية الكبرى)، وهكذا تجاوزت إسقاطات سايكس – بيكو سيئة الصيت وهكذا تجاوزت اتفاقيات التطبيع التي أطلقوا عليها ظلما لنبي الله إبراهيم عليه السلام (اتفاقيات إبراهيم)!! وهكذا تجاوزت (عقدة الخواجا)!! فهذا مدرب المنتخب المغربي عربي من المغرب، وها هم كل لاعبي المنتخب المغربي عرب من المغرب!! وها هو حامي مرمى المنتخب المغربي يتقن اللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية إلا أنه أصرَّ أن يجيب مراسلي كل الأرض باللغة العربية لغة الضاد ولغة القرآن الكريم.

ثمَّ إن كل ما استعرضته بإيجاز شديد هو مبشرات، وهو من ضمن آلاف المبشرات التي انتصبت حية شامخة فوق أرض قطر وتحت سمائها، إلى جانب عشرات آلاف المبشرات التي شهدتها شعوب الأمة الإسلامية والعالم العربي والجاليات المسلمة والعربية في كل مكان، وبناء عليه أتساءل بتفاؤل حذر: هل كل هذه المبشرات تعني أننا بين يدي يقظة إسلامية عروبية عابرة للقارات والحدود لها ما لها في قادمات الأيام؟! ومن يدري- ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى- فهذه مأساة (بوعزيزي) التونسي أنجبت الربيع العربي الذي تآمر عليه الأقرباء قبل الأعداء، فهل ستنجب لنا هذه المبشرات يقظة أُخوّة إسلامية عروبية، ويقظة كرامة إسلامية عروبية، ويقظة حرية إسلامية عروبية، ويقظة سيادة إسلامية عروبية، ونصرة إسلامية عروبية لفلسطين والقدس والمسجد الأقصى المباركين؟! لا شك أنَّ الأيام حبالى، ومن يعش منا سيرى مولودها في قادمات الأيام، فعسى أن يكون خيرا يحقق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثمَّ تكون خلافة على منهاج النبوة تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا). وأمَّا مباراة المنتخب المغربي مع المنتخب الفرنسي فسأفرد لها مقالة خاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى