أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

صراع الأرحام.. (حرب الديموغرافيا)!

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

 

منذ تأسيس المؤسسة الإسرائيلية، وكابوس الهزيمة في حرب الأرحام يطاردهم ويلاحقهم ليلا نهارا، خاصة في ظل تفوق الرحم الفلسطيني وخصوبته مقارنةً بالرحم اليهودي، ما دفع ساسة ومفكرين وباحثين في المؤسسة الإسرائيلية على تشجيع الإنجاب في صفوف النساء الإسرائيليات حتى يفوزوا في حرب الأرحام. وفي هذا السياق، فإنَّ هنالك مقولة تنسب لبن غوريون مفادها “إنَّ أي يهودي ليس لديه أكثر من أربعة أطفال فهو خائن”.

وها هو الباحث الإسرائيلي في تاريخ الشرق الأوسط غاي بخور يصرّح قبل سنوات: علينا الفوز في حرب الأرحام مع الفلسطينيين وذلك من خلال مشروع وطني نجند فيه رجال الدين لرفع نسبة الإنجاب ردا على التفوق الفلسطيني!

كما صرّح آفي ديختر خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي: “إن عدد السكان في الضفة الغربية وغزة قد وصل إلى 5 ملايين فلسطيني ناهيك عن عدد فلسطينيي الـ 48 مما يهدد مستقبل الدولة اليهودية”. بحسب تعبيره.

وفي تصريح عنصري جديد على لسان مدير قسم جراحة القلب والصدر في مستشفى “سوروكا” جدعون ساهر وخلال تواجده في حلقة انتخابية في النقب منذ عدة أسابيع، يتساءل عن إمكانية فرض غرامة مالية على من ينجب الطفل الرابع أو الخامس لدى العرب.

مما ذكرت أعلاه يتضح لنا مدى الخوف والهلع لدى المؤسسة الاسرائيلية من التفوق الديمغرافي لدى فلسطينيي الـ 48، لذلك فقد حرصت هذه الدولة بكل مقدراتها على الإخلال بهذا التفوق بشتى الوسائل والطرق، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق هذا الهدف، ففي حين أن المرأة الفلسطينية كانت تنجب 9 أطفال في سنوات الستينيات، ها هي دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تعلن عن تفوق المرأة الإسرائيلية مع مطلع العام 2000 بنسبة (3.05) مقابل (3.04) لدى المرأة الفلسطينية.

وعند التساؤل عن سبب هذه النتائج نجد أنه في سنوات الستينيات معظم المجتمع الإسرائيلي كانوا من يهود أوروبا ويحملون ثقافة لا تحبذ إنجاب الكثير من الأطفال، لكن بعد أن جاء المهاجرون اليهود من الدول العربية وكانوا يحملون ثقافة تلك الدول بإنجاب أكبر عدد من الأطفال، بدأ الشكل الديمغرافي يتغير لصالح اليهود خاصة في العشرين سنة الأخيرة، إذ أصبح توجه المجتمع الإسرائيلي دينيا أكثر من كونه مجتمعا علمانيا. إضافة الى ذلك، فإن هجرة اليهود الروس إلى المؤسسة الإسرائيلية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، وفي هذه الأيام يتوافد يهود أوكرانيا إلى البلاد، ممَّا يسهم وبشكل كبير في صناعة التفوق الديمغرافي لدى المجتمع اليهودي!!

وفي المقابل لو بحثنا في سبب تراجع نسبة الإنجاب لدى المجتمع العربي الفلسطيني لوجدنا أنَّ هذا التراجع حدث نتيجة سياسة السلطات الاسرائيلية من إجراءات تعسفية وعنصرية أبرزها هدم المنازل ومصادرة الأراضي، فأصبح الفلسطيني لا يملك مأوى للأولاد الذين يريد إنجابهم، مما أدى إلى انخفاض نسبة الزواج وبالتالي انخفاض نسبة الإنجاب. إضافة لسياسة إفقار الفلسطينيين، إذ تشير إحصائيات التأمين الوطني الإسرائيلي أنَّ 50%من العائلات الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر، مما دفع المرأة الفلسطينية إلى الخروج لسوق العمل لمساعدة زوجها الأمر الذي ساهم في انتشار ثقافة تحديد النسل وتقليل الإنجاب لضمان العيش الكريم.

أضف إلى ذلك، ما تقوم به الجمعيات النسوية الممولة من الخارج والتي تدعو إلى تحديد النسل وتكافح الزواج المبكر وتهون من شأن الإنجاب وتحت مسميات زائفة وهجينة على مجتمعنا الفلسطيني! وللأسف الشديد فقد وقع البعض منا في هذا الفخ وهذا ما نلاحظه في أيامنا هذه، إذ أن أغلب الأسر لا تريد الإنجاب أكثر من طفلين تحت ادّعاء الأوضاع الاقتصادية الصعبة تارة أو الكيف لا الكم تارة أخرى، وهذا والله ادّعاء خاطئ، فلو قارنا بين وضعنا مع وضع أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة لوجدنا أنَّ معدلات الخصوبة والإنجاب عندهم ما زالت عالية بالمقارنة معنا، ورغم ذلك فنسبة المتعلمين عندهم أكبر من عندنا ونسبة العنف والجريمة أقل من عندنا وهذه النتيجة تؤكد أن كثرة الإنجاب لا علاقة لها بمستوى التربية والتعليم.

وإلى من يدَّعون أن العدد (الديموغرافيا) ليست مهمة فليسأل لماذا تهتم المؤسسة الإسرائيلية باستقطاب آلاف المهاجرين كل عام بغض النظر عن جنسياتهم وفقرهم وتعليمهم!! أليس لأنها تعي أهمية الديموغرافيا!!

أمَّا نحن فما زلنا مخدوعين بالشعارات البراقة التي تنادي بتحديد النسل تحت حجج واهية أهمها الانفجار السكاني والأزمة الغذائية والأزمة الاقتصادية، وغفلنا عن قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)، ونسينا حديث سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، هذا مطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه فأين أنتم من تلبية هذا المطلب؟! وأنا أتساءل لماذا لا تعقد جمعياتنا المجتمعية والخيرية ندوات ومؤتمرات تبحث في سبب هذا الفشل الديمغرافي الذي حلّ بنا؟ والذي يهدد مستقبلنا!! أما آن الأوان أن نعي ونفهم أن الأرحام باتت سلاحا أيديولوجيا عقائديا لفرض التواجد على أرضنا!! فإن خسرنا الحرب عسكريا، على الأقل لنربحها ديموغرافيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى