أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (142) المتابعة التي يريدها منصور عباس

حامد اغبارية

“هل سيؤدي انتخاب لجنة المتابعة انتخابًا مباشرا إلى تعزيز مكانتها ومكانة المجتمع العربي على المستوى السياسي، أم أنه سيؤدي إلى حظرها؟”.

هذا السؤال لست أنا الذي أسأله، بل هو سؤال إنكاري ورد على لسان عضو الكنيست منصر عباس أثناء مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع.

سؤالٌ إنكاري لأنه من خلال حديثه تفهم مباشرة أنه يرى أن انتخاب المتابعة سيؤدي إلى حظرها، ولذلك لا داعي للانتخاب المباشر الذي يعكس اندفاعا غير مدروس، لأن المتابعة عندها ستتحول إلى “دولة داخل دولة” كما يقول!

ما الذي يريده عضو الكنيست عباس وتنظيمه من المتابعة؟ وما حقيقة موقفهم من قضية تطوير اللجنة وإعادة تأهيلها بحيث تكون جسما تمثيليا حقيقيا لمجتمع الداخل الفلسطيني، يعبّر عن طموحاته ويعمل على نهضته؟

عليك أن تتقن قراءة ما بين السطور حتى تفهم المغازي والمرامي. فالكلام لخطورته يجد التوقف عنه طويلا ومناقشته. فالرجل يتحدث عن المتابعة وعينه تنظر إلى مكان آخر.

والسؤال: هل انتخاب لجنة المتابعة انتخابا مباشرا من أهل الداخل الفلسطيني سيحولها فعلا إلى دولة داخل دولة؟

لم نسمع هذا الكلام من أحد غير عضو الكنيست عباس. وهو كلام لا يقوم عليه دليل، بل مبني على فرضيات وتصورات خاطئة تؤدي عمليا إلى إبقاء اللجنة على حالة الترهل والضعف والانكماش التي تعاني منها منذ عشرين سنة، وتحديدا بعد أحداث هبة القدس والأقصى. لم نسمعه من أحد غيره، لكننا سمعنا نفس الكلام في سياق آخر. سمعناه على لسان سياسيين إسرائيليين وهم يحرضون على الحركة الإسلامية قبل حظرها، مطالبين بحظرها. فقد استخدموا ذات المصطلح: “دولة داخل دولة”. والعجيب أن منصور عباس ربط بين “الاندفاع غير المدروس” نحو انتخاب المتابعة مباشرة، وبين حظر الحركة الإسلامية، التي تفهم من كلامه أن نهجها كان أيضا اندفاعا غير مدروس!! فهل كان الرجل يتحدث باسم الائتلاف الحكومي الحالي الذي هو جزء منه، أم بصفته الشخصية والتنظيميّة؟

وظنّي أن اختيار هذه المقارنة واتهام الداعين لانتخاب المتابعة بالاندفاع غير المدروس (المتهور بمعنى آخر!!) لم يأت عبثا، بل فيه رسائل ذات علاقة بأحداث سابقة كانت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا في مركزها. وأعتقد أن الرجل وهو يتحدث عن المتابعة كان يطعن في نهج الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، ملمحا إلى أن هذا النهج هو الذي قاد إلى حظرها!! وهذا دفاع غير مباشر عن سياسة المؤسسة الإسرائيلية تجاه مجتمعنا وتجاه كل صوت يغرد خارج سربها وبعيدا عن ملعب سياستها، وهو تبرير لسياسة القمع والملاحقة وتكميم الأفواه، ودعوة لكل من اختار الثبات على الثوابت إلى التنازل عنها من أجل “حماية نفسه”. وهذا تحديدا ما قاله الدكتور عباس: “موقفنا بالنسبة للآخرين أننا نريد أن نحميهم من هذا الاندفاع غير المدروس باتجاه تحويل لجنة المتابعة إلى دولة داخل دولة ما قد يؤدي إلى حظرها. وقد رأينا آثار هذا الاندفاع الذي أدى إلى حظر الحركة الإسلامية الشمالية”.

إنه “يريد أن يحميهم” من خلال الذوبان التام والانصهار داخل بوتقة المشروع الصهيوني من خلال المشاركة في الائتلافات الحكومية. هذا هو المشروع السياسي لمنصور عباس والتنظيم الذي يمثله. فأي الخيارين يليق بمجتمع الداخل الفلسطيني؟

هل هو خيار منصور عباس، الذي حتى لو كان صائبا، فقد ثبت فشله، لأنه متعلق بمزاج السياسة الإسرائيلية المبنية أساسًا على رفض وجود الفلسطيني، ناهيك عن قبوله شريكا في صناعة القرار؟ إن مستقبل الشعوب والمجتمعات لا يُبنى بناء على مزاج الآخرين، بل يبنى على الإرادة والتمسك بالحقوق والإصرار على الثوابت والعض عليها بالنواجذ، والاستعداد لدفع أي ثمن من أجل تحقيق ذلك. فالحرية والانعتاق ونهضة المجتمعات لا تقوم على الأمنيات وإنما على التضحيات. وهناك فرق بين من يضحي من أجل مجتمعه ومستقبله، وبين من يضحي بمجتمعه ومستقبل مجتمعه من أجل أوهام السياسة.

إن أكثر ما يلفت الانتباه وأغربه فيما قاله عضو الكنيست عباس في تلك المقابلة إن “الشمالية كان يفترض بها أن تلتقي معنا في مشروع بناء لجنة المتابعة، لكن امتناعها أدى إلى انتخاب محمد بركة على حساب كامل ريان”، كما قال. وفي هذا الكلام مجموعة ملاحظات:

أولا: الحركة الإسلامية يوم التصويت على انتخاب رئيس لجنة المتابعة (في تشرين الأول 2015) لم تمتنع بل صوتت بورقة بيضاء، وأعلنت ذلك مسبقا بعد أن سحبت مرشحها المرحوم عبد الحكيم مفيد. وكان الموقف مبدئيا ولا علاقة له بأسماء المرشحين ولا مواقعهم ولا انتماءاتهم الحزبية. وقد سعت يومها إلى التوفيق بين المرشحين (أربعة مرشحين) لتناوب الرئاسة منعا للتصادم والخلافات، مع تأكيدها يومها أن هذا الحل مؤقت، وأن الحل الأمثل هو الانتخاب المباشر لكل هيئات المتابعة بما فيها الرئاسة.

أما الذي يتأبط هذا الملف كلما “دق الكوز في الجرة”، وكأن الشمالية ارتكبت خطيئة كبرى لأنها لم تصوت لصالح كامل ريان فهو يعاني من مشكلة، أو من متلازمة تحتاج إلى علاج سريع.

ثانيا: حاول منصور عباس طوال الوقت إظهار المسألة وكأنهم الوحيدون الذين يملكون الحل السحري الذي يمكنه الدفع بلجنة المتابعة إلى الأمام، ولكنه لم يقل كيف سيحدث ذلك، وما هي خطته لتحقيقه، اللهم سوى قوله إن انتخاب كامل ريان رئيسا للمتابعة كان سيجعل منها مؤسسة وطنية وحدوية. كيف ذلك؟ الله أعلم! أما اليوم، وبناء على هذا المنطق، فإن اللجنة ليست وطنية ولا وحدوية، لماذا؟ لأن كامل ريان لم ينتخب رئيسا لها. فهل هناك أعجب وأغرب من هذا الكلام؟

ثالثا: يلومون الجناح الشمالي على اختيار التصويت بالورقة البيضاء وعدم التصويت للشيخ ريان، في الوقت الذي نسوا أو تناسوا أنهم أداروا ظهورهم وتنكروا لاتفاق الوحدة بين شقي الحركة عام 2013، بعد أن كانوا قاب قوسين من التوقيع، وذهبوا إلى الكنيست بعد أن كانوا قد أعلنوا للجمهور أنهم مستعدون للتنازل عن الكنيست لأجل الوحدة. فإذا كان هذا هو الحال، فكيف يمكن الوثوق بأي كلام بعد ذلك؟ وهل من يفعل ذلك يمكنه أن يكون محل ثقة فيما يتعلق بمستقبل المتابعة؟

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى أن تكون لدينا هيئة وطنية قوية، سواء كان اسمها لجنة المتابعة أو غير ذلك، تكون مرجعية سياسية لجميع الأطر، وتملك الأدوات والآليات للنهوض بمجتمع الداخل الفلسطيني. ولا نرى تحقيق ذلك إلا من خلال الانتخاب المباشر لإطار جامع. أما المعطِّلون الذي يريدون للجنة المتابعة أن تكون مجرد إطار هلامي، بلا تأثير ولا قرار ولا جمهور داعم ولا حاضنة شعبية، هم السبب المباشر لتعطيل مسيرة مجتمعنا، وهم بهذا يشكلون خطرا على مستقبل هذا المجتمع. وقد رأينا بأم أعيننا- خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل- تراجع تفاعل أطر سياسية وأحزاب بعينها مع لجنة المتابعة، حتى على مستوى المشاركة في جلساتها الاعتيادية، أو الفعاليات والنشاطات المختلفة، الأمر الذي زاد من إضعافها وتهميشها وتراجع ثقة الجمهور بها. والمطلوب الآن استعادة هذه الثقة وإعادة الدور القيادي للجنة، لمواجهة كل المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية والتي لا تدعو إلى التفاؤل ولا تبشر بخير.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى