أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

العنف لا وطن له..

أميَّة سليمان جبارين (أم البراء)

 

العنف ظاهرة تتنامى وتجتاح العالم وكأنها سيل جارف، يجرف معه كل مشاعر الحب والرحمة والسكينة والسلم المجتمعي!! وقد أصبحت ظاهرة العنف تتفشى في كل المجتمعات وتسكن كل الأمكنة بغض النظر أكانت هذه الأمكنة تنعم بالسلام أم تعاني ويلات الحروب. ولم يستعص عليها إلا تلك الفئة التي جعلت شريعة الله مرجعها وفي سنة رسوله قدوتها.

فالإسلام كما نعلم قد حرَّم العنف ونبذه بكل أشكاله، ولا يقبل به، فالأصل في التشريع تكريم الإنسان (ولقد كرَّمنا بني آدم) بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو لونه. وقد حثَّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على التعامل بالرفق واللين في كل الأمور وترك العنف والقسوة لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نُزع الرفق من شيء إلا شانه).

ومن هنا يفترض بنا كمسلمين تطبيق هذا التعامل بالرفق في حياتنا الخاصة والعامة، حتى ينشأ مجتمعنا محبًا متآلفًا رحيمًا لا ينغص صفاءه شبح العنف المستشري في العالم أجمع. وبما أنَّ اللبنة الأولى في المجتمع هي الأسرة، فقد ذكر لنا القرآن الكريم أن سبل نجاح الأسرة وقوتها وديمومتها هما: ركيزتا المودة والرحمة: (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ). وهذا تأكيد رباني أن أساس التعامل بين الرجل والمرأة يجب أن يبنى على هذا الأساس وليس تعاملًا على أساس الاستقواء أو السيطرة، وهذا ما نعايشه في عصرنا، حيث نلحظ وبقوة مظاهر سيطرة الحلقة الأقوى المتمثلة بالرجل غالبًا على الحلقة الأضعف المتمثلة بالمرأة وذلك من خلال مظاهر العنف الواقعة على المرأة بشكل كبير وعلى مستوى العالم أجمع دون استثناء. فرغم ما وصل إليه العالم من تطور وتقدم على جميع المستويات، إلا أنه وحسب تقارير صندوق الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة تفيد أن:

1- 35% من النساء يتعرضن للعنف على يدي شريك الحياة أو الأقرباء.

2- 71% من ضحايا الإتجار بالبشر هن فتيات اللاتي يتم تعرض أغلبهن للاستغلال الجنسي.

3- كل 11 دقيقة تقتل فيها امرأة على يد شريكها أو أحد أقربائها على مستوى العالم.

هذه الحقائق المرعبة نستدل من خلالها حجم الكارثة التي حلت بنا، كيف لا وهي تتحدث عن المرأة التي هي الأم أو الزوجة تارة والأخت أو القريبة تارة أخرى، لا بل حتى عن المرأة بصفتها كمخلوق مكرم من الخالق! ومما لا شك فيه أنَّ المرأة قد تعاني أشكالًا مختلفة من العنف تتمثل في:

1- العنف الجسدي: والذي ينجم عنه أذى وضرر لجسد المرأة من كسر للعظام أو تشوه وقد يصل الأمر إلى القتل نتيجة هذا العنف.

2- العنف النفسي: وينجم عنه أذى نفسي وحالات اكتئاب شديدة وتحطيم لشخصية المرأة، وذلك نتيجة التلاعب بمشاعرها وخاصة إذا ما اكتشفت خيانة زوجها لها أو علاقته بأخرى، أو من خلال التهديد المستمر بالطلاق أو التهديد بالزواج بأخرى.

3- العنف اللفظي: وينجم من خلال النقد الجارح للمرأة أمام المجتمع الخارجي أو إهانتها أمام أبنائها والتعمد بشتيمتها وشتم أهلها ونعتها بالفاشلة أو النكدية أو القبيحة وغيرها من الألفاظ النابية الجارحة، وهذا النوع من العنف يؤدي بالمرأة أن تكره نفسها لا بل وتكره أولادها لأنها كُسرت وأُهينت أمامهم وتكره مجتمعها.

4- العنف الجنسي: وينجم هذا العنف إذا ما مارس الزوج العلاقة الجنسية مع المرأة وهي بحالة نفسية سيئة خاصة إذا ما كان قد تم تعنيفها جسديا قبل ذلك.

5-العنف الاقتصادي: ويكون ذلك بسيطرة الرجل على أموال زوجته بالإكراه، أو منعها من العمل أو من حرية التصرف بمالها وذلك حتى يبقيها مرتبطة به ماليًا واقتصاديًا.

إذن هذه أهم أنواع العنف المستخدم ضد المرأة بشكل عام، والتي تترك آثارًا سلبية على شخصية المرأة المعنَّفة، منها أنها تعيش في حالة من الانعزال العاطفي عن الزوج نتيجة ما تشعر به من خواء عاطفي نتيجة إهمال الزوج أو انشغاله بعلاقة أخرى أو ضربه وتعنيفه لها بشكل مستمر، وقد أثبتت الأبحاث أن المرأة المُعنّفة غالبًا ما تعيش في حالات اكتئاب وآلام نفسية وأمراض جسدية. وعند البحث في أسباب هذا العنف المنتشر بين الأسر وخاصة ضد المرأة نجد أن:

1- المعَنِّف قد تعرض للتعنيف وعاش في أجواء العنف في صغره.

2- عدم وجود ملكة الحوار بين الزوجين خاصة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استخدام العنف لحل الأمور بينهما.

3- سوء الوضع الاقتصادي وخاصة بعد جائحة الكورونا حيث ارتفعت نسبة حوادث العنف ضد المرأة على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

4- تربية الأطفال على مبدأ “خذ حقك بيدك” مما يعزز لديه جدوى استخدام العنف.

5- الإعلام، حيث يصور المرأة على أنها سلعة رخيصة من خلال عرض جسدها وتمثيلها للأدوار الساقطة وبذلك يُنظر للمرأة على أنها غير ذات قيمة، أضف إلى ذلك ما يبثه الإعلام من خلال الأعمال الدرامية والسينمائية والتي تشيع مظاهر العنف ضد المرأة وكأنها ظاهرة طبيعية.

وعليه، فإنه لزامًا علينا كمسلمين أن نعمل على معالجة ظاهرة العنف في مجتمعنا المسلم أولًا، ونكون قدوة صالحة للمجتمعات الأخرى من أجل الحد من هذه الظاهرة، لا سيما وأن ديننا قد رفع مكانة المرأة وأعلى شأنها وأعطاها مكانتها وقيمتها الحقيقية من خلال العديد من الآيات القرآنية، كقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ)، وقوله عز وجل: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا). وفي السنة النبوية، (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله.. من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟ قال: أمك.. قال: ثم من؟ قال: أبوك).

هذه هي الخطوط العريضة التي وضعها الإسلام للتعامل مع أرق مخلوق خلقه الله تعالى، ومن خلالها يمكننا الانطلاق في مسيرة تغيير الثقافة الراسخة في عقول بعض المنهزمين فكريًا الذين لا يتركون أية فرصة إلا وقاموا بعملية جلد للذات، واتهامهم للإسلام بالقصور تجاه قضية المرأة، لأنهم لم يفهموا روح الدين الإسلامي. فلتخرس كل الألسنة التي تتهم الإسلام بهضم حقوق المرأة ودائمًا ما تصور الإسلام والمسلمين على أنهم مجموعة همجية لا تحسن التعامل مع المرأة وأن ما تواجهه المرأة المسلمة من عنف مستخدم ضدها يفوق ما تواجهه نظيرتها الغربية مع العلم أن جميع الإحصائيات المثبتة من قبل صندوق الأمم المتحدة تثبت عكس ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى