أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (127) لا هيَ انتخاباتُنا ولا هو برلمانُنا!! (2-2) ديماغوغيا الخطاب الفارغ من المضمون

معركة الوعي (127)

لا هيَ انتخاباتُنا ولا هو برلمانُنا!! (2-2)

ديماغوغيا الخطاب الفارغ من المضمون

 

حامد اغبارية

 

(1)

لا يكفي أن تكون مفوّهًا، ومتحدّثًا جيّدًا حتى تكون مقنعًا. أنت تحتاج إلى أن تكون صادقًا، شفّافًا، واضح الرؤية، صريحًا، متواضعًا، فأنت تخاطب جمهورًا واعيًا مسيّسًا يملك القدرة على اكتشاف الحقيقة، حقيقتك أنت، حتى لو صوّت لك في انتخابات الكنيست، فإنه إنّما يفعل ذلك ليس لأجلك، بل لاعتقاده (الخاطيء) أنه يفعل ذلك لأجله هو، إذ ربما تتحقق المعجزة!!

نعم، يملك قادة أحزاب الكنيست العربية قدرة كبيرة على الخطاب، وألسنتهم لا تتوقف عن دحرجة الكلام وتشكيله ليلامس عواطف الجمهور فيدغدغها ويستفزّها، لكنّهم لا يملكون أكثر من هذا. إنهم لم يقفوا يوما أمام الجمهور بصدق ليقولوا لهم: لقد فشلنا، ونعترف أن الطريق الذي سرنا فيه كان خاطئًا. هذه صفات يفتقدها قادة تلك الأحزاب، بل ويجتهدون أكثر لإخفائها أثناء الحملات الانتخابية ، فيكثر تضخيم الإنجازات الوهمية، ويرتفع مستوى نثر الوعود وتزيين الصورة القبيحة، كما يكثر الكلام عن ضرورة عدم تفويت الفُرص السانحة؛ تلك الفُرص التي ما فتيء الجمهور يسمع عنها (ولا يراها) منذ عقود.

المشكلة أن هذه الأحزاب لم تفوّت فرصة واحدة لصفع جمهورها على خدّيه. لكنّها فوّتت كل الفُرص السانحة لتنال احترام الجمهور، من خلال التحلّي بالشّجاعة المطلوبة لقول الحقيقة. والحقيقة التي يُطالَب هؤلاء بقولها هي أن الكنيست الصهيوني ليست فيه أيّة منفعة لمجتمع الداخل الفلسطيني، وأن ثمن المشاركة فيه باهظ إلى درجة الخسران المبين، وأن الخاسر الوحيد هو المجتمع، وإنْ ربحت تلك الأحزاب مواقع في تلك البؤرة الخطيرة المسمّاة “كنيست”.

من الجانب الآخر فإن الجمهور، أو بتعبير أدقّ شرائح من ذلك الجمهور، التي تصدّق خزعبلات الأحزاب تعاني من مشكلة حقيقية. فتصديق الكلام الفارغ من المضمون والتصفيق للقائد المفوّه والخطيب الذي لا يُشقّ له غبار، والذي يعرف كيف يُلاعب الإعلام (خاصّة الإعلام العبري!!)، والذي يُتقن الرّقص ونفخ أوداج الغضب من على منصّة الكنيست، هذا كلّه يعني أن هذا الجمهور لا يملك المناعة، ولا الوعي السّياسي الذي يساعده في فهم ما بين السطور وما وراءها، ولا يرى الحقائق كما يجب أن تُرى، ضيّق الأفق، عاطفي، سريع التأثر بالخطابات الديماغوية. وللأسف فإن جمهور الداخل يوجد بين ظهرانيه شرائح كهذه، هي التي تساهم في استمرار اللعبة الخطرة.

خلاصة القول إنه لا مصداقية لخطابات انتخابية فارغة من المضمون، ليس فيها صدق ولا شفافية ولا مسؤولية أخلاقية. وغاية ما في الأمر أن تلك الأحزاب تمارس على الجمهور لعبة اسمها: سوف.. نأمل، نرجو، نتمنّى، قدْ، ربّما. وهذه ليست ألغاز وليس فيها تعقيد، ويسهل فهمها. فهي تخاطب الجمهور منذ سبعين سنة وأكثر بأنها سوف تعمل من أجل كذا، وتأمل في أن تستجيب الحكومة الجديدة للمطالب كذا، ولا تغدر ولا تنقض الوعود، وتتمنى أن تكون الأمور هذه المرة أفضل من سابقاتها، وقد تنجح في تحصيل بعض الحقوق، وربما ستتمكن هذه المرة من الضغط على السلطات… وهكذا دواليكّ!

وإنك إذا نظرت إلى حال مجتمعنا (على مستوى الحقوق اليومية فقط، وهي ليست الهمّ الأكبر) فإنك ستندهش من حجم تفاقم الأوضاع وازديادها سوءًا، حتى لكأن أحزاب الكنيست أخذت على نفسها هذه المهمة.

لم يتحسن شيء واحد في حياة النّاس الذين تزعم الك الأحزاب أنها تعمل من أجل مصلحتهم ورفع مستوى معيشتهم ووقف سياسات التمييز العنصري تجاههم، في شتى مجالات الحياة، بدءا من لقمة الخبز والتعليم ومرورا بالمسكن وليس انتهاء بحرية التعبير وغير ذلك من الحقوق الأساسية. لقد ازدادت الأوضاع سوءًا يفوق التّصوّر!!

والسؤال: إلى متى سيبقى مجتمع الداخل الفلسطيني يحيا على سوف وربّما؟ كم سنة، بل كم عقدًا يحتاج حتى يخرج من عنق الزجاجة؟ أم أن قدره أن يكون مرتبطًا بحبل السّرة بتلك الكذبة المضلِّلة التي تسمى “الكنيست”؟ وهل يقبل مجتمعٌ لديه من القدرات الكثير ومن الإمكانات ما لا يُحصى أن يبقى مصيره معلّقًا بخطابات رنّانة خالية من أي مضمون حقيقي، ولا تسمن ولا تغني  من جوع؟ هل يرضى أن يبقى داخل تلك الفقّاعة جالسا على الجدار ينتظر الفرج الذي لن يأتي؟

(2)

انتهت أحزاب الكنيست العربية من لعبة الكراسي وترتيب القوائم التي شهد بعضها مواقف تعكس المستوى الحقيقي، وتؤكد أن الصّراع على الكرسي وعلى الموقع هو المحرّك الوحيد لها، وأن مصلحة الجمهور ليس لها أهمية ولا مكان، وهي الآن تستعد لشن الهجوم الكاسح على ذلك الجمهور، لتبدأ وصلة جديدة من استدرار العواطف وابتزاز المواقف وغسل الأدمغة بذات الطريقة وذات الخطاب.

فإذا كان جمهور الدّاخل واعيا لحقيقة المشهد ويرى الصورة كاملة، وأظن أن أغلب أبناء مجتمعنا كذلك، فإن سلوكه لا بدّ أن يكون مختلفًا، ومخالفًا لتوقعات أحزاب الكنيست العربية، التي تبني آمالها في كلّ مرة على التضليل.

نعم، لن نفقد الثقة بأن غالبية جمهور الداخل يملك من الفهم والوعي والإدراك ما يجعله يمسك زمام أمره بنفسه، ويسحب ثقته بلعبة الكنيست نهائيا. ولكن تبقى مشكلة واحدة يحسُن العمل على تفكيكها عُقدة عُقدة: بين هذا الجمهور شريحة أو أكثر تعتقد (إلى الآن) أنه ليس هناك بديل، وأنه لا بأس من خوض التجربة مرة تلو المرة حتى تأت اللحظة التي – ربما- تنجح فيها عجلة الحظّ في التوقف عند الرقم الرابح!!

هذه الشريحة أو الشرائح تعلم أنها مجرّد لعبة، وهي تفهم خطورتها بقدر فهمها لخطورة القفز من طائرة دون مظلة، لكنها تعيش حالة من الاقتناع الذاتي بأن معجزةً ما قد تحدث. وداخل هذه الشرائح جمهور لا مبالٍ، استمرأ اللعبة لأنه منتفع منها شخصيا.

يجدر العمل على إخراج هذه الشرائح من أزمتها تلك، لترى حقيقة الصورة، ولتكتشف- أخيرا- أن هناك حياة أخرى خارج الكنيست أفضل منها، وأن المطلوب فقط هو أن يمدّ أبناء تلك الشرائح أيديهم ويساهموا بجهدهم في التغيير، وعدم الاكتفاء بانتظار المعجزات، في زمن لا معجزات فيه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى