أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

تحليل| روسيا تعيد ترتيب أوراقها بليبيا

ـ إحكام حكومة الوحدة سيطرتها على طرابلس وصدها لهجمات كتائب باشاغا فرض أمرا واقعا على روسيا

ـ حاجة روسيا لتحييد ليبيا في صراعها مع الغرب والبحث عن لعب دور سياسي في أي اتفاق بين الفرقاء الليبيين.

 

تتجه روسيا لإعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، بعد أن وضعت فيما سبق بيضها كله في سلة الشرق الليبي، وتسعى حاليا لفتح سفارتها بطرابلس، في ذروة حربها بأوكرانيا.

 

وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده “تعتزم استئناف عمل سفارتها في طرابلس في المستقبل القريب”، وأنه سيتم “تعيين سفير روسي هناك، سيعلن عنه قريبا”.

 

وفي 20 سبتمبر/أيلول الجاري، قبِل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتماد السفير الليبي امحمد المغراوي، بعد نحو 10 أشهر من تعيينه في هذا المنصب.

 

ففي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أدى المغراوي، اليمين القانونية أمام رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، في العاصمة طرابلس، استعدادًا لمغادرته إلى موسكو لمباشرة مهامه.

روسيا بين حكومتين

وما يثير المفارقة أن روسيا تعترف بحكومة فتحي باشاغا، منذ اليوم الأول من اعتمادها من مجلس النواب بطبرق، في مارس/آذار الماضي، إلا أن إعادة فتح سفارتها في طرابلس، يعني ضمنيا اعترافها بحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

 

ولا يمكن لروسيا الاعتراف بحكومتين في بلد واحد، إلا إذا كان “وراء الأكمة ما وراءها”، ولا يوجد أي تطور ملحوظ بشأن تحسين علاقاتها بحكومة الوحدة في طرابلس.

 

فلا تبادل للزيارات بين المسؤولين في الحكومة الروسية ونظرائهم في حكومة الوحدة الليبية، ولا حتى اتصالات هاتفية بين بوتين والدبيبة، أو على الأقل بين وزيري خارجية البلدين، فالعلاقات “السياسية” إلى وقت قريب كانت باردة إلى متوترة.

 

وحكومة الدبيبة، على ضعفها، تمكنت من توجيه سهام مؤلمة لروسيا في الأمم المتحدة، إذ كادت تكون ليبيا الدولة العربية الوحيدة التي صوتت لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

 

فلم يسبق أن قطعت روسيا جميع حبالها مع طرابلس، مثلما يجري اليوم، حتى في أوج خلافاتها مع الغرب الليبي، عندما دعمت هجوم قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر، على طرابلس في 2019، كانت هناك اتصالات مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الذي زار موسكو، في يناير/كانون الثاني 2020، في أوج الحرب.

 

ففي الوقت الذي يسعى الغرب لعزل روسيا عن المجتمع الدولي، تحاول موسكو فك تطويقها دوليا من خلال تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية، وتشكيل عالم متعدد الأقطاب، وليبيا جزء من هذه الاستراتيجية.

 

وفي هذا السياق، قال بوتين، لدى قبوله أوراق اعتماد السفير الليبي، إن “روسيا مهتمة بحل الصراع الذي طال أمده في ليبيا، وتعول على استئناف عملها بها في جميع المجالات، فالنظام العالمي يتغير حاليا، والعالم يتجه نحو التعددية القطبية”.

 

وتسعى روسيا لتحييد حكومة الوحدة الليبية من صراعها مع الغرب، وفتح قنوات تواصل معها، خاصة وأنها تحظى بالاعتراف الدولي والأممي.

 

كما أن حكومة الدبيبة تتحكم في إيرادات النفط، حيث ارتفعت صادرات النفط الليبية إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا، ما وضعها كثاني أكبر مصدر للنفط في إفريقيا بعد تراجع إنتاج نيجيريا.

 

كما تحتل ليبيا المرتبة الرابعة إفريقيا في تصدير الغاز الطبيعي، بعد كل من الجزائر ونيجيريا ومصر.

 

وبالتالي فليبيا تشكل رقما له ثقله في أزمة الطاقة العالمية والصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي حول إمدادات الغاز والنفط، خاصة في الشتاء المقبل.

 

وموسكو حريصة أن تكون لها سفارة في منطقة آمنة بطرابلس، على غرار المنطقة الخضراء في بغداد، أو مجمع للسفارات، يتم تشييد مقر سفارتها وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار سلامة العاملين فيها، خاصة وأنها اضطرت لغلق مقر سفارتها في 2014، بسبب التدهور الأمني.

 

بل حتى حفتر، الذي يناصب حكومة الوحدة العداء، تمكن من التوصل معها إلى ما يشبه اتفاق، بفتح الحقول والموانئ النفطية مقابل تعيين فرحات بن قدارة، المحسوب عليه، رئيسا لمؤسسة النفط.

 

فأعداء الأمس، أصبح بينهم تفاهمات واتفاقات، فما الذي يمنع روسيا من ربط خيوط اتصال مع حكومة الوحدة، حتى تراقب الوضع في طرابلس عن كثب.

 

فليبيا على الرغم من خلافاتها مع روسيا، إلا أنها تتفاوض معها لاستيراد كميات من القمح.

 

ففي مايو/أيار الماضي، قال السفير الليبي لدى روسيا المغرواي، إنّ بلاده “مهتمة بشراء المنتجات الزراعية من روسيا، وأنّه سيتم شحن أول دفعة تجريبية من الدقيق إليها بحجم 100 ألف طن”.

 

 واقع جديد

ورغم النفوذ القوي لروسيا في شرق وجنوب ليبيا، عبر شركة فاغنر، وتحالفها مع حفتر، إلا أن استمرار اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الوحدة، وعدم تمكن حكومة باشاغا، من دخول طرابلس وإسقاط الحكومة المنافسة خلق أمرا واقعا لا مفر منه.

 

وتمكن حكومة الدبيبة، من الانتصار عسكريا في جميع المواجهات مع الكتائب الداعمة لحكومة باشاغا في طرابلس، بل وطردها من مقراتها وسط العاصمة وحتى على أطرافها، أبرز أن هناك قوة وحيدة أصبحت تتولى فرض الأمن في طرابلس، بدل كتائب متعددة الولاءات.

 

هذا الواقع الميداني، أظهر أنه من الصعب إسقاط حكومة الدبيبة عسكريا، ناهيك عن إسقاطها سياسيا، وتجلى ذلك من خلال تمكن وزيرة خارجية حكومة الوحدة من رئاسة مجلس وزراء الجامعة العربية بالقاهرة رغم اعتراض مصر، وانسحاب وفدها من الاجتماع.

 

فحكومة الدبيبة، أصبحت تحظى بالتفاف تحالف قوي لكتائب المنطقة الغربية، وتأييد عربي ودولي، خاصة من الجزائر، حليفة روسيا، التي لا يمكنها القفز على هذا الواقع.

 

لذلك فموسكو مضطرة للتعامل مع المعطيات الحالية في طرابلس، دون أن يعني ذلك تخليها عن دعم حكومة باشاغا، وهذا ما تجلى في تأكيد موسكو أنها ستفتتح قنصلية لها أيضا في مدينة بنغازي (شرق)، ومركز قيادة قوات حفتر.

 

 زيارة عقيلة صالح

ما يدفع روسيا أيضا لفتح سفارتها في طرابلس، سعيها للعب أدوار سياسية في حل الأزمة الليبية أو على الأقل إدارتها بالشكل الذي يخدم مصالحها واستراتيجيتها في المنطقة.

 

فطرابلس شهدت في السنوات الأخيرة عدة حكومات، تغيرت إما بتفاهمات سياسية مثل حكومتي الوفاق والوحدة، أو عبر القتال على غرار حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، أو بالضغط كالحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، أو حتى عبر المحكمة الدستورية مثل حكومة أحمد معيتيق.

 

فالاستقرار الحكومي ليس صفة تتمتع بها طرابلس، لذلك فروسيا تعول على تغيير ما، تساهم فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتولي شخصية قريبة منها رئاسة الحكومة أو رئاسة المجلس الرئاسي.

 

وفي هذا الصدد، يتم تداول إعلاميا على لسان نواب في البرلمان الليبي، أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق، ماض في خطة جديدة، يتولى خلالها رئاسة المجلس الرئاسي مقابل إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الانتخابات الرئاسية ثلاث سنوات.

 

ورغم نفي مجلس النواب هذه الادعاءات، لكن لا أحد ينكر أن صالح، ترشح لرئاسة المجلس الرئاسي في فبراير/شباط الماضي، ضمن قائمة تضم أيضا باشاغا، مرشحا لرئاسة الحكومة.

 

وليس من المستبعد أن تبحث زيارة صالح، إلى موسكو، والتي لم يحدد بعد تاريخها، خيارات الحل السياسي بين الشرق والغرب الليبيين، وأن يسعى إلى حشد دعم روسيا والدول المؤثرة لمشروع جديد، يتم التحضير له بكثير من التكتم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى