غير مصنف

مواسم الأرباح

محمود ياسين

 

قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).

مواسم الأرباح.. هي الأزمنة التي طرح الله فيها البركة، وألقى في ثناياها الرحمة؛ فالشفاء فيها اسهل، والهداية اقرب، والمغفرة ارجى، وطلب الامن من صاحب الأمان أوقع، والرحمات تنهمر بحيث لو كشفت الحجاب عن الابصار لعاينت تنزيل الرحمات كالأمطار الغرار؛ فكم لله فيها عين حرمت على النار؟ وكم وضع فيها من ثقل الاوزار؟ وكم اعطى سائل سؤاله؟ ومدرك أمله، لذا تغتاظ الشياطين، وتسر الملائكة، وتنخذل النفس الامارة بالسوء أمام قوة التقوى، ويجيب داعي الخير الكثير من الخلق ومن أول كلمة؛ فاغتنم مواسم الأرباح هذه، وادخل من أبواب التوبة التي لا تغلق وبادر. وبالله عليك اخي الحبيب، لا تغفل عن هذه الفرصة فتندم؛ وادخل في أجواء الاستشفاء، فترة من الزمن وتعرض لسيل مكثف من نفحات الحق اثناء موسم من مواسم الخير المنهمرة، كشهر رمضان حيث قال سبحانه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، أو عشر ذو الحجة حيث قال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ )، أو فترة اقصر كيوم الجمعة حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)؛ وكل هذا يعظم مفعول الدواء فيعجل بتطهير القلب، ويسرع بشفائه ببركة هذه الأزمنة المباركة والنفحات الطيبة.

والازمنة الكريمة عند الله سبحانه وتعالى مثل: السنين المخصصة للزراعة تكثر بركتها ويفيض نتاجها ويعم خيرها، وكالليالي المقمرة للمسافرين تطوى فيها الأرض وتقطع المسافات ويدنو الوصول ويلوح الهدف، فكذلك العامل لله في الأوقات الشريفة تزكوا اعماله فيها اضعاف ما تزكو فيما سواها، لأنه سبحانه اصطفاها لعباده من بين غيرها، وهو سبحانه وتعالى يعطي ما يشاء ومتى شاء.

وليس الامر مقصورًا على المواسم الفاضلة فحسب، بل يتعداه ليشمل كل ساعات المد الروحي التي تمر بها لتغتنمها في غمر ما مات من انحاء قلبك وثنايا روحك، وهذه الساعات هي: أي ساعة اشرقت فيها انوار ولذائذ عفوه، واغتنامها بأن نغسل فيها بمياه الخشية، وتستنصر الله على من بغى عليك.

يا الله، صرخة معناها: ما اسرع نصرته إلى المستنجدين، فمد يدك لتستقي سحب رحمته، وتتقلب في رضوانه؛ وادع الله سبحانه وتعالى أن يديم عليك النعمة الزائدة، ويثبت الهداية العابرة ويركزها في القلب، واسمع وصية العرب تقول: “اسر وقمر لك” أي اغتنم طلوع القمر؛ فسر في ضوئه ما دام طالعًا قبل أن يغيب فتخبط الظلمة وتضل الطريق؛ وانت كذلك اغتنم شروق شمس الهداية في قلبك، وبادر غروبها بذلًا وعملًا، وجدًا واجتهادًا، قبل أن تدلي ظلمة الاهواء استارها.

بادر الفرصة، واحذر فواتها، فبلوغ العز في نيل الفرص، فابتدر مسعاك واعلم أن من بادر الصيد مع الفجر قنص.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى