أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

منارات في الفكر الإسلامي (4) فكر (ما بعد الحداثة) ومشاريعها الخطيرة

الدكتور محمود مصالحة

 

لقد تميّز العالِم المفكر المسلم العربي المعاصر عبد الوهاب المسيري رحمه الله تعالى برؤيته الفكرية المستقبلية الثاقبة لخطورة ما يحدث اليوم، في تحليله لفلسفة (ما بعد الحداثة)، وقد بين المضامين والقواعد التي يقوم عليها فكر (ما بعد الحداثة)، وآثاره التغييرية للبشرية في المقال السابق.

وحقيقة فكر ما بعد الحداثة، نجملها بهذا المقال بكبرى المشاريع الغربية الخطيرة، خدمة لأهدافهم بحسب مفاهيم (ما بعد الحداثة) العدمية، والهدمية، والتفكيكية والتشتيتية، وإلغاء المرجعية والمركزية كمرجعية، وتفكيك أوصال المجتمعات وإلغاء هوياتهم وانتماءاتهم، باستخدام الضغوط السياسية والاقتصادية التي تُفرض فرضًا، وعلى الدول والشعوب الضعيفة أن تقبل هذه المشاريع طائعة. إذن فالبشرية مقبلة على عملية تغييرية ضخمة بدت تتضح معالمها في ظل هيمنة الفكر الغربي العلماني الإلحادي الذي يدفع المجتمعات بوسطة حكوماتها دفعًا لقبول ما يُفرض عليها، والشاهد على ذلك المُونديال، ورفض قطر للشذوذ، فقامت لندن بالضغط اقتصاديًا عليها وعشرة دول إسلامية.

لذلك لا بد من تعرية مضامين وأهداف مشاريع (ما بعد الحداثة) الغربية، فكلها تصبُّ في مخططات السيطرة الغربية على المجتمعات البشرية ثقافيًا، وذلك على النحو الآتي:

والمشاريع التغييرية الضخمة يجملها كلاوس شواب الذي يرأس منتدى دافوس في قمة دول العشرين في دولة اندونيسيا المسلمة في 15/11/22، كلاوس يقول: إن العالم مقبل على ثورة صناعية رابعة تقتلع كل من يقف أمامها، ويصدر تعليماته لزعماء دول العشرين، وكلاوس ليس رئيس دولة ولكنه أعلى من ذلك، ويقول إنه سيتم تغييرنا نحن البشر، والتغييرات التكنولوجية سوف تكون عميقة وسريعة وعنيفة، وسيتم تغيير البشر بالعالم الافتراضي بالتطور التكنولوجي، وهنالك ألف شركة كبرى في العالم لدول العشرين، من سياسات هذه الشركات أنها تتبنى فكرة نَسْوَنة العالم بدعوة حرية المرأة تطبيقًا لقوانين اتفاقية سيداو (بدعوة مساواة المرأة بالرجل)، فسيداو بفكر الشذوذ الجنسي الجندري، تعمل على تفكيك المجتمعات وهدم البناء الأسري والمجتمعي.

اتفاقية سيداو الدولية (CEDAW) هو المشروع الأول: وأخطر المشاريع الغربية التفكيكية التفتيتية للمجتمعات والأسر، يغيِّر الانتماء والهوية، تمَّ صياغته بعد أربعة عقود من المؤتمرات المتتالية، حتى أخرجوا للبشرية اتفاقية سيداو تحت مظلة الأمم المتحدة للهيمنة الغربية على البشرية.

اتفاقية سيداو تفرض (فلسفة الجندر) بما يسمى الهوية الاجتماعية، وتلغي الهوية البيولوجية، للذكر والأنثى، وتقول بالتحول الجنسي من الذكورة إلى الأنوثة ومن الأنوثة إلى الذكورة.

سيداو تنادي بفرض الإباحية، وتقول المرأة مالكة لجسدها تفعل به ما تشاء وكيف تشاء ومتى تشاء، وتدعو المراهقين والمراهقات لممارسة الزنا، وتأمر بتأخير سن الزواج الشرعي، والله يقول: “وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا”.

سيداو تقول: الرجل يتزوج الرجل، والله تعالى يتوعدهم بقوله: “أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ”.

سيداو تقول: لا يُسمح للرجل بالتعدد، وتدعو لاستبدال الزوجات بزنا الخليلات، والله يقول: “فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ”.

سيداو تقول: بالإجهاض، والله يقول: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ”.

سيداو تلغي عدة المطلقة، والله تعالى يقول: “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ”.

سيداو تقول: الأولاد يُنسبون لأمهاتهم، والله يقول: “ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ”.

سيداو تلغي حق الرجل في الولاية والقوامة والوصاية، وتلغى قوانين الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق، وتلغي الميراث، وتساوي بين الذكر والأنثى، والله يقول: “للذكر مثل حظ الأنثيين”.

جاء في المادة 2 من اتفاقية سيداو: “اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة” (16).

المادة 5: وتنص على ما يلى: (أ) تغيير الانماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد يكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر. (18). تقول الأستاذة الأمريكية “كاترين فورت”: “إن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان… (سيداو) تصاغ في لجان تسيطر عليها فئات ثلاثة: (حركة الأنوثة المتطرفة)، و(حركة أعداء الإنجاب والسكان)، و(الشاذون والشاذات جنسيا)… وإن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة إسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح، وترفض الأسرة، وتعتبر الزواج قيدا.

هذه الاتفاقية بأغلب بنودها تحارب الإسلام عقيًدة وشريعًة وثقافة وهويًة وانتماء، فهي تسعى لتفكيك وتفتيت المجتمعات المسلمة، وتلغي الهوية والانتماء والثقافة الإسلامية تستبدلها بتربية وثقافة غربية إباحية شذوذية إلحادية ليصبح المسلم فردًا يعيش منكمشًا بشهواته المادية والجنسية، فيفقد قيمه الإسلامية وكرامته وإنسانيته بالانحطاط الغربي، ويصير المجتمع قطيعا من الناس لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا في تيهٍ وضياع تتقاذفه ضلالات فكر ما بعد الحداثة الغربي. لقوله تعالى: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.

إذن اتفاقية سيداو من أخطر مشاريع ما بعد الحداثة، وتعمل على تفكيك المجتمعات وانحلال البناء الأسري، وتدعو للإباحية الشذوذية وتغيير الهوية الإسلامية إلى الهوية العلمانية الغربية وتسوق البشرية نحو الانحطاط.

المشروع الثاني: مشروع حقوق الطفل من مشاريع ما بعد الحداثة الذي تستخدمه المؤسسات العلمانية لتفكيك الأسر المسلمة بالقوانين الغربية بانتزاع الأبناء من والديهم بقوانين ذات معيارية غربية، ولقد حدث أن انتُزع أبناء أُسر مسلمة من أحضان آبائهم وأمهاتهم، في السويد هذا العام ظلمًا، تنتزعهم مؤسسات معادية للإسلام، وفُقِد من فُقِد ولم يعادوا لأسرتهم بعد سن البلوغ 14 سنة.

ومصطلح حقوق الطفل هو مشروع يُخبئ في طياته قوانين تفكيك الأسر والمجتمعات المسلمة وتغيير الهوية الثقافية الإسلامية.

وتقول المادة 2: “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.

والمادة 9/1 تقول: “فصل الطفل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل”. ومفهوم إساءة الولدين في حقوق الطفل مبهمة، فأنماط من التربية الإسلامية بالمفهوم الغربي يعتبرونها إساءة، فيتم خطف الطفل عنوة من حضن والديه، وهكذا تُهدم الأسر المسلمة، وتأخذ أطفالها جمعيات علمانية لتغرس فيهم مفاهيم ثقافية غير الإسلامية لتغيِّر هويتهم.

وانتزاع الطفل قرصنة بشرية بالقانون الغربي لأطفال المسلمين، واعتداء على حقوق الآباء والأمهات في الولاية والقوامة والحضانة في شرعنا. لذلك قانون حقوق الطفل هو مشروع من مشاريع ما بعد الحداثة الهدام لتفكيك الأسر والمجتمعات وتغيير الهوية، وعلى العلماء المختصين والتربويين المسلمين مراجعته على مستوى الدول الإسلامية لتعديله، ورفض كل ما يخالف شرعنا وثقافتنا التربوية الإسلامية.

في المقال القادم نستمر في تعرية مشاريع فكر ما بعد الحداثة الغربية الهدامة التفكيكية التغييرية للهوية وللبشرية.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى