أخبار رئيسيةدين ودنيامقالاتومضات

طبخـة رمـضان

ليلى غليون

غالبًا ما تدور عجلات الحديث في المجالس النسائية في هذا الشهر الفضيل حول ما يسمى (طبخة رمضان) لتسأل الواحدة الأخرى: ماذا أحضر لك أهلك وإخوتك (طبخة رمضان) أو ماذا ستقدمين لأرحامك (طبخة رمضان) لتجيب إحداهن وقد اعتراها شعور بالزهو والرضا بأن إخوتها اشتروا لها سجادة فاخرة، أو غسالة، أو أي هدية ثمينة وتقول الأخرى وقد اعتراها نفس الشعور بأنهم اشتروا لها أسورة أو خاتما ذهبيًا، وتقول ثالثة بأنهم سلموها مبلغًا من المال تشتري ما يحلو لها، وتتهرب رابعة من الإجابة فتغير موجة الحديث إلى موضوع آخر لشعورها بالحرج والخجل!! من الهدية المتواضعة التي أحضرها لها أهلها وليتهم لم يحضروها! حتى لا يسببوا لها هذا الحرج الشديد أمام جاراتها أو سلفاتها خصوصًا سلفاتها!!

إن ما يسمى (طبخة رمضان) ليس واجبًا ولا تكليفًا شرعيًا، إنما هي عادة حسنة اعتاد عليها الناس في رمضان يتقربون من خلالها إلى الله تعالى بصلة أرحامهم مع العلم أن صلة الرحم واجبة في كل وقت، ولكن هناك من لا يعرفون أرحامهم إلا في رمضان أو أيام العيد، وهناك من أقسمت الأيمان الغلاظ بأنها تشتاق لسماع صوت إخوتها ولو عبر الهاتف، وهناك من تقول بأنها لا تريد منهم شيئًا، فزيارتهم لها أجمل هدية، ولكن رغم ذلك يجب أن نعترف أن ما يسمى (طبخة رمضان) أصبحت في الغالب وجاهة اجتماعية، لها دور بارز في ضعف العلاقات بين الأرحام وذوي القربى، وذلك لأننا أخرجنا هذه العادة الجميلة عن مفهومها الأصلي وهو التقرب إلى الله تعالى، وأدخلناها إلى ميدان التنافس الاجتماعي والوجاهة الاجتماعية، فمن دفع أكثر أو كانت هديته ثمينة يكون الشعور بالرضى والارتياح والمباهاة والافتخار بالأهل (وهيك الاهل والا بلاش)، وإذا كانت الهدية بسيطة كان الشعور (بقلة القيمة) وأن الأهل أو الإخوة لا يقدرون أرحامهم.

إن العبرة من طبخة رمضان هي الرحمة المتمثلة بالترابط الحميمي والعاطفي بين الإخوة والأخوات، وليس بالهدية أو بثمنها، فلا ترهقي أيتها الأخت الكريمة إخوتك نفسيًا وماديًا فلديهم من هذا الارهاق الشيء الكثير خصوصًا في هذه الفترة الزمنية بالذات التي كشرت الأزمة الاقتصادية الحادة عن أنيابها والتي إن لم نتداركها ستأكل الأخضر واليابس.

أما أنتم يا إخوتي صلوا أرحامكم، وازرعوا في قلوبهم البسمة والفرحة بهدية أو بغير هدية، ولا تكن صلتكم معهم في رمضان أو في العيد فقط فتكونوا ممن قيل فيهم (من العيد الى العيد تيطلوا عليك مرة).

والعين تعشق قبل المعدة أحيانا

أصناف الطعام التي تزين موائدنا ساعة الإفطار لا تعدّ ولا تحصى، ومعركة الصحون والملاعق التي تدور رحاها قبيل الإفطار لا تضع أوزارها إلا بعد أن تستغيث البطون وتستنجد بأصحابها بأن يكفوا عن حشوها بالطعام والشراب لأنه ما عاد متسع للمزيد.

هذه الصورة وللأسف الشديد أصبحت في الغالب صورة متكررة في رمضان وذلك لغياب المفهوم الحقيقي للصيام، بالإضافة للمفهوم الخاطئ لثقافة الاستهلاك وخصوصًا في رمضان، وقد يقول قائل بأن السوق الغذائية تحتوي على كل الأصناف مما لذ وطاب من الطعام والشراب، فعندما يذهب وهو صائم إلى محل بيع الحلوى مثلًا وتقع عينه على تشكيلة واسعة منها، لا يمكنه أن يقاوم إغراءها، أو إذا ذهب إلى المخبز رأى العديد من أنواع الخبز وأشكاله اللذيذة التي تجذب نظره، أو إذا ذهب إلى محلات بيع اللحوم رأى أنواعها المتعددة وتصنيفاتها المتنوعة التي تنبهر العين بمنظر ترتيبها مما يجعله عاجزًا عن مقاومتها ليشتري ما هو مطلوب وضروري وغير ضروري، كذلك الأمر في سوق الخضار والفاكهة، فعندما تقع عينه على كل هذه الأصناف فإنها تستهويها وتجبره على شرائها، فاذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت عين الصائم تستهوي وتعشق كل نوع طعام تقع عليه قبل أن تستهويه معدته، فلم لا تتم عملية الشراء والتسوق في غير وقت الصيام؟ أي بعد الإفطار وتحديدًا بعد الانتهاء من صلاة التراويح تشتري ربة البيت او رب العائلة ما تحتاجه الأسرة، وهل من الضروري أن تكون عملية الشراء والتسوق يومية؟ فغالبا ما نجد ربة البيت تذهب إلى السوق لشراء حاجة محددة ولكنها تعود وقد اشترت العديد من الحاجات غير المخطط لها، فآن لنا أن ننتهج سياسة ترشيدية استهلاكية لنبث في وعينا أنه ليست هناك حاجة لنقل ما في الأسواق إلى بيوتنا والتي ربما تنتهي مدة صلاحيتها قبل أن نستعملها، فلم نسمع يوما أن الأسواق الغذائية قد خلت من المواد التموينية، فلم هذا التهافت الجنوني عليها وكأن مجاعة أو سنين عجافًا ستحل الناس؟!

اجعلي من مطبخك واحة للذكر

وحديثنا عن التسوق وصور الاستهلاك المخيف يقودنا للحديث عن المطبخ وإعداد الطعام والمدة الزمنية الكبيرة التي يقضيها معظمنا في زوايا المطبخ لا نبرحه إلا للضرورة القصوى، وهذا ما تبرره معظم ربات البيوت بتقصيرها في أداء واجباتها الدينية من قراءة قرآن وذكر وتنفل خصوصًا في شهر رمضان، وتتعذر بطلبات الأسرة الكثيرة تجبرها على ملازمة المطبخ لأوقات كثيرة مما يفوت عليها الأجر الكثير بعكس زوجها الذي يملك مجال واسعًا لقراءة القرآن والذكر وغيره من الروحانيات التي تزيد من رصيد حسناته وتقربه إلى الله عز وجل، فهو غير مسؤول عن إعداد الطبيخ ولا مسؤول عن تنظيف البيت ولا عن مساعدة الأبناء في تحضير واجباتهم الدراسية، فكل هذا يقع في نطاق مسؤوليتها الأمر الذي يضيع عليها الاستزادة من العبادة ويحرمها لذة التقرب إلى الله في هذا الشهر الفضيل، ونحن ندعو الله لك بأن يعينك على كل جهد تقومين به من أجل أسرتك وأنك مأجورة على هذه الجهود بإذن الله، وإذا كنت كما تقولين لا تملكين الوقت لقراءة القرآن والتنفل بالصورة المطلوبة واللازمة (مع استهجاني لهذا العذر) فعلى الأقل استمعي وأنت في المطبخ لأحد القراء ترددين معه آيات الله أو ترطبين لسانك بذكر الله وبالتسابيح وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل هذا وأنت تعدين الطعام وتزاولين أعمال المطبخ، أو استمعي لموعظة إيمانية عبر إحدى القنوات، أو إذا كان بالإمكان وضع جهاز تلفزيون صغير بالمطبخ تتابعين من خلاله العديد من البرامج الدينية الهادفة، وذلك حتى لا يأخذك المطبخ وروائح الطبيخ بعيدًا عن هذه الفيوضات الروحانية والإشراقات الإيمانية في رمضان. نسأل الله تعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى