أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (139) سقوط النهج من تسليم الهوية إلى التهديد بقطع اللسان

حامد اغبارية

 

انتهت جولة انتخابات الكنيست الصهيوني الحالية إلى ما انتهت إليه، لكن السقوط المتواصل في المنحدر الذي تسير فيه أحزاب الكنيست الناطقة بالعربية لن يتوقف حتى ترتطم رؤوسهم بصخرة الحقيقة أسفل المنحدر، وعندها لات ساعة مندم.

لقد اخترنا على طول الطريق سلامة المنهج،ـ رغم كل ما يعترض هذا الطريق من أذىً وأثمان. اخترناه لأننا نعلم، كما يعلم المكابرون من الذين اختاروا طريق منهج السلامة، أن البدايات تقرر النهايات، وأنه إذا كانت بدايتك على طريق الحق مع قلّة سالكيه، فإن نهايتك إلى خير، رغم الألم ورغم التضحيات والأثمان الكبيرة، التي دُفعت والتي ستُدفع. ولا يضرُّ طالب المعالي سهرُ الليالي ولا عناء الطريق.

أول من أمس ليلا تابعت، كغيري، مهزلة انتخابات الكنيست، ولكنني تابعت النتائج على صفحات الوجوه أكثر مما أهمتني النتائج على الشاشات. وكانت الوجوه تنطق بكل الحقيقة التي حاولوا ويحاولون وسيحاولون إخفاءها عن الناس. وسوف يخرجون على الجمهور بآلاف المبررات والتخريجات التي سيختبؤون خلفها لتبرير السقوط. ليس السقوط في الانتخابات، إذ أن “فوزهم” بالكرسي المنشود من المؤكدات، لكنه السقوط في مستنقع المشروع الصهيوني والغرق فيه حتى الأذنين.

وإن أكثر ما يهمنّي على المستوى الشخصي من بين جميع أحزاب الكنيست الناطقة بالعربية هو القائمة الموحدة تحديدا، والتنظيم الذي تمثله، لخصوصية وضعها من حيث أنها تزعم أنها اختارت هذا الطريق واجترحت هذا النهج باسم المشروع الإسلامي، تتحدث باسمه، وتبرر كل سقطاتها باسمه.

رأيت سقوط النهج ليلة أول من أمس على وجه عضو الكنيست؛ رئيس القائمة الموحدة منصور عباس، رغم أن عيّنات الانتخابات منحت قائمته خمس كراسي في سنهدرين بني إسرائيل. فكيف يمكن ألا يظهر الفرح على الوجوه مع هذه النتيجة؟

واضحٌ أن منصور عباس استوعب أخيرا أن نهجه سقط سقوطًا مدوّيا، لأن النتائج لا تخدم النهج. وقد اعترف بلسانه أن نتنياهو الذي سيشكل الحكومة القادمة- على الأغلب- لن يكون في حاجة إليه ولا إلى قائمته، فماذا سيفعل، وماذا سيقول لجمهوره، وأين سيذهب؟؟؟ ماذا سيفعل بالنهج، وأين سيسوّقه بعد اليوم؟؟!

بل إن منصور عباس قد استوعب مصدوما أن “أيام العز” قد أصبحت من خلفه، وأنها لن تعود بعد اليوم. وربما أدرك أخيرًا أنه إنما يتعامل مع عش دبابير أو عش أفاعٍ، وأن كل التنازلات الخطيرة التي قدّمها حتى يقبلوا به شريكا لم تنفعه بشيء، بل كلّفته وسوف تكلّفه ثمنا باهظًا.

لقد توهمت الحركة الإسلامية (الجنوبية) أنها بهذا النهج الخطير الذي وجّهت بواسطته طعنة دامية في خاصرة المشروع الإسلامي سوف يحقق لها السلامة، وأنها بالأثمان التي قدمتها تحت لافتة القائمة الموحدة، بحجة تحقيق مصالح مجتمع الداخل وتحسين مستوى معيشة الناس وتلك القائمة الطويلة التي صدّعوا بها رؤوس الناس من الإنجازات الوهمية، التي كانت مجرد حبر على ورق، والتي تحدثت عنها أثناء مشاركتها في الائتلاف الحكومي، سيحقق لها طوق النجاة، وسيفتح أمامها أبواب نعيم المؤسسة الإسرائيلية، متوهمةً أن حكومات بني إسرائيل لن تستطيع بعد اليوم التنازل عنها.

ولعله من المفيد، للتاريخ، أن نذكّر بأهمّ المواقف الخطيرة التي صدرت عن الموحدة وقياداتها كي تنال رضا المؤسسة الإسرائيلية ومباركة حاخامات بني إسرائيل، حتى يعلم من يجب أن يعلم أنه من المؤكد أن البدايات تشير إلى النهايات. وهي نهايات أقل ما يمكن أن توصف به أنها كارثية ربما يستحيل النهوض منها ومحو آثارها لسنوات طويلة.

ومن المفيد كذلك التنبيه إلى أن ما صدر عن الموحدة وقياداتها من مواقف وتصريحات له علاقة وثيقة بما كان يدور وراء الكواليس، الكواليس القديمة والجديدة. فالتصريح لا يصدر عبثًا ولا عفو الخاطر، بل هو ثمن يدفعونه مقابل شيءٍ ما. هكذا يجب أن تفهم الأمور. هكذا تُفهم السياسة. لا شيء يأتي من فراغ.

كان هناك من سماها زلات لسان وأخطاء في التعبير، وقال المبرّرون: أنتم لم تفهوا الرّجل، بينما هبّ بعضهم مدافعًا قائلا إن بعض الكلام أخرج عن السّياق.

لكنّ الحقيقة أنه نهجٌ نُسجت تفاصيله عبر سنوات طويلة.

لذلك جاء ذلك التصريح البائس عن العهدة العمرية في محاضرة منصور عباس في المسجد الأقصى الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، والذي وجدناه مسطورا في الميثاق العام للحركة الإسلامية. ما يعني أنها لم تكن سقطة لسان ولا جهلا في التاريخ، بل جزءًا من النهج الجديد. وقد سجّلتُ هذا بالتفصيل في مقال سابق.

ولذلك جاء تصريح تسليم الهويات الذي دعا إليه منصور عباس لمن لا يريد أن يقبل بنهجه ونهج قائمته وتنظيمه. فـ “الدولة دولة اليهود، وُلدت كذلك وستبقى كذلك”!!

ولذلك جاء خطابه المتلفز الشّهير من نسيان 2021 الذي قال فيه: القاسم المشترك بيننا (يقصد بين العرب واليهود) أكبر مما يفرّقنا. أمُدّ يدي من أجل إيجاد فرصة لحياة مشتركة في الأرض المقدسة للديانات الثلاث وللشعبين (ذلك الخطاب أعدّ بالتشاور مع شركاء الائتلاف الذي كان، كلمة كلمة وحرفا حرفا وفاصلة فاصلة).

ولذلك قال في خطاب له في ذكرى الكارثة اليهودية في الكنيست عام 2020: نحن في الحركة الإسلامية قطعنا شوطا كبيرا. حتى ميثاق الحركة أشركنا فيه جهات مسيحية ودرزية، شاركت في النقاش وأثّرت على النص النهائي.

ولذلك قال: “لم أزر مخربين في السجون، ولقائي مع حماس كان ضمن مبادرة الراف ملكيئور (مثله الأعلى كما صرّح هو)، وقد تم بمعرفة من يجب أن يعرف”. والذي يجب أن يعرف معروف، والذي حمل الرسالة كان رسولا لمن “يجب أن يعرف”…

ولذلك رفض في حوار إلكتروني (في شباط 2022) وصْم المؤسسة الإسرائيلية بالفصل العنصري قائلا: “لن أسمي هذا فصلًا عنصريًا. إذا كان هناك تمييز فسنقول إن هناك تميزا في هذا المجال المحدد”.

الآن سنرى- بعد النتائج الأخيرة- إن كان فصلًا عنصريًا أم مجرد تميز فيس مجال محدد…

ولذلك قال: “المسجد الأقصى مكان لصلاة المسلمين والحائط الغربي (كوتل معرافي) مكان لصلاة اليهود. أعتقد أن هذه تسوية مناسبة في هذه المرحلة”.

كل هذا وغيره كان بهدف نيل رضا المؤسسة الإسرائيلية التي أخذت ولم تُعط. أخذت كلّ شيء ولم تعط شيئًا. فبماذا سترجع القائمة الموحدة وتنظيمها إلى جمهورهما؟ كيف سيشرحون بعد اليوم “إنجازات النهج”؟

أعتقد أن المسألة عندهم بلغت حدّها الأخير، كما نطق بها لسان رئيس التنظيم الشيخ صفوت فريج الذي هدد بقطع لسان من يذكر الموحدة بكلمة واحدة!!

وهذا ليس تصريحا عفويا، خاصة وأنه يصدر عن الرجل الأول في التنظيم الذي يُفترض أنه يعقل ما يقول ويزن كلامه قبل أن ينطق به. وطالما أنه قد فعل ونطق فقد عقله ووزنه ثم قاله… وهذا خطير، ويعكس أزمة كبيرة؛ أزمة سقوط النهج.

لقد “اجتهدوا” في تبرير النهج. فهل ينجحون في تبرير سقوطه؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى