أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

المناسبات الوطنية: هل أسقطتها الأحزاب من أولوياتها؟!

ساهر غزاوي

 

مقارنة مع سنوات سابقة، يمكننا القول إن المشاركة في فعاليات إحياء الذكرى الـ 22 لهبة القدس والأقصى والتي اختتمت بمسيرة مركزية ومهرجان خطابي في مدينة عرابة، تعدت وصف (المشاركة الهزيلة) بدرجات قليلة، لكن تبقى هذه المشاركة الجماهيرية متواضعة جدًا ولا تصل إلى المستوى المطلوب قياسًا مع تطلعات مجموعة الوطن الأصلانية التي تعيش في وطنها وعلى أرضها والتي تؤمن بضرورة حمل الهمّ الجماعي الخلاصي من المشروع الاستعماري الإحلالي ومن اسقاطاته الرامية إلى سلخ هذه المجموعة الأصلانية من هويتها الدينية والوطنية وصهرها في بوتقة مشاريع الأسرلة. كما أن هذه المشاركة المتواضعة غير مُرضية أيضًا لكل من لديه حرقة على القضايا الوطنية ويطمح للمزيد من المشاركة الجماهيرية في الفعاليات الوحدوية التي تخدم هذه القضايا من جهة، ومن جهة ثانية يسعى من أجل إحياء المناسبات لترسيخ الذاكرة الجماعية وبلورة الهوية الوطنية وتعميق الوعي لدى أبناء شعبنا.

السؤال عن مسؤولية هذه الأحزاب وعن دورها في الحشد الجماهيري لإنجاح مثل هذه الفعاليات مهم جدًا، على اعتبار أن هذه الأحزاب من مركبات لجنة المتابعة العليا الفاعلة (رغم تعثراتها الكثيرة) في نصرة القضايا الجماعية والمصيرية، (رفع الوعي الوطني مثلًا)، لكن السؤال الأهم: هل إحياء هذه المناسبات التي تعمل على ترسيخ الذاكرة الجماعية وبلورة الهوية الوطنية وتعميق الوعي لدى أبناء شعبنا هي على جدول أعمال هذه الأحزاب وعلى سلم أولوياتها وعلى رأس أجنداتها؟؟ وبعبارة أخرى: هل هذه المناسبات تعني شيئًا مهمًا لهذه الأحزاب؟

للإجابة على السؤال الأهم، لا بدّ من الإشارة إلى أنه من نافلة القول إننا نعيش في مرحلة دخلت فيها الأحزاب في مرحلة سبات سياسي تحركها القضايا المدنية أكثر من القضايا الوطنية وتغلب الهوية الجزئية على الهوية الجامعة وخاصة الأحزاب التي تشارك في لعبة الكنيست الإسرائيلي والتي بات سقف عملها ومطالبها محدودًا، وحقيقة فإنه قد جرى تحييد القضايا السياسية الوطنية عن جدول أعمال العمل “البرلماني” للأحزاب وأعضاء الكنيست العرب على حساب الانشغال بالقضايا المطلبية.

هذا التحول ليس وليد لحظة لكنه بلغ مرحلة الذروة في عام 2015، في تلك المرحلة الفارقة التي جرى فيها حدثان مهمان في مسيرة شعبنا الفلسطيني في الداخل، الأول المتمثل بحظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي والذي يُعتبر ضربة في صميم مجمل العمل السياسي والحزبي للفلسطينيين في الداخل الذي تشكل هذه الحركة أحد أركانه الأساسية، والثاني متمثل بتشكيل القائمة المشتركة التي لم تكن نتاج مشروع سياسي جماعي عُبّر عنه في تشكيل قائمة وحدوية، بل كانت نتاج ظروف طارئة أهمها رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست، حيث أن القائمة المشتركة قد خصصت منذ تشكيلها عام 2015 جلّ وقتها للقضايا الحياتية المطلبية للمجتمع العربي.

بناء على ما تقدم، فإن الناظر والمتابع لانشغالات هذه الأحزاب ولاهتماماتها لا يرى إلا جهودًا جبارة تُصب فقط في الوصول إلى ملعب الكنيست الإسرائيلي، ولا يرى أيضًا إلا حراكات انتخابية نشطة تدور رحاها حول التنافس على أمور مطلبية خدماتية، تحت اسم “العمل السياسي”، بينما تغيب عنها وعن اهتماماتها وعن أجنداتها إحياء المناسبات التي تعكس الحفاظ على الهوية الدينية والوطنية، وتعكس تعزيز الشعور الوطني وتعميق الانتماء والتمسك بالثوابت بأبعادها الإسلامية العروبية الفلسطينية. ففي السنوات الأخيرة، – باستثناء حزب الوفاء والإصلاح الذي يحرص على إحياء جميع المناسبات الوطنية التي تعمل على ترسيخ الذاكرة الجماعية وبلورة الهوية الوطنية وتعميق الوعي لدى أبناء شعبنا-، وباستثناء بيانات حزبية “يتيمة” وهي قليلة جدًا، فإن هذه المناسبات قد غابت عن الأحزاب، بل إنها سقطت من قائمة أولوياتهم ومن على رأس أجنداتهم الحزبية.

عمليًا، فإنه في الوقت الذي أسقطت فيه هذه الأحزاب إحياء المناسبات الوطنية من جدول أعمالها ومن رأس أجنداتها الحزبية، حتى أنها لا تدعو أنصارها إلى المشاركة في مثل هذه المناسبات أيضًا، فإنها بذلك، بوعي أو بغير وعي، ومن خلال اجتهادات أو أجندات، تدعو مجتمعنا للانسلاخ عن قضاياه الجماعية والمصيرية وتعمل على ترسيخ سياسة مسخ ومحو الذاكرة الجماعية وكيّ الوعي لدى أبناء شعبنا عبر مُغريات مشاريع الأسرلة والتدجين!! لكن يقينًا لن يتحقق لهم ذلك وما هذه الحالة التي تشهدها تلك الأحزاب إلا ظاهرة عابرة وشاذّة عن القاعدة سرعان ما تُبدد الأحداث أوهامها كما بدّدتها في “هبة الكرامة” في أيار/مايو 2021 وبدّدتها في “هبة القدس والأقصى في تشرين أول/أكتوبر 2000.

أمام هذه الحالة التي تشهدها الأحزاب التي أسقطت من رأس أجندتها ركيزة مهمة من العمل السياسي المتمثلة في إحياء المناسبات الوطنية الي تعمل على ترسيخ الذاكرة الجماعية وبلورة الهوية الوطنية وتعميق الوعي لدى أبناء شعبنا، فإن المسؤولية تقع على لجنة المتابعة كجسم وحدوي قادر على بلورة مشروع سياسي جماعي، ولكن بالرغم مـن ازديـاد النقـاش بشـأن إعادة بنـاء لجنـة المتابعة في السنوات الأخيرة الذي من شأنه أن يعـزّز مـن مكانـة اللجنـة وموقعها بين الجماهير العربية في الداخل، إلا أن مكانتها قد تراجعت، وتراجعت قدرتها على تنظيم العمل الجماعي بين مركباتها التي معظمها لا تولي أي اهتمام لإنجاح عمل المتابعة، بل إن تعاملها وتفاعلها مع “المتابعة” يقتصر على اسقاط الواجب لا أكثر، ويبقى السؤال: إلى متى؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى