أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (114).. كم من مصائر ونهايات مأساوية سيكون الأقصى شاهدا عليها؟

حامد اغبارية

ليؤمن مَن شاء بما شاء وبمن شاء، وليتخذ مِن المواقف ما يشاء، وليصدق أو يكذّب من يشاء وما يشاء، فهذا كلّه في نهاية الأمر لا يعني شيئا إلى جانب الحقائق؛ الإلهية والتاريخية والأثرية والجغرافية. وكذلك فإن اصطفاف الدنيا كلُّها إلى جانب الباطل أو إلى جانب رواية باطلة زائفة ملوثة بكل الأضاليل لا يعني أن هذا الجانب على حق. ولو أن هذا الجانب ملك من وسائل القوة المادية ما يؤهله إلى الانتفاش الذي يبلغ أقصى حدوده، ولو أن هذا الجانب بدا للعيان أنه هو الأقوى وأنه حقق انتصارات وأنه يحقق بعض أهدافه أو أغلب أهدافه، فإن هذا لا يمنحه حقا ولا يجعله شريكا ولا ذا سلطة على المكان، مثلما أنه ليست له سلطة حقيقية على الزمان وعلى الرواية. ولو أن هذا الباطل المنتفش انتفاشة الطاووس بلغ من تحقيق الأهداف حدًّا يقال فيه للناس إنه قد انتهى كل شيء، وأصبح زمام الأمور في يد ذلك الجانب وأن المسألة أصبحت خارج السيطرة، ولو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوم واحد، ولو لم يبق من ذلك اليوم الواحد إلا ساعة من نهار، فإن الموازين ستنقلب وتتغير مسارات ومسيرات ومصائر، وستدور الدنيا لتقف عند المكان وعند اللحظة التي هي جزء من العقيدة التي لا يخالجها ذرة من شك، بأن الحق لا بد أن ينتصر ويصبح أهل الحق هم الظاهرين. هذه عقيدة وليست مختبر تجارب.

بل أقول أكثر من ذلك: لو أن أهل الأرض كلّها، بمن فيهم أنظمة عار وخيانة وتطبيع من تلك التي تتلفع بثوب العروبة وعباءة الإسلام، ومن خلفهم جيوش العمالة والهزائم وكل شعوبهم، ولم يبق على جه الأرض من أهل الحق إلا تلك الفئة أو العصابة الصغيرة المستضعفة المستهدفة اليوم من كلاب العمالة وربائب الخيانة، لنصر الله تعالى تلك العصابة بطريقة لا تخطر على قلب بشر.

إنها قصة القدس والمسجد الأقصى..

لماذا؟

ذلك أن مستقبل الأرض ومصائر الأمم ونهايات ظالمة وبدايات عادلة تبدأ وتنتهي عند صخرة المسجد الأقصى المبارك التي عليها تُنسجُ آمال وتتحقق أهداف، وعليها تتحطم أوهام وأضاليل وخزعبلات.

تدور الأحداث والكوارث والحروب والنزاعات في كل بقعة من بقاع الأرض، يشعِلُ فتنها ويؤزُّ نارها من لا شُغل لهم إلا الإفساد في الأرض، ثم تدور الدنيا في كل مرّة وتعود إلى القدس والمسجد الأقصى. هذا قدر الله.

وأجزم أن هذا القدَرَ يفهمه ويدركه ويستوعبه قادة المشروع الصهيوني الذين اختطفوا اليهودية ليتاجروا بها من أجل أطماع مشروع علماني ملحد لا يؤمن بإله وليست له عقيدة سوى العقيدة الكولونيالية الاستخرابية. ولولا أنهم استخدموا الدين لما تحقق لهم شيء، ولما تمكنوا من نسج أوهام أكبر كذبة وأكبر عملية تزوير عرفتها البشرية على الإطلاق. ولو أنك راجعتَ نصوصهم الدينية من مصادرها الأصلية لوجدت أنهم أنفسهم لا يؤمنون أن لهم حقًا ليس في القدس والأقصى وحسب وإنما في أكنافهما كذلك. ولعلنا نعرف موقف حاخاماتهم من قضية الدولة وقضية الهيكل ومستقبله وعلاقته بالمسجد الأقصى، أو بالأحرى عدم علاقته به.

يأتي هذا الكلام في ظل تصاعد اعتداءات الاحتلال على الأقصى، سواء من طرف عصابات المستوطنين وحثالات جماعات الهيكل أو من قبل قوات أمن الاحتلال على اختلاف أنواعها وأشكالها ومن شاكلهم من سياسيين وحزبيين وغيرهم.

يأتي هذا الكلام لتوضيح مسألة هي في غاية الأهمية على خلفية ذلك الحديث السمج الذي يدعو أصحابه من قادة أنظمة عربية أو غربية أو شرقية أو أمم متحدة وما شابه من مؤسسات دولية إلى ما يسمى بالعودة إلى الوضع القائم في المسجد الأقصى، أو الحفاظ على ذلك الوضع. وكأن هذا الوضع القائم أو ما يعرف بمصطلحه الأجنبي الاستعماري (ستاتو كفو) هو غاية ما يسعى إليه الفلسطينيون والعرب والمسلمون، حتى بات تأمين استمرار (الوضع القائم) في الأقصى هدفا استراتيجيا عالميا يسعى الجميع إلى تحقيقه. لماذا؟ لأن هذا الوضع القائم هو أفضل وضع مريح لجميع الأطراف المتآمرة على مستقبل القدس والمسجد الأقصى المبارك لبقاء الحال على ما هو عليه من بقاء الاحتلال ومواصلة اللعب المميت للقضية أطول فترة ممكنة حتى يتمكن الاحتلال من الوصول إلى مرحلة زمنية يحقق فيها هدفه الأكبر دون أن يكون هناك رد فعل فلسطيني وعربي وإسلامي يكون بمستوى الحدث، رد فعل يمكنه أن يزلزل الأرض تحت أقدام الاحتلال، كما حدث ويحدث مؤخرا. فهل سيصل الاحتلال إلى هذه النقطة الفاصلة؟ أظنه لن تسعفه كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك. معنى هذا أنه قد فات من عمر احتلال القدس والأقصى ما يكفي من عقود لم يحقق فيها الاحتلال شيئا مما يحلم به، وليس باستطاعته أن يفعلها الآن. فهو أضعف وأكثر هشاشة مما مضى، رغم ما يبدو عليه من مظاهر بطش المفسدين وغطرسة الظالمين وانتفاش اللصوص.

إن الوضع القائم في الأقصى يعني الإبقاء على الاحتلال، وهذا ما لا يمكن أن يرضى به الفلسطيني الحر والعربي الأبيّ والمسلم صاحب العقيدة. إن الوضع الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه المسجد الأقصى هو وضع لا يكون فيه احتلال صهيوني ولا اقتحامات صهيونية ولا اعتداءات أمنية احتلالية على أصحاب البيت، والمسجد والأرض والوطن. وضع يكون فيه الأقصى في حالة بحيث إذا كنت فيه أو نظرت إليه شعرت بالطهارة التامة والنقاء الخالص، وأحسست بكل حواسك أن الهواء نظيف والفضاء خال من الشوائب والسوائب والثعالب.

ولأن الاحتلال أحمق عنيد فإنه – يا لحماقته- لا يمكن أن يتراجع، خاصة وأنه بنى احتلاله على عقيدة فاسدة اختطفها مشروعٌ ملحد من شريعة اليهود، وسيواصل ارتكاب الحماقات رغم علمه الأكيد أنه يسير في طريقٍ نهايتُه معروفة. وهذا أيضا شأن كل الذين يدعمون الاحتلال ويقفون وراء أهداف المشروع الصهيوني الاستعمارية ويمدونه بأسباب العيش من وسائل اقتصادية وسياسية وعسكرية وإعلامية. وذلك رغم أن الرؤوس الكبيرة التي تحرّك خيوط اللعبة تدرك تماما أن اللعبة خاسرة من أولها وأن نهايتها وخيمة، تماما كحال إبليس في إدراكه التام أن النهاية المحتومة التي عرّفها له رب العزة هي جهنم وساءت مصيرا، لكنه رغم ذلك سار في طريق الغواية كبرا وعنادا وكفرا، في أطول مُهلة زمنية يحصل عليها مخلوق محكوم عليه بأسوأ النهايات.

لذلك فإن قصة العالم وإن نهايات مأساوية كثيرة ومصائر أمم عاثت في الأرض فسادا وإفسادا وتخريبا، كلها مرتبطة بحال المسجد الأقصى المبارك. ومستقبل هؤلاء جميعا، بل مستقبل أمم الأرض كلها متعلقة بمصير المسجد الأقصى المبارك. ولأن الحمقى لا يتورعون عن ارتكاب الحماقات، فإن نهايات كثيرة ستكون بحاجة إلى خيال علمي عبقري لتصوير شكلها وتفاصيلها المرعبة. وكما أنه ستكون هناك نهايات للظالمين والفاسدين والمفسدين الذين ستتحطم أمجادهم الزائفة على صخرة القدس والأقصى، فإنه ستكون هناك بدايات جديدة تحمل راية العدالة لتنصف بها الأمم والشعوب التي طالها الظلم والقهر.

إلى ذلك الحين يبقى الوضع القائم في المسجد الأقصى خطرا محدقا بالأقصى، حتى يتشكل وضع جديد لا يكون للاحتلال فيه موطئ قدم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى