أخبار رئيسيةمقالاتومضات

الأحـــزاب العـــربيـــة، انتـــخابات الكنيـــست.. والإنســـان المقهور

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

في هذه المقالة أتناول البعد الأخلاقي-العملياتي في السياسات المعلن عنها للأحزاب العربية وحقيقة عملها على تطبيقها، من دون انتقاص من قدر وقيمة أية جهة سياسية ودون نقاش لفكرها وأيديولوجياتها، خاصة وأن هناك من يزعم انه أكثر ديموقراطية من غيره ومواجهة للأبروتهايد بنسخته الإسرائيلية، معتبرًا أنَّ الملاذ لساكنة الأرض المقدسة يكمن في مشروع الدولة الديموقراطية الواحدة.

الأحزاب الثلاثة تزعم حرصها على الإنسان العربي في الداخل الفلسطيني، وشعارها الدعائي والعملي سواء من خلال الكنيست ومحاولات التشريع لصالح الإنسان المقهور أو من خلال التأثير داخل المؤسسة الحاكمة.

عندما نقوم بجرد محاولات هذه الأحزاب تحقيق ما ذهبت إليه، سنجد أنَّ هذه الأحزاب فعلًا حاولت وسعت مجتهدة التغيير لتحقيق ما هو أفضل للإنسان المقهور في الداخل الفلسطيني، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، لأسباب سياسية داخل المعبد تفضي إلى جعل المقترحات التشريعية في الأدراج أو معلقة داخل لجنة الكنيست واللجان التشريعية، وإذا ما تمَّت فستجد أنَّ الحكومة والمؤسسات المختلفة تتباطأ أو تتواطأ في تنفيذ تلكم المشاريع، بل وفي أحايين كثيرة إحالتها إلى مستوى أمني- سياسي، كما حدث مع مواجهة العنف، حيث تمَّ تفريغ الميزانيات لبناء أكبر عدد ممكن من مراكز الشرطة في مدننا ونجوعنا أو تأسيس فيالق عسكرية-شرطية أو توجيهها نحو تمكين جهاز الأمن العام، ولم تعد على الإنسان المقهور بشيء، بل ارتفعت وتيرة العنف وأنواعه.

وإذا ما ذهبنا إلى البعد المدني، ممثلًا على سبيل المثال لا الحصر في توسيع رقعة مساحات النفوذ للبلدان العربية، فحدّث ولا حرج، فعشرات المخططات عالقة منذ سنوات في أضابير الداخلية الإسرائيلية، وإذا ما أُقرّت سياسات التوسيع والبناء فالشرط الأساس، البناء العمودي وفقط البناء العمودي الذي يتماشى مع سياسات السيطرة على الأرض/المكان عبر تقليص أكبر قدر ممكن من التمدد الفلسطيني، أرضًا أي مكانًا وزمانًا.

أخلاقيًا، من المفترض أن تقوم هذه الأحزاب بعد كل محاولاتها الصادقة على مر انتخابات الكنيست ووجودها داخل هذا المعبد، أن تقوم وتعلن بصراحة وشفافية عن محاولاتها وإلى أين وصلت ولماذا وصلت إلى ما وصلت إليه. لكن، ولأننا نعلم أنَّ هذه الأحزاب لن تقوم بمثل هذا العمل الصريح الذي سيدفع كوادرها والعقلاء والمخلصين فيها للبحث بشكل جدي عن وسائل “ديموقراطية” لتحقيق مصالح الإنسان المقهور، فإنَّ الزُمر المتنفذة لن تسمح بمثل هذه الخطوة لأسباب عديدة، منها الشخصي، ومنها المحلي المرتبط بالمؤسسة الحاكمة ولعبة السياسة ضمن سقوف “المعبد” ومنها الإقليمي المرتبط بدوائر عربية وفلسطينية وحتى أجنبية (لاحظ اهتمام الشاباك وتخوفه من التأثير الإقليمي والدولي على الانتخابات)، ما يعني أننا أمام مجموعة من السياسيين الذين تتوسع حساباتهم من الذات المتعلقة بالمصالح الشخصية والحزبية وتنتهي بالأجنبية، وقد شاهدنا دعوات أعضاء كنيست عرب للكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي، هذا فضلًا عن التواصل مع أنظمة عربية وإسلامية، وكل ذلك طبعًا يتم بالاتفاق والتنسيق مع جهاز الأمن العام. وقد حدثتني شخصية “فكرية-بحثية” عن تواصلها مع قيادات عربية كنيستية وقد تم دعوتها للمشاركة في ندوات سياسية وأخبروه أنَّ هواتفهم النقالة مفتوحة دائمًا سواء في الجلسات الخاصة أو في المحاضرات والندوات والحلقات، ليظل جهاز الأمن العام الإسرائيلي على اطلاع عمَّا يدور، وأنهم يقدمون تقريرًا بذلك أي إنهم يعيشون حالة من الضبط الذاتي والرقابة الذاتية مرتين.

 

السقوط الأخلاقي واستهبال عقل الإنسان المقهور..

بناءً على ما سبق ذكره، فنحن أمام مجموعة من السياسيين الذين يعتقدون أنهم أكثر ذكاءً من الإنسان المقهور، وهم أدرى بمصلحته ذلكم أن إصرارهم على المضي في المشاركة في انتخابات الكنيست مع علمهم المسبق بمحدودية الدور والتأثير، لا يخضع لمعيار عقلاني- سياسي، بل يخضع لمنظومة من المصالح والتقاطع المصلحي مع دوائر كثيرة تبدأ من “الذات” وتنتهي كما ذكرت بدوائر عالمية. ولعلنا هنا نتطرق إلى ما تمَّ نشره يوم الاثنين الفائت، في عديد من وسائل الإعلام العبرية ولم يتم مناقشته والتطرق إليه في الإعلام العربي، بل وتمَّ السكوت عنه في الإعلام العبري-على حد علمي- المتعلق بالنائب عن الجبهة- الحزب الشيوعي المحامي أيمن عودة، والمتعلق بنقض سلطة رام الله اتفاقًا اعلاميًا مع المخرج النصراوي نزار يونس لصالح عائلة أيمن عودة، ضاربًا هذا النائب وسلطة رام الله بعرض الحائط الأموال الهائلة التي تمًّ استثمارها في هذه الشركة. ومجرد الوقوف على هذه الحقيقة تكشف مدى الانهيار الأخلاقي العملياتي لدى أمثال هؤلاء النواب المُؤثرين لمصالحهم الشخصية-العائلية المتخلقة أصلًا بفعل عضويته للكنيست بفضل الآلاف من الذين صوتوا لقائمته، وليس بالضرورة مقتنعين به، ما يعني أننا أمام موديل لا أخلاقي ونفعي لا يمكنك عمليًا أن تثق به في أنَّه يستطيع حمل الأمانة: أمانة الدفاع وحماية الإنسان المقهور.

دائمًا ثمة محدودية لاستهبال الإنسان المقهور الذي عادة ما يكون غارقًا في مشاكله اليومية، ابتداءً من تحصيل لقمة العيش له ولعائلته، ومرورًا بضمان مستقبل له ولأبنائه، وانتهاء بمشاركته هموم إخوانه المقهورين. وقد كشفت الدراسات ذات الصلة بالنظم الديموقراطية والليبرالية على اختلاف مدارسها خاصة المتوحشة التي فككت الإنسان وأحالته إلى حالة مترذلة (من رذيلة) من التفاهة والخواء الروحي واداة استهلاك لا تتوقف من أجل سحب أموال هذا المقهور التي يتحصل عليها واعادتها مجددًا إلى “الاقطاعي”، كشفت الدراسات أنَّ هذه المنظومة تعمل ضمن دوائر الوكلاء تمامًا كما تفعل الشركات في ترويج وبيع بضاعتها. وهذه الأحزاب والحركات التي تنادي بالليبرالية وحرية الإنسان عادة ما تكون أداة من أدوات المنظومة القاهرة والمستبدة والمُستعبدة للإنسان المقهور.

ملاحظة..

نحن في هذه المقالة نقصد بالإنسان المقهور في سياقاتنا المخصوصة بالمقالة، الداخل الفلسطيني بأغلبيته المسلمة الساحقة، برسم أنها الأكثر تضررًا من السياسات الإسرائيلية، وطبعًا لا نستثني الآخرين من الطوائف الأخرى، وإذ استعمل مصطلح الإنسان المقهور فإنما استمده من منظومة الفكر الإسلامي الذي اعتقده واعتنقه، يقابله في المنظور العلماني ما أبدعه الفيلسوف الإيطالي جورجو اغامبيين في كتابه الفذ “الإنسان المستباح”، حيث تتم استباحته وقهره من خلال معايير أخلاقية عملياتية معتمدة القانون، بمعنى قوننة القهر والاستباحة، وأدوات أخرى عملياتية تباشر القهر من مثل السياسيين ورجال الدين ورجال الأعمال وكلهم في خدمة السيد والمعبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى