أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

حتى ننجو بسفينتنا إلى بر الأمان

د. عبد الرازق متاني

أكتب هذا المقال كرسالة مفتوحة الى رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية السيد محمد بركة، ورئيس لجنة افشاء السلام القطرية فضيلة الشيخ رائد صلاح والاخوة في اللجان المحلية والمناطقية.

بعد الدعاء لكم بالتوفيق، وان يعينكم الله على حمل الأمانة العظيمة التي أخذتم على عاتقكم من أجل الوصول في سفينتنا في الداخل الفلسطيني إلى بر الأمان، متجاوزين آفة العنف العاصفة بنا ليل نهار، وددت في البداية أن أشدّ على ايديكم وابارك نشاطكم وانعقاد مؤتمركم الأول الذي جاء بعد جهد حثيث للأخوة في اللجنة وفي مقدمتهم رئيسها فضيلة الشيخ رائد صلاح، ومن ثم أن أُشارككم بعض الأفكار التي تجول في خاطري، لعل وعسى أن تساهم في عبور سفينتنا الى بر الامان:

– عند حديثنا عن العنف والجريمة لا يجب أن نغفل أنّ الامر معقد جدا تتداخل فيه عوامل عديدة متشعبة، وبالتالي عند معالجة الآفة يجب أن لا نحصر عملنا في جانب واحد، بل لا بد لنا من خطة شاملة متكاملة للنهضة بالمجتمع تعزز لديه الحصانة المجتمعية ليلفظ هذه الآفة التي باتت تطرق باب كل شخص في داخلنا الحبيب.
– نظرت إلى اللجان المكونة في البلدات وإلى غالب الحضور في المجتمع، ورأيتهم من أهل الفضل وأصحاب الدور المبارك في الإصلاح، وهم مما لا شك فيه عصب البلدان وسيكونون رافعة لعمل اللجنة وأصحاب بصمة مباركة.
– مجتمعنا متعدد الفئات، وبالتالي لا بد من إشراك الفئات المتعددة وإقامة لجان دعم من مختصين وثقات يقومون بالعمل تحت سقف لجنة المتابعة ولجنة افشاء السلام التي يقع على عاتقها الاشراف على هذه اللجان والتشبيك بينها ليأخذ كل دوره في نطاق الخطة الشاملة.
– مما لا شك فيه أنّ دور اللجنة لا يقتصر على عمل الإصلاح وحل النزاعات فقط؛ ورغم ادراكنا لأهمية الامر القصوى وحساسيته، إلا أنّه منهك جدا ومستنزف للطاقات. يجب علينا أن لا نغفل الدور الوقائي التوعوي والتربوي في التصدي لآفة العنف، ولذلك وجب توسعة اللجان المختصة لتشمل اللجان الفرعية كل لها اختصاصها وعملها.
– هذه اللجان منها ما قد يكون قطري لتركز الاعمال وتقوم بالمشاريع الجامعة أو محلية في كل بلدة لتعمل وفق الإمكانيات المحلية في البلدة وتحتضن الحريصين على سلامة بلدتهم.
– من أجل أن يكون الامر ناجحا وفعالا علينا الخروج من بوتقة العمل التقليدي المألوف وابتكار النشاطات والفعاليات التي تخاطب كل جيل وفئة وفرد في المجتمع، وأرى أنّه لا بد لنا من استقطاب هذه الفئات لتكون شريكة في بناء الرؤية وإيجاد الحلول وبالتالي ملتزمة ومبادرة في الميدان.
– الناظر الى حديثي قد يظن الأمر معقد بحجة الموارد والطاقات؛ علما أنني هنا لا أتحدث عن الموارد المالية والتي لا أرى بها عائق ابدا ويمكن حتى تجاوزها في كثير من النشاطات. ما اقترحه هو ترشيد العمل وفق الإمكانيات والخبرات والطاقات المتوفرة في كل بلد والتي هي عظيمة جبارة لو أحسن استعمالها.
– ومن هذا المنطلق على صوت الإصلاح وافشاء السلام أن يكون حاضرا في كل محفل ومناسبة صغيرة كانت أو كبيرة، ولعلنا نجعلها سنة افشاء السلام لا يخلو فيها عمل أو نشاط في بلداتنا العربية من التأكيد على معاني الأخوّة والمحبة بين أبناء البلد والمجتمع الواحد.
– هنا استذكر مقولة ابن الجوزي “النفس إذا لم تشغلها بالطاعات شغلتك بالمعاصي”. هذه الجملة لعلها تكون مفتاحا وقاعدة تعيننا على النجاة بسفينتنا إلى بر الخير والأمان. فالفراغ والانشغال بسفاسف الأمور له اثر كبير فيما نحن فيه من سوء حال، وبالتالي لا بد لنا من إيجاد الأطر الطيبة والنشاطات التي تعيننا على اشغال وقتنا بالطيب والخير.
– البعض ومما لا شك فيه يعيش ازمة الجفاء وانعدام المحبة والبعد وتفكك الاوصال المستشري في مجتمعنا حتى بين أبناء البيت الواحد، إلا أن هذه الحالة ليست بطبع لدى مجتمعنا الأصيل الذي امتحنا صلابته وصدقه في اكثر من موقع وحالة وموقف، ومن هنا لا بد لنا من إبراز الجوانب الإيجابية ودعم المبادرات الخلاقة لتكون نبراسا ومنارة لأبناء هذا المجتمع.
– علينا الا نغفل عن دور الاسرة والبيت الواحد الذي هو الحضن الدافئ والحصن المنيع في وجه الاعاصير العاتية العاصفة بنا، ولذلك علينا العمل على البرامج التربوية الهادفة التي تتخطى الفرد بعينه وتكون موجهة وجامعة لأبناء الاسرة الواحدة.
– من خلال تغربي عن البلاد لسنوات بتّ ألاحظ عند زياراتي المتكررة للبلاد حجم تعلق الأفراد بالأجهزة الذكية من هواتف ومشتقاتها، وتأثرهم بالثقافات الدخيلة علينا التي تبثها مواقع “التواصل الاجتماعي” والتي هي غالبا ما تكون براء من التواصل بل لعلي اسميها مواقع “تقطيع الاواصر الاجتماعية” وبالتالي يجب إيجاد مخطط شامل لمحاربة وسائل الدمار هذه أو ترشيد استعمالها لما فيه من منفعة.
– من خلال عملي في حقل الآثار والتراث وتجربتي الشخصية في الحقل التعليمي لسنوات أدرك كم يتعطش أبناؤنا للنشاط واللعب والخروج والاستكشاف، إلا اننا وللأسف وبسبب ما اصابنا من خمول ونمط الحياة الاستهلاكي، بتنا نفتقد الى النشاطات الجامعة المحفزة.
– ولعلي هنا أوجه رسالة ونداء الى الجميع بضرورة الخروج من “العالم الافتراضي” والعيش في العالم الواقعي الذي هو أجمل من ذاك العالم المتخيل: بالإمكان التجول في البلاد، زيارة الأماكن المختلفة، القيام بجولات في الطبيعة والانهر والوديان والتخييم فيها، القيام بنشاط رياضي يجمع أبناء الاسرة ويقربهم لبعضهم البعض.
– مما لا شك فيه ان الوضع المادي ونمط الحياة الاستهلاكية التي نعيش له اثر مباشر على حالنا، وكذلك له انعكاسات على المجتمع والفرد، وبالتالي علينا عدم اغفال هذا الجانب والعناية به من خلال العمل على إقامة لجان ونشاطات لترشيد الاستهلاك.

في النهاية لا بد لنا من أن نؤكد بأنّ ناقوس الخطر اصبح يعصف بنا جميعا، ولا بد لنا من حراك جاد وتكاتف للجهود من اجل الحفاظ على مجتمعنا والتصدي لهذه الآفة، وفي هذا المقام نستذكر حديث الرسول الاكرم ﷺ في حديثه عمن ضيع حدود الله مرشدنا الى الحل: “مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا”.

أعاننا الله وإياكم في الوصول بسفينتنا إلى بر الأمان وحفظنا الله وإياكم من كل سوء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى