أخبار رئيسيةمقالاتومضات

اقتحامات الأقصى.. النفخ في البوق أم النفخ في الحريق

الشيخ كمال خطيب

 

يوم الاثنين القريب 26/9 سيكون هو اليوم الأخير من السنة العبرية، ويوم الثلاثاء 27/ 9 سيكون هو اليوم الأول من أيام سنة عبرية جديدة، ولو أن هذه الأيام وهذه التواريخ تشير فقط إلى نهاية عام وبداية آخر لكان الأمر عاديًا. فكما نحتفل نحن المسلمين ببداية عام هجري جديد، وكما يحتفل المسيحيون ببدء عام ميلادي جديد فمن حق اليهود الاحتفال والاحتفاء ببدء سنة عبرية جديدة.

وإذا كنا نحن المسلمين عند بداية العام الجديد وظهور هلال محرم ندعو الله أن يكون عام خير وبركة وفرج، ونقول لبعضنا كل عام وأنتم بخير، فإن اليهود عند بداية العام الجديد يدعون بالقول “شناة طوفاه” أي لتكن سنة خير وسنة مباركة.

ولكن كيف لهذه السنة أن تكون سنة خير وبركة، وهي التي في يومها الأول، بل في ساعاتها الأولى ستفتتح باقتحامات وتدنيس وانتهاك جماعي لحرمة مسجدنا الأقصى المبارك؟

منذ أسابيع، بل ومنذ أشهر والجماعات الدينية اليهودية تعدّ العدة لموسم الاقتحامات السنوي الثاني حيث عيد رأس السنة العبرية وعيد الغفران وعيد العرش وغيرها، وحيث الموسم السنوي الأول للاقتحامات فإنه الذي يكون في شهر نيسان حيث عيد الفصح. لقد وصل الأمر إلى حد أن تعلن إحدى جمعيات بناء الهيكل والمسماة “جبل الهيكل بأيدينا” إلى تنظيم سفريات مجانية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لمن يرغب بالوصول إلى القدس وإلى المسجد الأقصى المبارك للمشاركة في اقتحام وتدنيس ساحاته وللمشاركة في طقوس وشعائر النفخ في البوق في ساحات المسجد الأقصى المبارك.

نعم هكذا وبكل وقاحة وصلف وبلا تلعثم ،فإنها الدعوات الصريحة لأداء طقوس وشعائر عيد رأس السنة العبرية في مسجدنا الأقصى المبارك ولسان حالهم يقولون “محمد مات، خلّف بنات” أي أن محمدًا ﷺ ليس له رجال وإنما كل نسله وأتباعه من النساء اللائي لا يستطعن ويجّبُنّ عن الدفاع عن المسجد الأقصى، وهي نفس العبارة التي رددها جنود الاحتلال عندما احتل المسجد الأقصى عام 1967.

وعليه فأين هؤلاء من يتمنون أن تكون هذه السنة سنة خير وبركة، وهم يبدأونها بإعلان حرب سافرة على عقيدة وقبلة 1700 مليون مسلم. إنها إذن حرب دينية سافرة حتمًا ويقينًا لن تكون عاقبتها خيرًا ولا بركة وإنما هو عكس ذلك.

 

تأبط شرًا يكسر ميزاب العين

 

يأتي توقيت هذه الأعياد ومعها هذه الاقتحامات وهذا التدنيس متزامنًا مع أوج الاستعداد وذروة الدعاية الانتخابية للكنيست الصهيوني في 1/11/2022، وحيث سيصبح المسجد الأقصى المبارك في عين عاصفة هذه الانتخابات، وحيث سيحاول كل حزب وكل مرشح أن يبرز مقدار عنصريته ويمينيته بمقدار موقفه السافر ضد المسجد الأقصى المبارك لضمان التفاف الشارع الإسرائيلي حول شخصه أو حزبه.

واللافت أن بداية العام العبري الجديد ستكون يوم الثلاثاء 27/9/2022، هذه البداية التي تسبق بيوم واحد اليوم الذي اقتحم ودنس فيه رئيس المعارضة السابق شارون المسجد الأقصى المبارك يوم 28/9/2000، وكان ذلك ضمن بورصة التنافس بين حزبي الليكود والمعراخ بين شارون وبين باراك، وكان ذلك التدنيس هو الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت باسم انتفاضة الأقصى.

وها هو يائير لبيد رئيس الوزراء الذي لم يكن يحلم بالجلوس على الكرسي لولا دعم وأصابع وأصوات أعضاء القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس وحركته الجنوبية.

ها هو لبيد يعلن وبعد اجتماع تقييم للحالة الأمنية في القدس والأقصى أنه لن يمنع ولن يقيّد اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى في الأعياد القادمة، وأن من حق الجميع الدخول إلى المسجد وهو بذلك يسعى لاسترضاء وكسب أصوات من الشارع الإسرائيلي وإظهار نفسه أنه لا يقلّ يمينية عن نتنياهو وبن غفير وأنه لن يساوم على حق اليهود المزعوم في المسجد الأقصى المبارك.

إن مثل لبيد وقبله شارون في ارتكاب هذه الحماقة كمثل ذاك الرجل الذي فكّر في طريقة فيها يلمع نجمه ويصبح على لسان كل الناس، فلم يجد إلا أن يذهب إلى عين ماء يشرب منها كل أهالي القرية وعمد إلى ميزاب العين وكسره، وبذلك أصبح يتعذر على الناس ملء أوانيهم. وفي الصباح جاء الناس لملء آنيتهم من العين فوجدوا الميزاب مكسورًا، فأصبحوا يتساءلون من كسر ميزاب العين، من كسر ميزاب العين؟ فتهامس أحدهم مع الآخر أنه فلان وتناقل الناس اسمه حيث لم يعد يهمه ما لقي من شتائم وإنما شعر بسعادة غامرة حيث يتحدث الناس عنه.

 

وإن مثل لبيد مثل ذاك الرجل من قوم ثمود الذي أصرّ وبيّت عزمه على عقر تلك الناقة التي أوصاهم الله سبحانه، بل وحذرهم من المساس بها {هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آية 73 سورة الأعراف، لكن أحدهم ليس أنه قد خالف ربه بل خالف قومه، فقام بعقر الناقة الأمر الذي استوجب إنزال العقاب والعذاب عليهم من الله سبحانه، ولأنه كان سببًا في نزول العذاب فقد سمي شقي قومه.

لا أتردد بالقول أن من بين السياسيين الإسرائيليين الذين يتنافسون فيمن يكون صاحب الخطوة المتقدمة وغير المسبوقة في تدنيس المسجد الأقصى المبارك طمعًا بالحصول على العدد الأكبر من مصوتي اليمين الإسرائيلي. إن من هؤلاء من سيكتب عنه التاريخ أنه شقي قومه نظرًا لتبعات هذه السلوكيات وهذه السياسات. وها نحن نسمع أن عضو الكنيست يهودا غيلك يصرّح أنه سيقوم بنفخ البوق في ساحات المسجد الأقْصى المبارك خلال الأعياد وفي الأيام القريبة القادمة.

وإذا كان التاريخ قد سجّل لشارون أنه شقي قومه وأنه كسر ميزاب العين، فهل سيحظى بميدالية الشقاوة لبيد أو غانتس أو بن غفير أو نتنياهو، أم أنهم جميعًا سيكونون شركاء في ذلك الإنجاز الخطير الذي يستوجب منح كل واحد منهم صفة “تأبط شرًا” و “شقي قومه”. قال سبحانه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} آية 11-15 سورة الشمس.

 

إنه الأقصى وإنها القدس وإنها فلسطين

 

هذه الأرض المباركة كما وصفها العلماء أنها ديار أيوب، ومحراب داود، وعجائب سليمان، ومهد المسيح، ومهاجر إبراهيم، ومنتهى الإسراء ومبتدأ المعراج لمحمد ﷺ. إنها أرض النبوات ومهد الصالحين، الأرض التي أعلنت انتقال ميراث الأنبياء والرسل إلى الإمامة الجامعة لرسول الله محمد ﷺ كما قال ووصف ذلك الدكتور الفاضل عصام البشير.

هذه الأرض وصفت بالبركة في خمس آيات في القرآن الكريم، فهي كانت مباركة قبل لوط وإبراهيم وموسى وسليمان، وقبل محمد ﷺ. وهذه البركة سببها أن في هذه الأرض قد بنت الملائكة المسجد الأقصى من لدن آدم بعد بناء المسجد الحرام بمكة بأربعين سنة، وقد سأل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه رسول الله ﷺ: “يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة”.

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) آية 1 سورة الإسراء. فهذه الأرض مباركة قبل أن يسرى بمحمد ﷺ.

{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَٰهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ ۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} آية 18 سورة سبأ. قال العلماء والمفسرون القرى التي باركنا فيها هي الشام وفي القلب منها بيت المقدس.

{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} آية 71 سورة الأنبياء فهي مباركه قبل أن يهاجر إليها إبراهيم وابن أخيه لوط عليهما السلام من أرض العراق.

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} آية 81 سورة الأنبياء، فهذه الأرض مباركة قبل أن يكون فيها نبي الله سليمان عليه السلام وأبوه داود عليه السلام.

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} آية 137 سورة الأعراف، فهذه الأرض كانت مباركة ببركة المسجد الأقصى قبل أن يفرّ إليها موسى ببني إسرائيل من ظلم فرعون وقومه.

 

نفخ في البوق أم نفخ في الحريق؟

 

إنها لعبة وتوزيع الأدوار يتقنها قادة إسرائيل ويلعبونها بامتياز ويظنون أنها ستنطلي على شعبنا.

فكل موقف تسعى الحكومة للتنصل من مسؤوليته وعدم الإحراج فيه من جهات دولية فإنها تتذرع بالقول أن هذا كان بقرار من المحكمة والجهاز القضائي الذي هو مستقل وكامل الاستقلالية والحيادية، وأنه يتصف بالنزاهة والعدالة إلى غير ذلك من مصطلحات تنميق التهرب من المسؤولية، وقد ثبت مرارًا وتكرارًا ولم يعد ينطلي علينا، أن الجهاز القضائي والجهاز الأمني والجهاز الإعلامي وكلها أذرع من أذرع الجهاز السياسي الإسرائيلي وكلّ يكمل الآخر في تنفيذ وخدمة أجندات المشروع الصهيوني في القدس خاصة وفي مواجهة شعبنا عامة.

ها نحن نسمع هذه الأيام أن المنظمات الدينية التي تدعو لاقتحام الأقصى وتدنيسه خلال موسم الأعياد القريب وبدعوى منع الشرطة لها، فإنها ستتوجه للمحكمة لاستصدار قرار بموجبه يتم السماح لهم بالنفخ بالبوق في ساحات الأقصى وإدخال قرابين العرش. إنها محاولة تصوير أن الشرطة غير موافقة، وأنها تحافظ على الوضع القائم وأن ذلك لن يتغير إلا بقرار من المحكمة.

إنها المحكمة الإسرائيلية إياها هي من تم التقدم إليها في شهر 10/2022 أي في موسم أعياد العام الماضي للسماح بالصلاة التلمودية الصامتة في ساحات الأقصى وقد قضت بذلك. وهي المحكمة الإسرائيلية التي تم التقدم إليها في شهر 3/2022 أي في موسم الأعياد الأول من هذا العام 2022 للسماح بما يسمى السجود الملحمي في ساحات الأقصى وقد قضت لهم بذلك. وهي نفس المحكمة التي يتم التقدم لها للسماح بنفخ البوق في أعياد 2022 وستسمح لهم بذلك وتقضي لهم به.

إنها إذن الحكومة الإسرائيلية التي تتعمد سياسة الخطوة خطوة في تغيير الواقع ضاربة عرض الحائط حقيقة أن هذا هو المسجد الأقصى المبارك مسجد للمسلمين وحدهم ولا حق فيه لا لليهود ولا لغيرهم، وضاربة عرض الحائط المواثيق والأعراف الدولية، وضاربة عرض الحائط اتفاقياتها مع الأردن التي تقيم معها علاقات دبلوماسية وهي صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى المبارك.

فالمحكمة التي قضت بالسماح بالصلاة الصامتة وقضت بالسجود الملحمي وأصبح اليهود يمارسون هذه الطقوس وتحت حماية الشرطة، فإنها المحكمة التي ستقضي بسماح النفخ في البوق في ساحات المسجد الأقصى.

وعليه فإن عمى القلب الذي يصيب ساسة إسرائيل هذه الأيام، هذا العمى الذي يزداد مع اقتراب حمّى الانتخابات والسعي لإظهار من الأكثر يمينية وتطرفًا، ومن هو صاحب المواقف الأكثر تشنجًا تجاه المسجد الأقصى حيث اختفاء الفوارق في هذه القضية بين نتنياهو وبين لبيد الذي يصرّ على عدم إلغاء اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى. إن عمى القلب هذا الذي سيصل بهم إلى حد مصادمة عقيدة ليس مليوني فلسطيني في الداخل ولا أربعة عشر مليون فلسطيني ولا أربعمائة مليون عربي، وإنما مصادمتهم عقيدة 1700 مليون مسلم في العالم. إن عمى القلب هذا والقيام بنفخ البوق وغيره من الشعائر والطقوس الدينية التوراتية هو في الحقيقة نفخ على جمر ونار حريق كبير سيشتعل في كل المنطقة بفعل هذه الممارسات العنصرية والحمقاء.

فالعاقل هو من يمنع اشتعال الحريق، والمجنون هو من ينفخ فيه. المجنون هو من يلقي حجرًا في البئر وعندها لا ينفع كثرة العقلاء ليخرجوه لأنهم قد لا يستطيعون ذلك.

حقًا وصدقًا: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى