أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (135) النهج الذي تدعمه الصهيونية وتنظَّم له مؤتمرات “أكاديمية”!

حامد اغبارية

في عام 2020، وقف الدكتور منصور عباس في الكنيست وألقى كلمة لمناسبة ذكرى “كارثة الشعب اليهودي على يد النازية”. ومن جملة ما قاله (وقد قال أشياء كثيرة): “نحن في الحركة الإسلامية قطعنا شوطا كبيرا. حتى ميثاق الحركة أشركنا فيه جهات مسيحية ودرزية، شاركت في النقاش وأثرت على النص النهائي”.

فهو إذًا ليس ميثاقًا يعكس موقف الحركة، كتنظيم إسلامي، من مختلف القضايا، وإنما هو ميثاق شاركت فيه جهات مسيحيّة ودرزية، حتى أن هذه الجهات كان لها تأثير ودور في صياغة النّص النهائي. وهذا يعني أنه ميثاق مشترك لجهات ثلاث يُفترض أن كل جهة منها لها مفاهيمها وعقيدتها ومواقفها السياسية التي يمكن أن تكون متناقضة بقوة. فكيف التقت هذه الإرادة من هذه الجهات لصياغة ميثاق يسمّونه ميثاق الحركة الإسلامية (الجنوبية)؟

كان يمكن أن نفهم، وربما نتفهّم، أن يحدث هذا من خلال الذراع السياسية (القائمة الموحدة)، فإشراك توجهات أخرى في صياغة برنامج سياسي محض ربما لا تجد فيه مشكلة كبيرة. أما أن يكون ميثاقا لتيار إسلامي يشارك في صياغته غير إسلاميين، وغير مسلمين، فهذا يطرح علامات سؤال كبيرة، ويقودك إلى مدخل لفهم حقيقة النهج الذي يسيرون فيه.

ومن الأسئلة التي لا يمكن القفز عنها بسهولة: هل هناك جهات صهيونية لها علاقة بهذا النهج؟

هذا سؤال حقيقي وليس مناكفة، وعليه الكثير من القرائن التي ترقى أحيانا إلى مرتبة الدليل القاطع. ويكفي مثلا أن تراجع تصريحات الراف دروكمان، الأب الروحي للحركة الاستيطانية الصهيونية حول يهودية الدولة والحق التاريخي لليهود في فلسطين. وهناك قائمة طويلة من التصريحات المتبادلة التي تشير إلى وجود تنسيق ما وتفاهمات ما حول جملة من المواقف والنقاط الحساسة التي كان على أصحاب هذا النهج أن يعلنوها أمام الجمهور!!

ولكن ليس هذا فقط هو الذي يمثل العلامة الفارقة في المسألة. فقد تطرقنا إلى هذا أكثر من مرة. ولكن هناك أمور أخرى تزيد المسألة وضوحا فوق وضوح.

في 20//3/2022 عُقد في جامعة حيفا “مؤتمر حيفا للسياسة في المجتمع العربي في إسرائيل” بتنظيم من إدارة الجامعة، وما يسمى “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، شارك فيه عضو الكنيست منصور عباس.

وقد بدا واضحا منذ بداية المؤتمر (وهو الأول من نوعه) أنه لم يعقد في الحقيقة من أجل المجتمع العربي، وإنما لاحتضان نهج منصور عباس وقائمته الموحدة والتنظيم الداعم لهما، والترويج لهذا النهج وإظهاره على أنه أفضل ما يمكن أن يتحقق لمجتمع الداخل الفلسطيني.

ولعلّه من المهم أن أشير إلى أن الشخصيّة الأبرز التي وقفت خلف هذا المؤتمر هو دوف فايسغلاس؛ رئيس مجلس إدارة جامعة حيفا، والذي كان اليد اليمنى لأريئيل شارون، وأكثر الشخصيات التي حملت الكثير من الرسائل (السرية وغير السرية) لأنظمة عربية وللسلطة الفلسطينية أيام حكومة شارون. وهذا- بالنسبة لي على الأقل- يعني الكثير.

المتحدثون في المؤتمر، ومن بينهم فايسغلاس نفسه، ومعه يوحنان بلاستر، رئيس معهد الديمقراطية، أثنوا على نهج عباس وعلى “شجاعته والتغيير المهم الذي أحدثه في السياسة…. في الوقت الذي لم يكن لسائر أعضاء الكنيست العرب الآخرين سوى تقديم الاستجوابات والمشاركة في اللجان وعرض المطالب والمشاركة في التصويت”. وكان من أهم ما قالوه، الثناء على تصريح منصور عباس حول يهودية الدولة الذي اعتبروه تصريحا مهما “يفتح الباب لكل الأشياء التي يجب عملها من ميزانيات ومساواة”.

وليس هذا هو أهم ما جاء في ذلك “المؤتمر”. فقد ألقى عضو الكنيست عباس الكلمة الرئيسية والتي ألقت المزيد من الضوء على النهج.

وقد ذكر عضو الكنيست عباس أنه كان قد التقى دوف فايسغلاس قبل أشهر من المؤتمر، بدعوة منه في جامعة حيفا، وأنه منذ ذلك الوقت على تواصل معه. وهذا مهم. مهم جدا.

فـ “فايسغلاس” رجل سياسة أكثر مليون مرة من كونه “أكاديميا”. بل أعتقد أنه لا علاقة له بالأكاديميا، وأن وظيفة رئيس مجلس إدارة الجامعة إنما هي مكافأة على خدماته لدولته. ولذلك فإن حديث الرجلين – كما يمكنك أن تتوقع- سياسي وليس أكاديميا، ومن ثماره عقد ذلك المؤتمر، والأهم مضامين المؤتمر والهدف الحقيقي من ورائه.

غير أن من أهم ما قاله عضو الكنيست عباس في كلمته أنه كان محتارا إذا ما كانت القرارات التي يتخذونها (في حزبه وحركته) هي قرارات صحيحة؟ وهل المضامين التي تحملها سياسته الجديدة، و”التي نحاول تنفيذها، هي في الاتجاه الصحيح، وهل هذه المضامين ستحقق احتياجات المجتمع العربي”!

معنى هذا الكلام أن عضو الكنيست عباس يعترف بملء فيه أنه ليس واثقا من خطواته. وهذا بعكس ما قاله طوال الوقت من أنه واثق أن هذه السياسة وهذا النهج هما الأمثل والأفضل وأنهما السبيل إلى “الخلاص الأبدي” من عذابات سياسات السلطة تجاه مجتمع الداخل! وأن على الناس الصّبر (أو الجلوس على ألواح الصبر). وذكر أنه من أجل ذلك تحدث مع مجموعة الخبراء في “بنك إسرائيل” ومع آخرين، مضيفا أنه “من اللحظة التي قررنا فيها طرح القرارات التي نريد، كان يراودنا السؤال: هل نحن في الطريق الصحيح؟ وعندها طرح السؤال: ما هو دور الأكاديميا ودور جامعة حيفا؟ وما الذي يمكنهم أن يساعدونا فيه لكي نصوّب سياستنا…؟ ومن هنا جاءت فكرة هذا المؤتمر!!

ويكأن حل مشاكل مجتمع الداخل الفلسطيني تكمن في عقد المؤتمرات “الأكاديمية” التي حتى لو كانت أكاديمية حقيقية (وليست ترويجا لنهج معين واحتضانا له) فإن دورها ينتهي عند طرح الأرقام والمعطيات والاقتراحات وأقصى ما يمكن أن تقدمه هو التوصيات. حتى أن منصور عباس نفسه يعترف في سياق كلمته – مشيرا إلى فشل زملائه من الأحزاب الأخرى ومبررا دخوله في الائتلاف- أنه حتى الكنيست ليس هو العنوان للحلول وإنما العنوان هو الحكومة. فإذا كان الكنيست ليس عنوانا، فكيف أصبحت الأكاديميا عنوانا ” لتصويب السياسات” ناهيك عن “تحقيق الأمنيات”؟؟!!

ومما لا يمكن التغاضي عنه هو حديث عضو الكنيست عباس عن التبرعات التي يقدمها المجتمع العربي للدفع في هذا الاتجاه. فقد كان بعض المتحدثين قبله قد ذكر أن الدعم المالي العربي لهذا النهج ضعيف. وقد أقر عباس بذلك، مقارنة بالتبرعات من الجانب اليهودي (للمشروع الصهيوني وليس للنهج الجديد). لكنه ذكر مسألة غاية في الأهمية والخطورة حين قال إنه في لقاءاته مع يهود أمريكيين أبدوا رغبتهم في مساعدة المجتمع العربي، وإنه على تواصل معهم. فإذا علمتَ أن الصناديق الصهيونية في أمريكا وأوروبا لا تدفع قرشا واحدا دون ثمن، وأنها مثلا دعمت وسوقت حملة انتخابات القائمة المشتركة (عندما كانت رباعية وثلاثية)، لأنها تخدم مصلحة المشروع الصهيوني والمؤسسة الإسرائيلية، فإن إبداء رغبة هؤلاء في دعم “المجتمع العربي” ينطلق من نفس المنطلقات، وعضو الكنيست منصور عباس يعرف ذلك جيدا. ولست أدري كيف يمكن لأحد أن يقبل دعما من جهات يهودية صهيونية أجندتها واضحة، وهي أجندة لا تخدم مصالح مجتمعنا، ولا تفكر فيه إلا عبر مسار واحد: كيف تجرّ هذا المجتمع وتطوّعه لخدمة أجندتها!!

ومن الأمور المثيرة التي ذكرها عضو الكنيست عباس أن قراراتهم التي اتخذوها ويتخذونها تأتي فقط بعد الحصول على دعم من المجتمع العربي.

فهل هذا صحيح؟!!

هل حقا يستفتون المجتمع حول كل خطوة أو قرار أو نهج أو سياسة؟ هو يقول: نعم، فقد التزمنا باستفتاء المجتمع العربي حول أي قرار نتخذه، لذلك يوجد دعم لخطواتنا. وتدعيما لهذه المقولة، التي يخيّم فوقها ألف علامة تعجب، قال إن “الاستطلاعات” أظهرت أن 66% من مجتمع الداخل يدعمون توجهه. بل إن 65% أيدوا شراكته مع نتنياهو!!

أنا شخصيا لم أسمع عن استفتاءات من هذا النوع، فإذا وُجد من سمع عنها فليخبرنا!!

أما ما يمكن قوله في هذا السياق فهو ما يلي:

إذا كان المقاطعون للانتخابات السابقة تجاوزت نسبتهم 55%، فكيف انقلبت الموازين بهذا الشكل من خلال “استفتاءات” منصور عباس؟ وإذا كانت شريحة كبيرة من الـ 45% المؤيدة للانتخابات تدعم الأحزاب الأخرى (المشتركة الثلاثية وقتئذ)، فكيف حققت تلك “الاستفتاءات” نسبة 66% من كل المجتمع العربي لدعم نهج الموحدة؟!!

كان يمكن تصديق الأمر لو أن عضو الكنيست عباس قال إنه “استفتى” جمهور الموحدة والإسلامية الجنوبية. كان هذا سيكون مقنعا أكثر، رغم علمنا أنه حتى لم يستفت هذا الجمهور، أو في المقابل كان يمكنه أن يعرض على شاشة العرض في المؤتمر نتائج تلك “الاستفتاءات والاستطلاعات” التي لم نسمع بها قبل ذلك!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى