أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (126) لا هيَ انتخاباتُنا ولا هو برلمانُنا!! (1-2) حالة إفلاس في الأداء والنهج والإنجاز

 

حامد اغبارية

 

من العجيب، وأنت تتابع تحرّكات وتصريحات قيادات أحزاب الكنيست الصهيوني العربية، أنْ تجدهم يصوّرون قضية الانتخابات القادمة لسنهدرين المشروع الصهيوني وكأنها قضية مصيرية يتعلق بها مستقبلنا كلّه، بينما حقيقتها أنها تهدد مصيرنا ومستقبلنا.

تكون الأجواء (عندهم) في سبات عميق يعلو منه الغطيط المزعج، حتى إذا جاءت الانتخابات تراهم ينتفضون انتفاضة رجل واحد، وتدبّ فيهم الرّوح وتنبعث فيهم الحياة من جديد، ويعلو الضجيج وتنشط جهات الأرض الأربع. كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل انتخابات الكنيست الذي يقرّون في كل تصريحاتهم ومقابلاتهم الإعلامية أنه على مدار أكثر من سبعة عقود لم تحقق هذه المشاركة شيئا ذا شأن أو ذا قيمة لمجتمع الداخل الفلسطيني، سواء على مستوى الحقوق اليومية والقضايا التي تهمّه، أو على مستوى قضية الصراع على فلسطين.

في تدوينة له على صفحته في منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يتحدّث الدكتور منصور عباس عن الانتخابات القادمة وكأنها فعلا انتخابات “الّذين خَلّفونا”، وكأنها تحصيل حاصل لا يمكن التخلي عنه!! يتحدّث – بكل تسطيح- عن أنه رغم وجود اختلافات في وجهات النّظر والنهج بين الأحزاب العربية فإن على العربي أن يعي أنه لا يوجد من يمثله سوى الأحزاب العربية، لأن التأثير الحقيقي على المعادلة السياسية مرتبط فقط بوزن وقدرة تأثير هذه الأحزاب!!

أريد أن أفترض أن هذا الكلام صحيح، وهو ليس كذلك لأن “أم المعارك” التي لا تعرف أحزاب الكنيست غيرها، تشهد في كلّ مرة حروب داحس والغبراء بين تلك الأحزاب، وهناك يهبط الخطاب إلى أدنى المستويات، كما رأينا وسمعنا في مرات سابقة، غير أن هذا الكلام لو كان فيه شيء من الصحة لكان يليق بانتخابات لنا فيها ناقة أو بعير أو حتى بعرة بعير. ولو صحَّ كذلك لكان قد تحقق في انتخابات 2015 عندما حصلت المشتركة بأحزابها الأربعة على ثلاثة عشر عضوا، ليصبحوا “القوّة الثالثة” بعد الليكود والمعسكر الصهيوني، ومع ذلك لم يحققوا شيئا، ليثبت فشل نظرية “التأثير من الداخل”!! ثم وجدت الموحدة بنهجها الجديد أن التأثير من داخل الداخل هو الذي سيغيّر المعادلة، لكنّ المعادلة لم تتغيّر، بل أصبحت أكثر تعقيدا، وكان الثمن باهظا والمقابل لا شيء. أمَا وإنّ الملعب ليس ملعبنا، وإن الكنيست ليس برلماننا ولا الانتخابات انتخاباتنا، وإننا لم نرثهما بالطابو والكوشان عن آبائنا وأجدادنا. فلأي شيء كل هذا الضجيج؟ لأي شيء كل هذه الفقّاعات البهلوانية والبالونات المنتفخة المليئة بالهواء؟ إن أحزاب الكنيست العربية ليست أكثر من أصباغ تجميلية بألوان صارخة ومساحيق برّاقة سريعة الزوال تستخدمها المؤسسة الإسرائيلية لتجميل قُبح وجهها وسوء أفعالها وخطورة سياساتها.

لقد اتّضح لأحزاب الكنيست العربية أن وضعها يسير من سيء إلى أسوأ، وأن هناك احتمالا كبيرا، له ألف مبرر ومبرر، أن يعزف جمهور المصوّتين عن التصويت في الانتخابات القادمة، بعد أن عاين حالة التردّي في الأداء ومستوى الخطاب ومضمونه وفي الإنجازات التي لم يتحقق منها شيء. لذلك فإن هذه النغمة اللطيفة (غير الطبيعية) في كلام عضو الكنيست عباس ليس لها سوى تفسير واحد: المهم التصويت بأي ثمن لضمان البقاء. ولسوف تروْن كيف سيكون لسان الحال والمقال عندما تسخن الأجواء وتبدأ حملات الانتخابات من كافة الأطراف.

في مكان آخر يقول عضو الكنيست عبّاس إنه “ليس من الحكمة أن تتولى جهة واحدة كافّة المهام والمسؤوليات، وإنه من الطبيعي أن يكون هناك تقسيم أدوار، بحيث يأخذ كلٌّ منا (يقصد منهم) دوره ويهتمّ في مجاله، وهذا من شأنه أن يصنع تكاملا في العمل، وشرعيٌّ أيضا أن يتبنى كلّ منّا أسلوبه ونهجه الخاص في سبيل القيام بدوره على أفضل ما يكون….”.

كلام في ظاهره جميل. وهو يصلح لكلّ شيء إلا العمل السياسي، خاصّة في حالتنا كمجتمع فلسطيني. فما حقيقة هذا الكلام؟

إنه “حُسن تخلّص” من الموقف ومن السؤال الذي يقول إن أحدهم وجهه إليه حول شعار (دورنا الأهم في البرلمان خدمة مصالح شعبنا وتحسين حياته) قائلا: هل هذا كل ما هو مهمّ لكم فقط؟

إن الحديث عن “تقسيم الأدوار” يُفهم منه أن المقصود هو أن أحزاب الكنيست العربية لكلّ منها دور: للموحدة دور، وللمشتركة دور!! فهل هذه هي الحقيقة؟ هل هناك تقاسم أدوار فعلا؟ أما الحديث عن “شرعية الأسلوب والنّهج” فهو ليس أكثر من محاولة لتبرير الفشل الذي حققه نهج الموحدة أثناء مشاركتها في الائتلاف الحكومي. فهي لم تؤدِّ دورها “على أفضل ما يكون”، ذلك أن نهج الموحدة على وجه الخصوص تجاوز كلّ خط. وهذا لا يعني أن نهج المشتركة ونهج أحزابها أفضل حالا. بل هو في ذات السياق وسيأتي الكلام عنه لاحقًا.

لا أريد ن أشكك في وعي عضو الكنيست عباس لواقع السياسة الإسرائيلية، ولكن الذي يعي هذا الواقع ولا يتصرف حسب هذا الوعي فإنّ حاله كحال الذي يغرف ماء البحر في غربال. فواقع السياسة الإسرائيلية كما نعرفه من التجربة ومن الممارسة على أرض الواقع ليس لمجتمع الداخل الفلسطيني فيه مكان، واحتمالات التأثير فيه تساوي صفرا. وكان حريّا بالموحدة والحركة الجنوبية – بالذات لوعيها وإدراكها لواقع هذه السياسة- أن تنسحب من هذه اللعبة الخطرة وتطوي هذا الملف إلى الأبد، بدلا من أن تخرج في كلّ مرة لتقول للناس مثل هذا الكلام.

نعم، ربما أن عضو الكنيست عباس لا يسعى إلى “تغيير عقليات ونفسيات اليهود” كما يقول، لإدراكه أنه لن ينجح في ذلك. لكن المصيبة أن اليهود نجحوا نجاحا مُبهرا في تغيير عقليته ونفسيته هو شخصيا وحزبه معه ومعهما التنظيم الذي يمثله. وهذا ليس تحليلا ولا مجرد كلام بلا رصيد، بل تؤكده تصريحات عضو الكنيست عباس منذ دخل الكنيست (حتى من أيام المشتركة الأولى). فهناك تجد ذلك التدرّج في نجاح اليهود في تغيير عقليته ونفسيته، التي انعكست على مواقفه وممارساته التي تبّناها حزبه وتنظيمه إما تصريحا وإما تلميحا وإما سكوتا. وهذه الحكاية الموجعة لم تأت على نهايتها بعدُ. فهناك فصول أخرى ربما سيكون فيها أكثر بكثير وأسوأ بكثير مما سمعنا حتى الآن. (يتبع).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى