أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالضفة وغزةومضات

جبل الريسان.. استيطان جديد يسرق الأرض ويسلب الحياة

لا تكاد تنجو قمة جبل في الضفة الغربة من إقامة مستوطنة، أو بؤرة استيطانية، أو معسكر لجيش الاحتلال، أو محمية طبيعية إسرائيلية، فالمهم لدى الاحتلال هو ضمان عدم وصول الفلسطينيين إليها والبناء فيها.

وبين 3 قرى فلسطينية هي: راس كركر، وخربثا بني حارث، وكفر نعمة غرب رام الله، يقع جبل الريسان، وهو عبارة عن منطقة زراعية لفلسطينيين من القرى الثلاث، تزينه الآلاف من أشجار الزيتون واللوزيات، كما كان يعد ملاذ المزارعين الذين عملوا خلال السنوات الماضية على زراعته بالقمح والشعير، بالإضافة لكونه المتنفس السياحي الأكثر جمالًا في تلك المنطقة.

وفي ديسمبر 2018 فرضت قوات الاحتلال سيطرتها على الجبل عادَّة أراضيه “أراضي دولة” وفي يوليو 2019 قررت حكومة الاحتلال تحويل قمة جبل الريسان إلى بؤرة استيطانية، لتصبح تلك المنطقة محرمة على سكان القرى الثلاثة، والدخول إليها صار حلمًا صعبًا بالنسبة للسكان الأصليين، الذين باتوا ينشدون حقهم.

وترجع أطماع الاحتلال في جبل الريسان إلى ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا إلى عام 1983 عندما سلبت سلطات الاحتلال أكثر من ألف دونم من أراضيه بذريعة أنها “أراضي دولة”.

لماذا قمم الجبال

في حديث صحفي قال مدير وحدة مراقبة الاستيطان في مركز الأبحاث التطبيقية “أريج” سهيل خليلية: يهدف الاحتلال من السيطرة على قمم الجبال لفرض مزيد من التوسع الاستيطاني، الذي يبدأ بقمة الجبل ثم يمتد للاستيلاء على الأراضي المحيطة به، فالسيطرة على القمم المرتفعة يسهل عملية التوسع الاستيطاني في الأراضي المحيطة بدرجة كبيرة.

وأشار لوجود عاملين يعززان هذا التوجه: العامل الأمني، فالسيطرة على القمم المرتفعة توفر حماية أكبر للمستوطنات والبؤر الاستيطانية والقواعد العسكرية، وتستخدم كأبراج لمراقبة أوسع مساحة ممكنة من الأراضي المحيطة بها.

ووفق خليلية، فإن العامل الثاني يرتبط بـ “الأيديولوجية اليهودية، حيث يعتقدون بأنه يتوجب عليهم أن يسيطروا على قمم الجبال، ويسكنوا فيها من أجل فرض السيطرة، والظهور بمظهر صاحب السيادة”.

وبالعودة لجبل الريسان، يقول خليلية: إن أحد أهم أهداف الاحتلال من السيطرة على الجبل هو ربط مستوطنات “دوليب” و”تلمون” و”كريات سيفر” ببعضها البعض، لتشكل تكتلا استيطانيا واحدا، ومن ثم ربطها مع الأراضي المحتلة علم 1948 حيث يخطط الاحتلال لضم هذه المستوطنات.

وأكد على صعوبة أن يتمكن الاحتلال من ضم هذه المستوطنات، لكثرة التجمعات السكنية الفلسطينية التي تحيط بها، وبالتالي عاجلًا أم أجلًا سيضطر لإخلائها، لكنه في الوقت الحالي يريد فرض سيطرته على أكبر قدر ممكن من الأراضي في المنطقة لأهداف أمنية تتعلق بحماية المستوطنات.

ويرى خليلية، أن موضوع البؤر الاستيطانية سيكون جزءًا أساسيا في أي مفاوضات مستقبلية، وسيستعمله الإسرائيليون كأداة تلاعب لبث وهم استعدادهم لإخلاء تجمعات استيطانية في الضفة، مقابل مطالبتهم بالاحتفاظ بتجمعات أخرى.

فرض أمر واقع

من جانبه، شدد الخبير في شؤون الاستيطان، صلاح الخواجا، على خطورة ما يجري في منطقة جبل الريسان، والذي يشكل تطورا جديدا للسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية.

ويوضح الخواجا، في حديث صحفي أن البؤرة الاستيطانية المقامة على قمة جبل الريسان تأتي في إطار مخطط بناء ما يسمى “الأصابع الاستيطانية” أو “التواصل الاستيطاني” وربط المستوطنات ببعضها البعض، وتقطيع أوصال القرى الفلسطينية، ومنع التواصل بينها.

وأكد أنه لا يوجد بؤر استيطانية عبثية أو عابرة، حتى وإن كانت رعوية، وإنما تأتي ضمن مخططات مدروسة، بهدف تعزيز وربط المستوطنات ببعضها البعض.

ويبين الخواجا، وهو عضو في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن البؤر الاستيطانية الرعوية باتت تسيطر على 7% من المناطق المصنفة “ج” أكثر من 280 كيلومتر مربع، وهي شكل من أشكال التوسع الاستيطاني، وفرض مزيد من سيطرة الاحتلال على مناطق “ج”.

ويشير إلى أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان نظمت عشرات الفعاليات والمسيرات لمواجهة الاستيطان في المنطقة، لكن قوات الاحتلال تقمع أي شكل من أشكال المقاومة، حتى لو كانت سلمية، ما أدى لوقوع إصابات كثيرة في صفوف الشباب، كما استشهد شاب من قرية راس كركر.

منطقة استراتيجية ودعم رسمي

أما الخبير المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، وفي حديث صحفي فقد عدَّ أن ما يجري في جبل الريسان يمثل نموذجًا حديثًا لشكل الاستيطان الجديد الذي تمارسه حكومة الاحتلال، حيث دائمًا ما كانت تنفذ المشاريع الاستيطانية بذرائع عسكرية، أو استراتيجية، أو محميات طبيعية، والآن هناك طريقة جديدة من خلال بؤر استيطانية تنشؤها “شبيبة التلال” حيث تسيطر على مناطق استراتيجية، ثم تأتي حكومة الاحتلال وتمنحها الشرعية.

ويضيف: يقع جبل الريسان في منطقة استراتيجية مهمة جدًّا، فهو قريب من الخط الأخضر، ومطل على الداخل الفلسطيني، ويُعد أعلى قمة في المنطقة، ويربط مجموعة مستوطنات ببعضها البعض وبالتالي يشكل هدفًا استراتيجيًّا للمستوطنين.

ويتابع، أنه خلال الفترة الماضية صدر قرار قضائي من المحكمة العليا الإسرائيلية بوقف الأعمال الاستيطانية في جبل الريسان، لكن في الحقيقة هذا القرار لا قيمة له، لاسيما أن “شبيبة التلال” والمجموعات الاستيطانية الجديدة لا تؤمن بالمحكمة العليا، ولا تؤمن بالمنظومة القضائية المتعلقة بالاستيطان، وتعد أن هذا الأمر يخصهم وحدهم، ولذلك لا ينفذون مثل هذا القرار.

ويسترسل، حتى الجيش بات يهاب من إخلاء المستوطنات وردع المستوطنين، لأن من يسيطر على الجيش وعلى منظومة الحكم في دولة الاحتلال، هم المتدينون والمستوطنون والقوميون المتطرفون، ولذلك يتم التعامل مع المستوطنين بأكفٍّ من حرير، وحتى لو طبقت قرارات المحكمة، بعد ساعة واحدة من إخلاء البؤرة يتم إعادة بنائها، عمليًّا، يوجد “باب دوار، وضحك على المجتمع الدولي في هذا الموضوع”.

ويعتقد منصور، أن سلطات الاحتلال تمهد للاستيطان شيئًا فشيئًا من خلال “شبيبة التلال” والمجموعات الاستيطانية الأخرى، وتقدم لها جميع الخدمات من بنية تحتية وشبكات ماء وكهرباء، وحراسة، بالإضافة إلى تواطؤ المحاكم معها، وبالتالي هذا جزء من عملية إغراق الضفة بالمستوطنات لقتل حل الدولتين نهائيًّا.

ورغم محاولات الاحتلال الحثيثة للسيطرة على الجبال وسلب الأرض، وامتلاكه أدوات القوة العسكرية كافة، يبقى الفلسطينيون متمسكين بأراضيهم، وبحقهم في الدفاع عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى