أخبار رئيسية إضافيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

زينة.. لبنانية تتغلب على الصمم بالرسم

في بلدٍ منهار اقتصادياً يعاني أشدّ أزمةٍ مرّت بتاريخه، لبنان، يعاني أصحاب الهمم من ذوي إعاقة السمع والنطق، صعوبات كبيرة في تطوير ذاتهم ومهاراتهم وحتى تلقّي العلاج.

واقع جعل حياة هذه الفئة من الناس بالغة الصعوبة، لدرجة تعذّر الحصول على الحق بحياة كريمة.

زينة سليم صافي، شابة لبنانية، 28 عاماً، تمثّل نموذجاً استثنائياً للتغلّب على كل التحديات التي اعترضتها كشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.

بالإرادة والإصرار، استطاعت زينة اجتياز كلّ العقبات وتحدّي مشاكلها الجسدية بنجاح، والقفز فوق ظروف الإعاقة الصعبة.

وجدت زينة في الرسم، بلوحاته وألوانه، سبيلاً ليس فقط للتعبير عن نفسها، بل لتطوير موهبتها جنباً إلى جنب مع مساعدة أهلها وشراء سمّاعاتٍ طبية لأذنيها.

 تمتدّ حكاية زينة مع الرسم منذ أن كانت بعمر 14 عاماً.

منذ ذلك الوقت وجدت زينة بالرسم متنفّساً للتعبير عن قدراتها والسعي لتحقيق حلمها يوماً ما بافتتاح معرضها الخاص.

زينة صافي، التي حال وضعها الماليّ دون الدخول إلى المدرسة، تعيش في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة طرابلس شمال لبنان.

من منطقتها المحرومة، توظّف زينة موهبتها لرسم الجيران والمعارف بشكل خاص.

مئات اللوحات الشخصية “البورتريه” واللوحات على اختلاف مواضيعها، أنجزتها زينة وتوزّعت على الكثير من منازل المدينة.

استخدمت زينة لغة الإشارة لتوضيح معاناتها، فهي لم تستطع دخول مدرسة خاصة بالصم والبكم نظراً لتكاليفها الباهظة.

لفتت زينة إلى أنها اكتشفت موهبتها بالرسم منذ أن كان عمرها 14 عاماً، عندما حاولت رسم شجرة فظهرت الرسمة مشابهة جداً للواقع “وكأنها التُقطت بكاميرا”.

وقالت إنها تستخدم في رسوماتها ألوان الخشب والفحم والرصاص والأقلام الجافة والألوان المائية، كما أنها ترسم على الزجاج”.

وأضافت “لم أرسم حتى اللحظة صورة لأي من السياسيين في بلدي و لكن أول رسم لشخصية سياسية عالمية كانت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأني أحب شخصيته و أحترم طريقة تعامله مع من يقصده من كافة الشعوب”.

وأوضحت زينة أن هدفها الأول من رسم اللوحات وبيعها هو مساعدة أهلها بمصاريف المنزل، إضافةً إلى تأمين ثمن سمّاعة أذن لها لكي تسهّل عليها حياتها الاجتماعية، لكن ذلك لم يتحقق بسبب غلاء ثمن السماعات وأيضا المواد والأدوات التي تستخدمها في الرسم.

وقالت “من أهم طموحاتي أن أسافر إلى الخارج، حيث يهتمون بالفنّ الذي أقدّمه ويقدّرون موهبتي”.

عائلة زينة متواضعة جداً بحيث لا تملك المال الكافي لشراء السماعات الطبية، خاصةً أن العائلة تتكوّن من 8 أشخاص مع الأم والأب” ما يزيد أعباء الحياة.

وقالت منى نابلسي (والدة زينة)، إن لديها ولدين غير زينة لديهم المشكلة نفسها، ضعف بالسمع والنطق، ويواجهون صعوبات كثيرة في الحياة بسبب عدم تقبلهم من المجتمع الذي يعيشون فيه”.

وقالت إن ابنتها لديها موهبة الرسم على الزجاج والورق والخشب، إضافة الى هواية الأشغال اليدوية”.

ولفتت إلى أن زينة بحاجة لدعم، وخاصة أنه في لبنان لا يوجد دولة تدعم مواهب كهذه، لذلك تعاني صعوبات في كل شيء”.

وأوضحت أن ابنتها تعاني من ضعف سمع شديد منذ الولادة، إضافةً لمرضها بـ داء السكري.

واشتكت نابلسي من ثمن السماعات الباهظ بالنسبة لهم، ولفتت إلى أن الأطباء قالوا إنه في حال استخدامها يتحسن النطق لدى زينة”.

وتحدثت عن موهبة الرسم الممتازة لدى زينة، وقالت إنها “تتقاضى مبالغ بسيطة من الزبائن لتتمكن من شراء بطاريات وسماعات أذن لها”.

ولفتت إلى أن لدى ابنتها طموحات كبيرة في الحياة، منها أنها تطمح أن يكون لديها معرضها الخاص لتعرض أعمالها الفنية”.

وأضافت نابلسي أن زينة “تريد أن تسافر خارج البلاد حيث تلقى اهتماماً من الجمعيات ودول تحترم ذوي إعاقة السمع والنطق، ويهتمّون بمواهبها”.

 القانون اللبناني

بحسب حقوقيين لبنانيين، لا حقوق لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان على أرض الواقع، فالقانون 220/2000 غير مطبق بمعظمه حتى الآن.

القانون يضمن (على الورق) حق السكن والتنقل والتعليم، ويخصص كوتا توظيف في القطاعين العام والخاص بنسبة 3 بالمئة في كلّ منهما، والحق في الصحة والبيئة المؤهّلة، والإعفاء من بعض الضرائب والخدمات العامّة، إضافة إلى الحقوق السياسية والرياضية”.

إضافةً إلى عدم تطبيق القانون، لم يصدّق لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2006، كأول اتفاقية عالمية لحقوق الاشخاص المعوّقين، رغم أن لبنان شارك بصياغتها.

ويقول حقوقيون إن لبنان يتعامل مع حقوق الإنسان عامّة وذوي الإعاقة خاصةً على أنها ليست أولوية، رغم أنهم يشكلون 15 بالمئة من عدد السكان، بحسب تقرير البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.

ووسط هذا التهميش الرسمي، والأوضاع الاقتصادية المزرية، يجد ذوو الإعاقة أنفسهم في مواجهة حياةٍ يصعب فيها حتى تأمين لقمة العيش.

لكن وزارة الشؤون تقدم عدة خدمات لهذه الفئة من المواطنين، حيث تتعاقد مع 102 مؤسسة رعاية منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، لرعاية 8500 شخص من ذوي الإعاقة.

من ذلك “بطاقة معوّق” التي يستفيد حاملها من خدمات نصّ عليها قانون المعوّقين، ويتعلق جزء منها بالإعفاءات وجزء بالحوافز، وجزء آخر بخدمات إعانة، مثل كرسي متحرك وأطراف صناعية، وسمّاعات أذن، وحفاضات وأمصال، إضافة إلى تقديمات سُلف مالية.

إضافة للتدريب والرعاية والتأهيل، تقدم الوزارة خدمات خاصة بحسب نوع الإعاقة التي يعانيها الشخص، فضلاً عن الرعاية الصحية توفير الدواء مجاناً (إن وُجِد) في مراكز الخدمات الإنمائية.

كما يستفيد ذوو الإعاقة، وفق القانون، من تغطية 100 بالمئة لفاتورة استشفائهم في المستشفيات الحكومية، لكن هذا الأمر لم يعد متاحاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية المتزايدة في لبنان.

الجدير بالذكر، أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان دفعت الطبقة الحاكمة إلى اتخاذ قرارات تقشّفية لم تستثنِ ذوي الإعاقة.

فقد خفّضت الدولة المبالغ المرصودة للإنفاق على هذه الشريحة من المجتمع، في إطار خطة رفع الدعم عن الكثير من المواد بما في ذلك الغذائية منها والعلاجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى