أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

منارات في الفكر الإسلامي (5).. فكر (ما بعد الحداثة) ومشاريع لتغيير البشرية

د. محمود مصالحة

 

برزت عظمة الإسلام والفكر الإسلامي برفع مكانة المرأة عاليًا فكان لها الدور البارز في الجوانب الاجتماعية والتربوية والسياسية والعلمية، كثيرات هنَّ النساء العالِمات اللاتي درسن صنوف العلم، كرواية الحديث والقضاء والفتوى، وفي الجوانب السياسية والعلمية.

“فعائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، التي نشأت مُحبَّة للعلم، وكانت من الرواة الثقات فقد روت عن أبيها وعن عِدّةٍ من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم … وهذا المؤرخ ابن عساكر المتوفى(571هـ) وهو من أوثق رواة الحديث وقد لُقِّبَ بحافظ الأمة، كان من شيوخه بضع وثمانون من النساء العالِمات”، (نساء من عصر التابعين). وترجم الحافظ ابن حجر العسقلاني ل 170 ‏مُحدِّثة في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) منهن 54 شيخة له. وفاطمة الفهري: هي واحدة من أهم الشخصيات اللاتي غيرت شكل الثقافة والتربية والعلم في التاريخ الإسلامي، وهي من مدينة القيروان في تونس، تعلمت وهي صغيرة علوم الفقه الإسلامي واللغة العربية. ورفيدة بنت سعد: التي اشتهرت باسم برفيدة الأسلمية، هي أول من عملت كممرضة في التاريخ العربي والإسلامي، وكانت الأسلمية تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات لتمريض المرضى، كما كانت أول من أنشأت مدرسة لتعليم الفتيات علم التمريض، وكانت تعمل رفيدة كأخصائية اجتماعية. ومريم الإسطرلابية: هي واحدة من أهم علماء الفلك في التاريخ الإسلامي رجالا ونساء، حيث قامت بتطوير آلة الإسطرلاب المعقدة.

هكذا كان الدور المُشرِّف للمرأة في الإسلام، مقابل الظلم والاحتقار الذي وقع على المرأة الغربية من قبل الكنيسة وأصحاب الحداثة الغربية، مما جعل الحركات النسوية يمردن على ذلك الظلم لانتزاع حقوقهن، وهذا من حقهن الإنساني، أما أن تتجاوز الحركات النسوية مستغلة الحرية الغربية المطلقة، لتُعادي الرجال وتتمرد على البناء الأسري، وتنادي بهدمه بالشذوذ الجنسي، ومحاربة الإنجاب، بهذا الثقافة الإنحلالية الخطيرة، تمردت على الفطرة الإنسانية، فباتت هذه الحركات النسوية أحد مشاريع ما بعد الحداثة لهدم البناء الإنساني. إضافة للمشروعيْن في المقال السابق. وهذه كبرى الحركات النسوية الأنثوية المتطرفة (feminism) المشروع الثالث لما بعد الحداثة: الذي وضع نظرياته الفكرية الفلاسفة الغربيون ومنهم فيلسوفة النزعة الأنثويّة الوجوديّة سيمون بوفوار (1908-1986م)، التي اعتبرت الزواج السجن الأبدي للمرأة، أن المرأة مالكة لجسدها تتصرف به كيفما تشاء، حتى ولو اتخذت شكل من أشكال الشذوذ الجنسي، وحركات النسوية ضد الانجاب، وحركات الشاذين، والشاذات جنسيًا، كلها حركات تمرد على البناء الأسري، إنها حركات عدمية تفكيكية للبناء والمجتمعي الأسري، وتغيير الهوية، ورفض المرجعيات، وإلغاء شرائع الأحوال الشخصية المرجعية الإسلامية، ومن تلميذاتهن المصرية نوال السعداوي، والجمعيات النسوية في البلاد العربية والإسلامية.

وفي مقابل رُقي النظرة الإسلامية بمفهومها الفلسفي، التي على نقيض النظرة الغربية للحركات النسوية الأنثوية المتطرفة (feminism). إذ أن النظرة الإسلامية للرجل والمرأة، نظرة تباينيّة تكاملية مختلفة الوظائف، وفقًا للاختلاف في البنية الخَلْقية التي تتناسب مع فطرة الذكر والأنثى التكوينيّة، لذلك فهي تحمل قيمة العدالة الوظيفية البنيويّة الإنسانيّة الأشمل من المساواة التي أسست عليها اتفاقية “سيداو” الجندرية، قال تعالى: “يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”(13).

المشروع الرابع: الديانة الإبراهيمية ماركة أمريكية:

إنها دعوة فكرية غربية مشبوهة أطلّت علينا برأسها في العقد الأخير، تُخفي في باطنها السُّمّ الزُّعاف، أُطلِق عليها “الإبراهيمية”، واختيار مفكرين غربيين لمصطلح “الإبراهيمية” عنوانًا لدعواتهم المشبوهةِ، ليحظى الاسم بالقبول تم استغلال المكانة الرمزيةِ للنبي إبراهيمَ أبو الأنبياء عليهم السلام، للتخفّي برمزية اسم النبي ابراهيم عليه السلام، باختراع مصطلح خدّاع أسموه “المشترَك الإبراهيميّ”، الذي يغطّي حقيقةَ أهداف المشروعات الغربية الفكرية الثقافية السياسية الخطيرةِ التي لا تخدم إلا أهدافهم الهدامة  التفكيكية وإلغاء المرجعية وتغيير الهوية، وخبث التخفّي خلف الهدف المعلن لفكرة المشروع وهو “إقامة السلام بين الشعوب والدول والتطبيع مع الدولة العبرية،”. فجاءت الفكرة لترتكز على أن (النبي إبراهيم) هو أبو الديانات الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام”. وبالتالي، يجب أن يعمّ الوفاق بين أتباع الديانات المتشابهة بانصهارها في ديانة واحدة. وتم الترويج لصنع هذه الديانة الابراهيمية الأمريكية في بعض أنحاء العالم العربي، وبخاصة في دولة الإمارات، بدعوى “توحيد الديانات الثلاث”، بما تسمّى “الديانة الإبراهيمية”، وتسويقها على أساس حل “النزاعات الدينية”، وهكذا هم يُكذِّبون.

لقد رفضها علماء الأمة، وأعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب رفض الدعوة إلى “الديانة الإبراهيمية الجديدة” وتساءل في خطابه عما إذا كان المقصود من الدعوة “تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة أو المقصود صناعة دين جديد، لا لون له ولا طعم ولا رائحة”…

وقال الطيب إن الدعوة للديانة “الإبراهيمية” “تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار”.

ويرى الطيب أن الدعوة إلى توحيد الدين دعوة “أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها”، لأن “اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل”.

وخلاصة القول:

أولا: الديانات المسيحية واليهودية هي ديانات شركية لن تلتقي عقديًا مع الإسلام دين التوحيد.

ثانيا: الإسلام هو دين الأنبياء والمرسلين جميعَا من عهد آدم إلى محمد عليهم السلام الذي ارتضاه الله للبشرية.

ثالثا: إن ابراهيم كان حنيفًا مسلمًا ليس يهوديًا ولا نصرانيُا، لقوله تعالى: ” ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما وما كان من المشركين” آل عمران، لذلك إن إبراهيم لا علاقة لليهودية ولا النصرانية به، لقوله تعالى: “إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والله ولي المؤمنين”، وفكرة الديانة الإبراهيمية” تعتمد على الخلط بين عقيدة التوحيد وعقائد الشرك في الديانات اليهودية والنصرانية فهي فكرة باطلة من أساسها، هدفها التضليل وردَ المسلمين عن دينهم، وجني ثمار تفيك الأمة تشتيت هويتها والتطبيع والتبعية وتضييع حقوق الشعب الفلسطيني، والمسجد الأقصى المبارك. ولقد أفتى اتحاد علماء المسلمين، وعلماء المغرب، وعلماء فلسطين بخطورة هذه الديانة وقالوا بكفرها وبطلانها وبردة أتباعها.

المشروع الخامس: التشكيك بثوابت بأصول الإسلام: بتجنيد مفكرين علمانيين وإعلاميين منافقين ملحدين عرب للتشكيك بأصول الإسلام الكتاب والسنَّة المطهرة، يتزامن مع سجن آلاف العلماء والدعاة وقتل الكثير منهم في سجون الظالمين، ندرك حجم الحرب على كليات الإسلام ومرجعياته العقيدة والشريعة والفكرًية والهوية الإسلامية التي هي عنوان وحدة لأمة.

وأخيرًا كلاوس شواب رئيس مؤتمر دافوس في مؤتمر العشرين في أندونيسيا أشار إلى تسونامي مشاريع المستقبل، وقال “سنعمل على تغيير البشرية”. هكذا هم يطبقون فكر ما بعد الحداثة بمشاريعهم الثقافية الانحلالية الظلامية لتغيير البشرية. والمشروع الأخطر في المقال القادم بإذن الله.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى