أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

حملات انتخابية بطعم الأعراس والمطالب الخدماتية

ساهر غزاوي

إنّ ما يميز حملات الأحزاب العربية لانتخابات الكنيست الخامسة والعشرين المقررة في يوم 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 المقبل، أنها تعكس حقيقة تواجد هذه الأحزاب في “كرنفال” الكنيست الإسرائيلي التي تدور رحاها حول التنافس على أمور مطلبية خدماتية، والتي قد تلبى منها أشياء شكلية تجميلية هنا وهناك حتى تبقى هذه الأحزاب على علاقة ذات صلة بسؤال الإنجاز والتأثير، وحتى تبقى أيضًا عاملًا لتحفيز عواطف الناس (خزان أصوات انتخابي) للتصويت والضرب على أوتارها، لا سيّما وأنّ هناك محاولات إسرائيلية- نجحت إلى حد كبير من خلال الأحزاب العربية التي عملت على حصر النضال داخل قبلة البرلمان- لاحتواء المطالب السياسية وحرف مسارها عن القضايا التي تهم المواطن الفلسطيني داخل الخط، مثل منع سن قوانين عنصرية ضد العرب، وفضح السياسات الإسرائيلية داخل الكنيست، ولا أدّل على ذلك من ابتعاد القائمتين (المشتركة والموحدة) في الفترة الأخيرة عن صلب العمل السياسي العربي الفلسطيني والتركيز على المطالب المعيشية والاقتصادية، هذا علاوة على أن القائمة الموحدة قامت عمليًا من خلال دخولها إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي لأول مرة في انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين بخطوات تتماهى مع الموقف الإسرائيلي وتتعارض مع موقف المجتمع العربي الفلسطيني المناهض للهجمة العنصرية عليه.

السؤال: ماذا يجد الناظر إلى حملات الأحزاب العربية لانتخابات الكنيست الإسرائيلي المقبلة؟؟ الجواب: يجد أن غالبية قادة هذه الأحزاب يتنافسون على كل شيء لا علاقة له بصلب العمل السياسي الذي من المفترض أنهم ذهبوا إلى الكنيست لأجله ولا علاقة له بقضايانا الأساسية والصراع مع السياسيات العنصرية، وكشفها وفضحها ومحاولة منعها. ويرى أن المعركة الانتخابية المحتدمة تدور رحاها بين قادة الأحزاب الكنيستية على المشاركة في مناسبات الأعراس والحفلات الليلية الصاخبة والتسابق على تقدم الصفوف لترأس صف “السحجة” و “الدبكة” والرقص مع العريس وأهله (تحت شعار: مع الناس وبين الناس!!)، وبين التنافس المحتدم على شعارات ودعايات تتركز جلّها على أمور مطلبية خدماتية، التي قد تلبى منها أشياء شكلية تجميلية، كما ذكرت آنفا.

عمليًا، فإن القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس أطلقت حملتها الانتخابية مبكرًا تحت شعار “دورنا الأهم في البرلمان: خدمة مصالح مجتمعنا وتحسين حياته”. هذه الحملة التي تعكس بشكل واضح استمرار القائمة الموحدة من خلال “النهج الجديد” تبنيها للخطاب المطلبي والمعيشي والاقتصادي وحتى لو انطوى ذلك على التغاضي عن ماهية النظام السياسي الإسرائيلي العنصري!! وعباس نفسه أكّد في بيان نشره على صفحته في الفيسبوك: “لا توجد أمامنا كعرب خيارات لحكومات مثاليّة أو ممتازة، بل خياراتنا محصورة بين السيئ والأسوأ، وهذا ما يجعلنا لا نطمح ولا نعمل على إسقاط الحكومات أو تغيير عقليّات ونفسيّات اليهود، بل نحاول أن نتعايش ونؤثّر في كل حكومة بهدف تنفيذ أكثر ما يمكن من برنامج عملنا من أجل تحسين حياة مجتمعنا”.

وها هي العربية للتغير برئاسة أحمد الطيبي أطلت علينا مؤخرًا بحملتها الانتخابية بشعارات ودعايات لا تختلف أهدافها وفحواها ومضامينها وتوجهاتها عن شعارات ودعايات القائمة الموحدة، بل يظهر بشكل واضح أن العربية للتغيير بدعاياتها هذه تتنافس بشراسة مع القائمة الموحدة على الخطاب المطلبي والمعيشي والاقتصادي وعلى تحقيق “إنجازات مطلبية”!! فللوهلة الأولى عندما طرحت العربية للتغيير في حملتها الانتخابية شعار “مش طحن حكي” خُيل وتُوِهِمَ لنا أن هذا الشعار يحمل بين طياته مشروعًا سياسيًا يرفض نهج وتوجه القائمة الموحدة!! غير أن أوهام هذا الخيال تبددت سريعًا أمام حقيقة شعار ودعاية الحملة الانتخابية للعربية والتغيير “متابعة ومعالجة قضيا الطلاب داخل البلاد وخارجها” و “رجعنا أكثر من 100 ألف رخصة سياقة لأصحاب الديون العرب”…

وحتى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي يترأسها أيمن عودة، نزلت إلى الشارع بحملة انتخابية تحت شعار “طريقنا واضح”، والسؤال: أين هو الوضوح تحديدًا في هذه الطريق؟؟ هل هو وضوح في اهتمام أيمن عودة تحديدًا في الفترة الأخيرة بالقضايا الاقتصادية والإنجازات الفردية (راجعوا بيانات أيمن عودة على صفحته في الفيسبوك في السنة الأخيرة على الأقل) وهل الوضوح هو في تغني عودة بالخطة الاقتصادية 922 للمجتمع العربي؟؟ هذه الخطة التي تقاتلت على “تسجيل الإنجازات” ونسبها لنفسها كافة الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست وحتى وهم في قائمة واحدة (القائمة المشتركة) والكل أراد أن يسجل الإنجاز لنفسه ولجهوده مع أن لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية كان لها الجهود المثمرة في هذا المجال.

في واقع الأمر، إنّ حملات الأحزاب العربية لانتخابات الكنيست المقبلة التي تدور رحاها حول التنافس على أمور مطلبية خدماتية، هي اعتراف ضمني من هذه الأحزاب أنه لا يوجد أي مشروع سياسي في أجندتهم، وحتى الحملة الانتخابية للتجمع الوطني الديمقراطي الذي طرح مشروعًا سياسيًا أسماه “التيار الثالث” فإنه لن يمر عبر الكنيست الصهيوني، بل من المستحيل لأنه في نهاية المطاف طريق هذا التيار ستؤدي إلى نفس النتائج وإلا لا مكان له في هذا الملعب، لا لشيء إلا لأن الكنيست هو أحد الأعمدة الرئيسية للمشروع الصهيوني، ذات وضعية ثابتة ومسرح للمعارك والوهمية، والأهم من ذلك أن تركيز الأحزاب العربية في حملاتها الانتخابية على أمور مطلبية خدماتية ستضاعف من “قابلية الاستعمار” وستجر إلى الاندماج ضمن مفهوم الأسرلة وتدجين فلسطينيي الداخل ضمن سؤال من يجلب لنا مكاسب معيشية أكثر!! والأسرلة هنا أيضا بمعنى توسيع الوعي بقضية الحقوق المطلبية مقابل الانسلاخ عن الانتماء الإسلامي العروبي للشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى