أخبار رئيسيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

شبابنا

الشيخ رائد صلاح

 زرت بلدة وادعة جميلة من بلداتنا في الداخل الفلسطيني، وهي بلدة لا يزيد عدد سكانها على الألفين، وكم تفاجأت عندما التقيت بالعشرات من شبابها في هذه الزيارة، فلفت انتباهي أن البعض منهم قد وشم ذراعه بوشم كبير غار في جلده وحمل صورة مبهمة أو أحرفا مبعثرة، فقلت في نفسي: إني أحبكم يا شباب هذه البلدة وأدعو لكم بالخير، ولا شك أن الوشم الذي شوّه ذراع البعض منكم هو أمر محزن، ولكنه لا يدعو إلى اليأس، فلا تزال في داخلكم بذرة الفطرة الصافية، وبذرة الخير والعطاء، ولا يزال فيكم القابلية للتغيير، والانتقال من حال الوشم إلى حال الفهم، ومن حال الغفلة إلى حال اليقظة، ومن حال اللهو إلى حال الجد، فيا ليتكم تستيقظون من سهوكم وتنضمون إلى لجان إفشاء السلام الشبابية بهمة حيّة وعزيمة بناءة.

وذات يوم مررت على مجموعة من شبابنا تربو على العشرة في إحدى بلداتنا في الداخل الفلسطيني، فوجدت أنَّ كل واحد منهم كان يلبس جارزة سوداء، وكأنهم قد اتفقوا سلفا على هذا اللون، لماذا؟! إنها استجابة لضغط سحرة ماركات الملابس الذين لا يزالون يتقنون فنّ إحداث ماركة جديدة خلال كل فصل من فصول السنة، ولا يزالون يتقنون فن استدراج شبابنا إلى هذه الماركات الشاذة في كثير من الأحيان!! وإلا ما معنى أن يرضى بعض شبابنا لأنفسهم أن يلبسوا بنطالا ممزقا يكشف عن معظم فخذ هذا الشاب!! أو أن يلبسوا بنطالا مرقعا انتشرت فيه عشرات الرقع!! أو أن يلبسوا بنطالاً خانقا يكاد أن يعصر فخذي هذا الشاب ويبترهما عن باقي جسده!!

ومع هذا الشذوذ في هذه الماركات الوافدة من وراء البحار، والتي يتم تصميمها بصمت بدافع مكر الليل والنهار، وبهدف سلخ بعض شبابنا عن أنفسهم، وبمكر فتان خدّاع يفجر الشهوات ويميت العقول. مع كل ذلك، وجدت في هؤلاء الشباب الذين مررت عليهم في تلك البلدة أنهم وقعوا في فخ أولئك السّحرة الماكرين، ومع ذلك طرحت السلام على أولئك الشباب وصافحتهم ومازحتهم وطرحت عليهم حزورة خفيفة الروح ثم التقطت معهم أكثر من صورة!! فهم وإن بدا حالهم حالا محزنا ومؤلما، إلا أنه حال لا يدعو إلى اليأس والإحباط والتشاؤم، فهم الشباب الذين لا زلنا نرى فيهم القابلية للتغيير، والانتقال من حال التسيب إلى حال الانتظام والانتصار لجذورنا وهويتنا وثوابتنا، وهم الشباب الذين لا زلنا نرى فيهم أنهم عماد الحاضر وعدة المستقبل.

وذات يوم مررت على مجلس شباب من شبابنا في إحدى بلداتنا في الداخل الفلسطيني، فنظرت إلى رؤوسهم، فوجدت أن كل واحد منهم كأنَّه أقسم الأيمان المغلظة على الحلاق أن يقص له شعر رأسه على أعجب وأغرب هيئة في الدنيا، فكانوا كذلك، لدرجة أنني لما قارنت بين هيئات شعر رؤوسهم لم أستطع أن أجد الفائز فيهم الذي نال الميدالية الذهبية في مسابقة أعجب وأغرب هيئة شعر لرأسه في الأرض، فكان منهم من ترك على رأسه شعرا بمساحة كف اليد الواحدة، أو بمساحة أصابع اليد الواحدة، أو بمساحة أوسع أحاطت رأسه كأنها قبعة ولكن من شعر، أو بمساحة مستطيلة امتدت طولا من مقدم رأسه حتى عنقه من الخلف… الخ.

فنظرت إلى هيئات شعورهم، وكدت أن أضحك قهقهة، فهذا تبدو هيئة شعر رأسه كخارطة أفريقيا، وذاك تبدو هيئة شعر رأسه كغابة استوائية، وذاك تبدو هيئة شعر رأسه كسنابل قمح على البيدر… الخ، ومع أن الحزن اعتصر قلبي، وكاد يفتت كبدي حسرة عليهم إلا أنني تقدمت منهم وطرحت عليهم السلام فصافحتهم وابتسمت لهم ومازحتهم وطرحت عليهم حزورة خفيفة الروح، والتقطت معهم أكثر من صورة مشتركة، فهم شبابنا، وهم رأس مالنا، وهم حراس الأرض والبيت والمقدسات، وهم صلة رحمنا مع القدس والمسجد الأقصى المباركين، وهم أمناء حق العودة، وهم وشيجة التلاحم الحي مع أبعادنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وهم يومنا وغدنا وما بعد غدنا.

وفرحت فرحا عارما ملأ صدري عندما دعيت قبل أسابيع للمشاركة في جلسة عمل لإدارة لجنة إفشاء السلام الشبابية في طمرة، فاكتشفت أن عدد أعضاء تلك الإدارة ثمانية وعشرون عضوا، ثم اكتشفت قبل أيام أن عدد المنتسبين إليها قد بلغ ثمانين عضوا، وفيهم الطبيب والمحامي والمهندس والعامل الاجتماعي والباحث والمعلم والرياضي والفنان والأديب والمرشد السياحي!! وفرحت فرحا أزال عني كل مظاهر الهم عندما دعيت قبل أيام للمشاركة في جلسة عمل لإدارة لجنة إفشاء السلام الشبابية في قلنسوة، فاكتشفت أن عدد أعضاء تلك الإدارة سبعة عشر عضوا، وأن عددا منهم قد غاب لعذر طارئ، ثمَّ علمت فيما بعد أن هذه اللجنة الشبابية لإفشاء السلام في قلنسوة قد باشرت نشاطاتها حيث خرجت إلى الناس بلباس موحد وبكل فخر ومحبة تجولت بين أهل بلدتها توزع عليهم الهدايا الرمزية التي تجدد العهد مع التراحم والتغافر!!

وفرحت فرحا جدَّد لي نبض شبابي رغم أنني دخلت في بدايات مرحلة الشيخوخة عندما دعيت قبل أسابيع للمشاركة في جلسة إدارة لجنة إفشاء السلام الشبابية في أم- الفحم فاكتشفت أن عدد أعضاء تلك الإدارة ستة عشر عضوا، ثم اكتشفت فيما بعد أن عدد الأعضاء المنتسبين إلى تلك اللجنة هو ثلاثمائة وعشرة أعضاء!! وها هي هذه اللجان الشبابية الثلاث في طمرة وقلنسوة وأم- الفحم قد بدأت تتنافس بينها في ميدان العطاء والإبداع وتجديد العهد مع قيم إفشاء السلام!! ثم ازداد فرحي عندما بت أنتظر في كل لحظة دعوتي للإعلان عن إقامة لجنة إفشاء السلام الشبابية في باقة- الغربية وعين- ماهل وأبو سنان وعارة- عرعرة!! ثم ستمتد هذه اللجان حتى نقيم لجنة إفشاء سلام شبابية في كل بلدة من بلداتنا على صعيد الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية، ثم سنقيم إدارة عامة قطرية لكل لجان إفشاء السلام الشبابية هذه، ثم سنبادر إلى عقد مؤتمر شبابي سنوي لكل لجان إفشاء السلام الشبابية في كل الداخل الفلسطيني!! ثم فرحت فرحا كبيرا خلال كتابتي لهذه المقالة عندما دعيت للإعلان عن لجنة إفشاء سلام للفتيات في مدينة أم- الفحم بعد عصر يوم الأحد القريب القادم علينا، وصدق من قال: الحركة بركة، وبداية الألف ميل ميل واحد، ومن سار على الدرب وصل، فكيف إذا كان السائر على الدرب هم شبابنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى