أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

أفراحنا بين لحن الماضي وصخب الحاضر

ليلى غليون

 

مظاهر تبخرت مع الزمن

  لم تستطع عادات الزواج مثلها مثل الكثير من العادات، الصمود أمام المتغيرات الحديثة التي طالت كل شيء من جوانب حياتنا وتراثنا وتقاليدنا، فقد طرأت عليها تغييرات جمة لتصبح على ما أصبحت عليه الآن، فتطورات العصر نزعت الملامح الأصيلة لأفراحنا، والنتيجة هذا التحول الرهيب في صورة الأعراس بين ما كانت عليه أيام زمان وما هي عليه في هذه الأيام، فمع مستجدات الأفراح تلاشى عبق التراث حيث العرس أيام زمان كان له طعم ونكهة مميزة معجونة برائحة التراث والأصالة رغم بساطته وبساطة مظاهره، وهذا بشهادة الكثير ممن عاصروا الماضي وتذوقوا حلاوة تراثه .

فمعظم المظاهر الجميلة والأصيلة تبخرت مع الزمن واختفت أو تكاد تختفي حيث أعراس زمان كان يغمرها البساطة والأصالة والبركة، تكاليفها بسيطة كبساطتها، ومظاهرها متواضعة كتواضعها، ومع ذلك فقد كانت تنثر الفرح والسعادة على قلوب الجميع من العريس والعروس، إلى الأهل والأقارب إلى أهل الحي أو القرية. الجميع يلبون الدعوة بصدر رحب بلا تردد، بلا تأفف، بلا هم ضريبة النقوط. نعم فرح يعم الجميع يقام في مكان واسع في الحي أو القرية أو بالقرب من منزل أهل العريس إن أمكن ذلك، بعكس أفراح اليوم والتي رغم بذخها وتفاخرها وتكلفها والمبالغة في مظاهرها، إلا أنها تفتقر إلى النكهة الأصيلة والفرحة الحقيقية التي كانت رائحتها تعبق من أعراس الماضي.

 

لا مظاهر.. لا ترف.. لا مباهاة.. لا تبذير

 فلا قاعات تستولي على جيب العريس وتحرق ما فيها، ولا كروت فرح مزركشة باهظة الثمن تزيد من الإرهاق المادي للعريس والتي سيكون مصيرها سلة المهملات، ولا تبذير وبذخ وشراء كل ما لذ وطاب من طعام وحلويات وفواكه وأصناف الكعك ليقال: (والله أبو فلان عمل عرس ما حدا عمل زيو ) ولا موسيقى صاخبة تمزق سكون الليل حتى ساعات متأخرة منه، ولا مفرقعات تقلق الراحة العامة والخاصة وتحرق الأموال الطائلة، ولا فستان عروس بتكلفة تزيد عن الراتب الشهري للعريس، ولا “نوف” للعروسين مع تصوير أمام الجميع بأوضاع يعلمها الله ولا وما يحزنون، ولا جهاز عروس يستنجد والد العروس بالبنك وبالمشكنتا لتحصيله ليعيش باقي عمره تحت وطأة الديون، بل عرس معجون بنكهة البساطة وهداة البال.

هكذا أعراسنا اليوم تحييها الموسيقى والأغاني إلا ما رحم ربي سواء في سهرة العريس أو سهرة العروس، وأخص بالذكر سهرة العروس والتي ما أن تبدأ فيها أول نغمة موسيقية حتى تتحول القاعة إلى صالة للرقص سواء من قبل العروس أو المدعوات اللواتي لا يسترحن حتى آخر نغمة، فالعروس تقضي جل ساعات سهرتها ترقص مع صاحباتها وقريباتها لا تستريح أبدا لا بل هناك من اقتنت بدلة للرقص الشرقي وارتدتها ليلة سهرتها حتى أن الجميع حسبها راقصة وليست هي العروس، والأمر ليس قاصرًا على الفتيات فقط بل الكبيرات في السن أيضا، اللواتي منهن من تحاكي الصغيرات في رقصهن ولباسهن وبالمساحيق على وجوههن، بينما في الماضي كانت العروس تجلس على كرسي وضع على طاولة كأنها ملكة لا تتزحزح من مكانها تغمرها الهيبة والوقار والنساء حولها يغنين لها الأغاني الشعبية حيث كانت إحدى النساء تغني والأخريات يسحجن ويرددن وراءها الأغاني برفقة الأداة الوحيدة وهي الطبلة.

 

العروس تزف على ظهر الحصان

 كانت العروس أيام زمان تزف من بيت أهلها إلى بيت زوجها سيرًا على الأقدام إذا كان بيت أهلها قريبًا من بيت أهل زوجها، أما إذا كان بعيدًا فكانت تزف على الحصان أو الجمل. أما اليوم فتزف العروس بسيارة مزخرفة بالورود وكل أشكال الزينة بتكلفة كبيرة يرافقها طابور من السيارات تسير أمامها وخلفها مطلقة جميعها الزامور الذي يذهب بالأسماع ويقض المضاجع ويقلق حتى الجماد، لا بل هناك من أحضر العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها بالمروحية كما حدث في بعض البلدان!!

بساطة …ولكن هداة بال

العروس أيام زمان في الغالب، كانت تسكن مع أهل زوجها في بيت صغير متواضع تقاسمهم فيه العيش بحلوه ومره، وليس لها من الخصوصيات سوى غرفة نومها المتواضعة والتي لا تحوي سوى بعض الجهاز البسيط الذي كانت تجهزه لها أمها والذي يحوي بعض الفراش وبعض الحاجيات المنزلية البسيطة، وصندوقًا خشبيًا أو حديديًا تضع فيه ملابسها وملابس زوجها، ورغم أن الحماة كانت هي الآمرة والناهية في البيت وتتحكم في كل شيء، إلا أن التوفيق كان يسود الحياة العائلية، والكنة راضية وقانعة بهذه الظروف لا تتذمر ولا تشتكي، وإن حدث وذهبت لبيت والدها واشتكت من سوء معاملة زوجها أو حماتها، فإن أباها كان ينتهرها ويوبخها ويطلب منها العودة لبيت زوجها، بل في بعض الأحيان يرجعها بنفسه لبيتها طالبًا منها التمسك ببيتها وأسرتها وأن تصبر على معاملة زوجها أو أهله لأنهم هم أهلها الحقيقيون قائلا لها: “أهلك اللي شروك مش أهلك اللي باعوك”.

أمَّا اليوم فمعظم الفتيات يشترطن بيوتًا مستقلة عن أهل الزوج، عفوًا أقصد فيلات مليئة بالغرف، مبنية على أحدث طراز مع جهاز تحضره العروس لا تبقي ولا تذر من الأثاث وأدوات الكهرباء والسجاد والأدوات المنزلية التي لا تعد ولا تحصى وغيرها الكثير، غرفة للنوم غرفة للبنات غرفة للأولاد غرفة للضيوف وأخرى للضيفات ومصيف للعب الأبناء، مطبخ عملي (للاستعمال) ومطبخ فاخر للفرجة والقائمة طويلة.. لا تسمح لأحد أن يتدخل في حياتها حتى لو كان من باب النصيحة تضع الحدود بينها وبين أهل زوجها خصوصًا حماتها من أول يوم، وإذا حدثت مشاكل بينها وبين زوجها – وهذا طبيعي- تكون وجهتها الأولى هي وأهلها المحاكم الشرعية وأحيانا المدنية، بالرغم من أن زواجها لم يمض عليه سوى بضعة شهور.

فستان الفرح

كانت العروس في الماضي تخيط فستان فرحها عند إحدى الخياطات الماهرات كذلك الأمر كانت تخيط كل ملابسها أو ما كان يسمى (بالكسوة) والتي كانت من عدة أنواع من الأقمشة في ذاك الوقت مثل قماش: رمش العين، التفتة المخمل وغيرها. أمَّا في زماننا هذا ففساتين الأفراح معظمها مستوردة من باريس أو تركيا بتصميمات عارية بعيدة كل البعد عن عاداتنا وأصالتنا، ويتم استئجارها من محلات بيع الألبسة بأسعار خيالية تحرق ما تبقى من مال في جيب العريس أو أهله، بل أصبح التباهي بأثمان الفساتين باهظة الثمن هو السائد حيث أن أغلب العرائس يرفضن ارتداء فستان ثمنه زهيد، وإن اضطرت إحداهن لارتداء فستان ثمنه زهيد ففي بعض الحالات تدعي أمام صديقاتها بأن سعره مبلغ وقدره حتى لا تصاب بالحرج!

وللمفارقة، إحدى الفتيات ذهبت مع خطيبها وأخته لاختيار فستان فرحها من أحد المحلات، وقد أعجبها أحد الفساتين، وعندما دخلت لتقيسه في المكان المخصص لذلك، سألت أخت العريس صاحبة المحل عن ثمن استئجار هذا الفستان، لتخبرها الأخيرة بأن استئجاره يكلف 2000 شاقل (وهذا المبلغ يعتبر زهيدًا للفساتين باهظة الثمن) فما كان من هذه الأخت إلا أن همست في أذن صاحبة المحل أن لا تخبر خطيبة أخيها بالثمن الأصلي بل تقول لها إن ثمنه 5000 آلاف شاقل حتى لا تغير رأيها!!! لا تعليق.

وعن الطعام لتحدث شهرزاد ولا تسكت

الطعام في الماضي كان المنسف، أما اليوم فحدث ولا حرج، العين تحتار على ماذا تنظر لكثرة أصنافه وتشكيلاته، المناسف، اللحوم على أنواعها وبطرق طبخها المختلفة، وفي بعض الأعراس يضاف السمك إلى تشكيلة اللحوم لأن هناك من لا يأكل اللحوم ويفضل السمك، المقبلات، المخللات، السلطات كل هذا وغيره تمتلئ بها موائد العرس، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التحلاية من كنافة وبقلاوة وفيصلية ووو… وبعدها الفواكه والتي تصف بأشكال هندسية خلابة، ثم تنظر عن يمينك وإذا بزاوية امتلأت بأنواع الكعك من الصنع اليدوي من قبل قريبات أو صاحبات أو جارات لأم العريس ثم تنظر عن شمالك وإذا بتشكيلة هائلة من المكسرات لتحتار ماذا تختار.

 

 

وبعد:

هي ليست دعوة للعودة لذاك الزمان للإبحار في سفنه وأشرعته، ولا دعوة للتسربل في جلباب الماضي، فلكل زمان ما يناسبه، وعجلة العصرنة والتطور تجري بسرعة رهيبة ولن تتوقف، ومن البديهي أن تحدث تغييرات جمة في المجتمعات في كل شيء ومن ضمنها الأعراس سلبية كانت أو إيجابية. نعم ليس القصد العودة لعادات وتقاليد الماضي، بقدر ما أنها نسمات الحنين والأمل بواقع أفضل معظمنا يتألم من لسعاته، واقع نستشعر فيه بعض الأصالة والبساطة في مناسباتنا، فلا نكلف أنفسنا فوق ما تطيق- وهذا حاصل- لأجل عيون المظاهر والشكليات والوجاهة الاجتماعية الجوفاء، فالعرس يوم ويمضي وتبقى القيم والأصالة كالذهب الخالص لا يشوبه شيء. هذا لو أردنا نحن ذلك.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى