أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

شذرات من كتاب “الاستيطان في أحياء القدس” للدكتور أحمد أمارة

ساهر غزاوي

 كتاب الباحث د. أحمد أمارة الذي صدر مؤخرًا عن مدار- المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، بعنوان: (الاستيطان في أحياء القدس: البلدة القديمة وسلوان والشيخ جرّاح)، يُعتبر إضافة نوعية ضمن أطر عدة، وأهمها، بحسب اعتقادي، الإضافة النوعية الثقافية المميزة التي تساهم في إذكاء شعلة الوعي المعرفي لدى الشعب الفلسطيني والشعوب والعربية والإسلامية بقضية القدس والأقصى خاصة، وبقضية فلسطين عامة، هذه القضية التي لا يختلف عليها اثنان أن لها قيمة تاريخية وحضارية ودينية، ومزايا اقتصادية وسياسية وجغرافية، وهذه القضية التي  تعرضت، وما  تزال، إلى مساعِ احتلالية استعمارية لنهبها، أرضًا وشعبًا وتاريخًا وثقافة وسردية، وارتكبت فيها (فلسطين) سلسلة طويلة من الجرائم لطمس هويتها العربية الإسلامية.

بالإضافة إلى أنَّ المؤلف يُقدّم لنا بأسلوبه الممتع والبعيد عن التعقيد، هذه التحفة الثقافية المهمة والقيّمة جدًا في ظل واقع التحديات التي نعيشها اليوم على جميع المستويات والأصعدة، فإن هذا الكتاب يُعيدنا إلى صلب التركيز والاهتمام على كل المستويات حول هذا الصراع الذي طال أمده ولا بدّ أن ينتهي في يوم من الأيام ويعود الحق لأصحابه الأصليين. الكتاب يُسلط الضوء على مساعي الجمعيات الاستيطانية التي تعمل ليلًا ونهارًا على فرض واقع استيطاني جديد له مميزات خاصة في مدينة القدس وضواحيها، خاصة الجارية في سلوان والشيخ جرّاح والبلدة القديمة، والتي تستند إلى مزاعم وحجج دينية وتاريخية وقانونية مختلفة.

صحيح أنَّه كُتبت أبحاث عديدة في دراسة مدينة القدس، تمحورت بغالبيتها على مكانة القدس الدينية والتاريخية بالإضافة إلى مكانتها الدينية السياسية على المستوى الفلسطيني، بَيْدَ أن هذا الكتاب الذي يتكون من خمسة فصول ويقع في 275 صفحة، يعتبر هاما جدًا من ناحية المستوى العلمي الذي يتميز باعتماده على مصادر أرشيفية عثمانية وإسرائيلية وأردنية وغيرها، في الوقت الذي يلتزم فيه بالخط البحثي العلمي الذي يجمع بين المنهج التحليلي النظري وبين المنهج العملي الميداني، فالكتاب يُقدم عملاً معرفيًا مبنيًا بناءً عضويًا لصيقًا بالقضية الهامة التي يدرسها، في حين لا تتوفر على رفّ الدراسات المقدسية والفلسطينية أبحاث وافية ومفصلة عن فترة الحكم الأردني في القدس أو باقي أراضي الضفة الغربية مقارنة بحقب أخرى، وهذا ما يلفت إليه المؤلف في كتابه صفحة (131).

بدأ الدكتور أحمد أماره قبل سنوات بالعمل الميداني على مشروع هذا الكتاب برفقة طاقم محامين وناشطين في القدس مناهضين لسياسات التهجير في أحياء ومناطق القدس وضواحيها، مستعينًا، بمئات الأشخاص وعلى رأسهم سكان القدس، من يقف في الصف الأمامي لمواجهة سياسة التهجير والاستيطان في القلوب (أي قلب الأحياء، وهذا المصطلح “الاستيطان في القلوب” يسهب كثيرًا في شرحه المؤلف صفحة 34).

ما يميز هذا الكتاب-أيضا- أن مؤلفه محام متخصص في المرافعة الدولية، يتمحور بحثه في التقاطع بين القانون والتاريخ والجغرافية مع التركيز على قانون الأراضي العثماني في جنوب فلسطين والقدس، وخاض العديد من المعارك القضائية القانونية، مترافعًا عن أصحاب الحق الأصليين في أحياء القدس التي أصبحت مباحة للفكر الاستعماري ومتاحة له مع مرور الوقت عن طريق تجنيد المال والقانون والدين والقوة، وكل ذلك بنشاط ودعم رسمي واسع ومُعلن، فالجمعيات إلى جانب مصادرتها للحيز الفلسطيني في أحياء القدس بالحجج التاريخية والدينية والمطالبة بأملاك يهودية، فإنها تسعى كذلك للضغط على بعض الفلسطينيين وإغرائهم لتسريب عقاراتهم أو جزء منها في تلك الأحياء لتلكم الجمعيات، ويتم التسريب في أغلب الحالات عن طريق عملاء فلسطينيين أو عرب لضم مناطق أوسع والهيمنة على الحيز الفلسطيني، كما يقول المؤلف في مقدمة الكتاب الذي يستخدم في هذا السياق مصطلح “تهويد الحيّز” الفلسطيني من خلال السيطرة على الأرض والحيز بشكل عام، وهنا ننصح بأهمية الرجوع إلى هذا المصطلح ومعانيه وأبعاده، صفحة (22).

حقيقة إن كتاب (الاستيطان في أحياء القدس: البلدة القديمة وسلوان والشيخ جرّاح) يزخر بالمعلومات التي تعرض هذه الدراسة القيّمة وتحلل الممارسات القانونية والإدارية التي تمكن الجمعيات الاستيطانية المؤسسات الرسمية الإسرائيلية والتشابك في ما بينها من قلوب الأحياء الفلسطينية، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن المؤلف يضع بين أيدي القرّاء والمهتمين في هذا الشأن، معلومات هامة عن تفاصيل وأسماء الجمعيات الاستيطانية والاستيطان في القلوب التي تنشط في مشروع الاستيطان عامة والاستيطان في قلوب الأحياء الفلسطينية في القدس، أمثال: (غوش إيمونيم، فتية التلال، عطيرت كوهانيم، جمعية إلعاد، نحلات شمعون) إلى جانب إسهابه في الحديث عن مجموعات النواة التوراتية وازديادها في السنوات الأخيرة، وهي جمعيات استيطانية تنظم للاستيطان في مناطق مهمشة أو غير محافظة دينيًا بالإضافة للاستيطان في المدن الساحلية (المختلطة) التي تعاني من فصل اجتماعي وسكاني واضح.

يضيق المجال في التوسع والإسهاب حول الكتاب، وقد حاولنا في عجالة جمع بعض الشذرات من هذا الكتاب القيّم (الشذرات جمع شذرة وهي القطعة من الذهب).          في الختام، لا يسعني إلا أن أبارك للصديق العزيز الدكتور أحمد أمارة- محاضر بجامعة نيويورك في تل أبيب وباحث في العيادة القانونية التابعة لجامعة القدس-، هذا الجهد والإنجاز النوعي والانتاج العلمي والمعرفي الراقي والقيّم الذي يُضاف إلى انتاج علمي ومعرفي نشره سابقًا بعنوان “الأراضي المفرغة- جغرافيا قانونية لحقوق البدو في النقب”، بالتعاون مع ألكساندر كيدار وأورن يفتحئيل، وبانتظار إصداره القادم عن التاريخ العثماني لجنوب فلسطين من قبل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كما ويعمل حاليًا على مشروع كتاب عن “قطار الحجاز”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى