أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

القائمة الموحدة وبيت الدبابير

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

قامت إسرائيل على ثنائية اليهودية والديموقراطية، وحسمت بقانون القومية عام 2018 جدلًا طال أمده في الأكاديميا الإسرائيلية، حول أيهما يتم تقديمه: اليهودية أم الديموقراطية، كما حسمت سؤال الدولة: هل هي دولة يهودية أم هي دولة لليهود، أم هي دولة اليهود. وبذلك تحددت داخليًا ماهية العلاقات مع غير اليهود وكيف ستكون هذه العلاقة، وكان حسم أنّها دولة يهودية وأنها لليهود، مفتاحًا لجدل بدأت تطفو معالمه حول الديموقراطية وكيف يجب أنْ تكون في ظل تقديم الدين والقومية، برسم تداخلاتهما في سياق اليهود واليهودية على الديموقراطية.

من نافلة القول بيان ما ذكر في محاضرة نائب وزير الأديان، ميتان كهانا، الذي تمنّى لو يكبس على زر فينتقل العرب إلى سويسرا، ذلكم أنّ المنطق الأيديولوجي هو الحاكم في جدل العلاقة القائم معنا نحن أصحاب البلاد. وقد أثبتت التجارب السياسية العلمية أن الدول التي تعاطت مع الأقليات من بوابة الأيديولوجيا، وصلت إلى فضاءات القتل والاعدامات والإبادة لهذه الأقليات.

 

السيولة السياسية..

لا شك أنَّ دخول القائمة العربية الموحدة إلى “القصر” بيانٌ لحجم السيولة السياسية التي تمرّ بها البلاد، ولا أعتقد أن هناك دولة في العالم تعيش مثل هذه السيولة السياسية كالتي نعيش، فمن كان يتوقع على سبيل المثال لا الحصر أنْ يجتمع السياسي الذرائعي ممثلًا بالموحدة، مع الأيديولوجي ممثلًا بحزب يمينا إلى جانبه ميرتس اليسارية، رافعة شأن الشواذ جنسيًا، والمتحصلة وبموافقة الموحدة على مبلغ مليوني شيقل دعمًا لهم ولمواقفهم ولمناصرتهم إعلاميًا. وفي هذا السياق تحديدًا وقعت الموحدة، وهنا أتناول الموضوع بشكل مجرد ومن باب البيان لا المناكفة بالتناقض بين المعتقد والسياسي بسياقه المصلحي، فقدمت الموحّدة الأخيرة على الأولى متناسية خطورة إشاعة الفاحشة.

لا شكَّ أنَّ دخول الموحدة إلى “القصر” ساهم في أن تكون صانعة أحداث وتكون محل نقاش وجدال طويلين ضجّت بهما أوراق الصحف ووسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها، سواء كانت عربية أو عبرية، بل وجُرَّ إلى هذه الحلبة الإعلام الخارجي العربي والأجنبي، وهذا بحد ذاته بيانٌ لمقدار السيولة السياسية التي تعيشها البلاد، وفي الوقت ذاته خلقت جدلًا كبيرًا داخل صفوف الحركة الصهيونية على كافة اتجاهاتها وتوجهاتها الأيديولوجية وسيحسب لها قادمًا أنها حرّكت بيت الدبابير(المكونات الصهيونية) وخلقت داخله نقاشًا، كشف عن كثير من أخلاقيات وخبايا العقلية الصهيونية عمومًا والصهيونية الدينية على اختلاف توجهاتها في مسألة العلاقة معنا كأصحاب بلاد، إلى جانب ذلك، لا يخفى على المُراقب والمتابع للشأن السياسي المتعلق بالموحدة كم هي غارقة في لُجج الذرائعية السياسية، وكم تنازلت عن مواقف تتعلق بالقضية الفلسطينية لصالح استمرار وجودها في المحفل المسمى “القصر” وعلى الرغم من أنها قدّمت المطلبي على كل شيء، إلا أنّ هذا لم يشفع لها عندما لم يتم تمرير قانون فرض السيادة على الضفة الغربية على الرغم من أنّ الليكود وحركة الصهيونية الدينية- وهما الصقران في مسائل السيادة على الضفة الغربية- وعلى الرغم من الذرائعية السياسية التي يمتلكها الليكود في العمل السياسي دفعته للتصويت ضد القانون، وهذا لا يعني أنّه ضده، ولكنها الفرصة السياسية لإسقاط الخصم.

ولعل رسالة وزير المالية ليبرمان إلى عضو الكنيست اورباخ عن سياسات نتنياهو الذرائعية فيها بيان لما أشرت إليه، وقد أنزل اورباخ غضبه على الموحدة والنائب غنايم (صوّتا ضد القانون هذا فضلًا عن عضوين ينتميان إلى حزب يمينا الحاكم تغيبا عن التصويت)، في موقف سياسي مُراهق يتطلب حدًا كبيرًا من الوقاحة المبنية على منطق الفوقية والعلو في اتهام لعضوين عربيين أنهما وراء إسقاط القانون.

ومع كل ما ذكرت فإنَّ تباينات الحالة السياسية الإسرائيلية وسيولتها تكشف حجم الرتق القائم بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية، ولعلَّ الناظر إلى هذه الحكومة وتناقضاتها الأيديولوجية يكتشف سريعًا المواقف من الداخل الفلسطيني في علاقاته مع الكل الفلسطيني والهموم المشتركة.

السياسات الفوقية التي يقوم بها اليمين الحاكم اتجاه الداخل الفلسطيني في إطار سياسات المطلبي التي تعمل عليها الموحدة متجردة سياسةً من كل اعتبارات أخرى، تبين لنا الأزمة الأخلاقية التي تعيشها هذه الحكومة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أوامر الهدم والغرامات المالية التي فرضتها وزيرة الداخلية شاكيد الأسبوع المنصرم على عدد من المحال التجارية في المثلث وهدم بيوت، بيانٌ آخر لما ذكرت، وحِفاظ منها على ما تبقى من أصوات للناخبين الصهاينة من اليمين المحافظ أو المتدين تدينًا تقليديًا علهم يتحصلون عليها لاحقًا. أي أن العرب كل العرب بما في ذلك الموحدة بيادق بين يدي أصحاب القصر يتم استغلالهم أو الركوب عليهم للوصول إلى مصالحهم الخاصة.

ولذلك تدخل الموحدة مع ذاتها ومع محيطها ومع كل محب لها في أزمتين، راهنةً ومستقبلية، الأولى ما تحَّصلت عليه من مردودات تعود للمصوتين أو كي نكون اكثر دقة سلة الأصوات سواء في السياقات الوجودية أو المطلبية ويشكل النقب في هذه الحالة ميزان القبان.

والثانية أي المستقبلية حجم التداعيات التي يمكن أن يتأثر بها الداخل الفلسطيني بفضل هذه السياسة البرجماتية التي انتهجتها الموحدة بدعم مطلق من الحركة الإسلامية الجنوبية، خاصة المتعلقة بالسياسات ذات الصلة بالقدس والمسجد الأقصى وقضايا الأرض والمسكن، وهي القضايا الأكثر جوهرية في داخلنا الفلسطيني، غاضة الطرف عن مشكلات القضية الفلسطينية.

تصريحات نائب وزير الأديان متان كهانا هذا الأسبوع في ثانوية “على طريق الآباء” في مستوطنة “افرات” القائمة على أراض محتلة عام 1967 انه كان يتمنى لو يكبس على زرٍ فيرحل العرب جميعهم الى سويسرا ليحيوا هناك حياة طيبة هانئة، لأن هذه- البلاد برسم التوراة- لهم وحدهم وليس لأحد غيرهم حق فيها. هذه التصريحات جاءت لتكشف عن بعضٍ من الجدل العميق الذي شرع يعتور التيارات الدينية الصهيونية في أعقاب دخول الموحدة مع هذا الكشكول السياسي الحاكم، وهو ما يتساوق تمامًا مع ما كشفه استطلاع ليلة الثلاثاء، في القناة 12 عن حجم الموقف الإسرائيلي العام من مشاركة جهة عربية في الحكومة إذ أشار 53% من المستطلعين عن رفضهم مشاركة عرب في الحكومة و37% من الذين صوتوا للحكومة القائمة.

على الرغم من أنّ هذه الاستطلاعات لا تمثل مسطرة علمية يمكن الاعتماد عليها في التحليل السياسي لبناء سياسات، إلا أنه يمكن الاعتداد بها إذا ما جمعناها إلى حالتي التسييس والأدلجة التي تعمل عليها آلة الإعلام الإسرائيلية الساعية لتوجيه الرأي العام والتي تعمل بشكل منهجي لإعادة الليكود إلى سدة الحكم وتمكينه ثانية من السلطة.

سؤال المصلحة..

تعتبر نظرية المصلحة في الشريعة الإسلامية من القواعد المعتبرة شرعًا والتي لا يمكن تجاهلها في عصرنا الذي نعيش، ولا يمكن الغاؤها كما ذهب بعضٌ من المتكلمين (في هذا البيان انظر على سبيل المثال لا الحصر: حسين حامد حسان، في فقه المصلحة وتطبيقاته المعاصرة،1414هـ، جدة، ص23. وانظر: وهبة الزحيلي، أصول الفقه، ص783. وانظر: الإمام الطوفي، رسالة في رعاية المصلحة، ص23)، وقد حظيت بدراسات مستفيضة خاصة في العصر الذي نعيش عصر ما بعد الحداثة الذي هو  صناعة أوروبية 100% ولا شك عندي أنّ قادم الأيام سيعج بالدراسات الفقهية ذات الطابع المقاصدي والمصلحي متعلقًا بتجربة القائمة الموحدة وما قامت به من تجربة سياسية في وكر الدبابير وما تزال، وبعيدًا عن الموقف من دخول الموحدة القصر ومشاركتها القرار السياسي مع ما فيه من تعقيدات بين المدني-المطلبي والوطني وبين الديني- القومي، إلا أن ما يميز السياسة أنها فن الممكن القائم على أسس ثابتة خلاصاتها تحقيق المصلحة ولكلِ جهة هو موليها في فهم السياسة وعلاقاتها بالممكن الأيديولوجي ومنظومات الثوابت التي يؤمن بها ويعتقدها.

وبذلك يكون دخول الموحدة بيت الدبابير عملية تكاد تكون انتحارية في ظل القراءات التي تكاد تكون متناقضة وصلت حد الاقصاء والاحتواء، مع وضوح في أزمة تنشب يوميًا في المدرسة الصهيونية الدينية بعد أن بدا لهم تناقض القيم والأيديولوجيات مع المصالح العامة التي يستفيد منها عموم الناس وليس الجنس اليهودي الذي له ولأجله فقط قامت الدولة، ولذلك فإنَّ عمليات الإقصاء المنهجي الذي يمارسه عديد أقطاب اليمين من كافة التوجهات ومساعيهم التي لا تتوقف على وصم الموحدة تارة بالأخونة وتارة بكراهية اليهود وثالثة بأنهم يخفون مواقفهم الحقيقية من بقاء الدولة وأنها دولة لليهود كما كان قد صرح رئيس الموحدة سابقَا. ويكفي أن نقف قليلًا عند إثارتهم الدائمة لمسألة الأخونة وسؤال الولاء المطلق لنتبين حجم الأزمة التي يعيشون من جهة وكم هم في مراحل حسم العلاقة مستقبلًا معنا كأصحاب بلاد.

إنّ موضوع الأخونة تحديدًا يحمل في طياته أبعادًا ثاوية في النفسية اليهودية اليمينة الحاكمة التي تتشرب المعلومات والدروس من أقطاب اليمين سواء كانوا أكاديميين أو رجالات أمن سابقين، إذ تعتبر تصريحاتهم كالتوراة، بل أكثر ثقة وفي تلكم التصريحات بعض من الأبعاد الثاوية (في تصاريف الصراع القائم بين الحركة الصهيونية التي خضعت ولا تزال لرعاية أممية والإخوان المسلمين برسم أنهم أول من جنّد جند الانقاذ لفلسطين).

إنّ الإخوان المسلمين هم الرقم الصعب في المعادلة السياسية القائمة، إقليميًا وتُحدِثُ إسقاطاتها الفورية على مُشكَل العمل السياسي خصوصًا مع القائمة الموحدة ذات الخلفية الإسلامية، وقد بات دخولها بيت الدبابير “الصهيوني” والقصر من المسائل التي ستظل محل نقاشٍ وجدل على مختلف الساحات خاصة أولئك الذين يعتنون بالمستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى