أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (111) دولة فاشلة يسكُنها الرعب هل انتهت لعبة السياسة وبدأت العودة إلى الحكم العسكري؟

حامد اغبارية

دولة فاشلة بكل المعايير، وإن زعمتْ أنها حققت وتُحقق نجاحات على كل المستويات، ودولة ضعيفة منهكة متهاوية، وإن تظاهرت بالقوة والتماسك، ورِعديدةٌ خائفةٌ مرعوبةٌ وإن زعمت أنها عكس ذلك، وإن بدا للرائي أنها مُرعبة مخيفة، وهي فوق هذا وقبله وبعده دولة ظالمة، تمارس أسوأ أنواع الظلم العلني والخفي ضد من تزعُم أنهم مواطنيها من فلسطينيي الداخل، بينما تتعامل معهم كأعداء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

وإن من دلائل فشل الدولة الإسرائيلية أنها لم تنجح ولو مرة واحدة في إثبات أنها دولة، إلى درجة أن غالبية مواطنيها من الإسرائيليين اليهود، وفي مقدمتهم باحثون وخبراء ومؤرخون، لم يشعروا يوما أنهم يعيشون في دولة حقيقية، أو لا يشعرون أن لهم دولة.

عندما يتحول الجيش، الذي يُفترض أنه موجود لحماية حدود دولته من أي تهديد خارجي، إلى مليشيات تلاحق المواطنين في المدن والقرى العربية، كما جاء على لسان قائد أركان ذلك الجيش، أفيف كوخافي، فاعلم أنك تعيش في دولة فاشلة، وفي دولة ظالمة.

إننا أمام مرحلة خطيرة تحمل في طياتها صفحات سوداء في تاريخ هذه المؤسسة التي ما فتئت تمارس ضدنا الحكم العسكري ببطشه وغبائه، بأشكال وصور متعددة، لكن خطورة هذه المرحلة، فيما يبدو لي، ليست أحادية الجانب، لأن آثارها ستطال الجميع. إذ عندما ينتقل الجيش من ثكناته على الحدود، وينزل إلى الشارع يمارس دور الشرطة تارة ودور المخابرات الداخلية تارة ثانية، ودور مليشيات البطش تارة ثالثة، فإن هذا دليل على أن الرعب والخوف من القادم وصل درجة من درجاته القُصوى. وعندما ينزل الجيش إلى الشوارع يمارس أدوارا ليست له ولا هي من عقيدته العسكرية، فاعلم أن المرض ينخر في جسد دولته، وأنه يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكنه يعلم أنه إنما يحاول عبثا. ليس أكثر من الجيش معرفةً بالنهايات أكثر من معرفته بالبدايات. وإن المراقب يمكنه أن يلاحظ بوضوح أن الجيش الإسرائيلي فقَدَ الرؤية، ودخل في حالة من الارتباك تعكس شعورا بخلل يراود قياداته من أعلى الهرم إلى القيادات الميدانية. هو فاقد للرؤية على جميع الجبهات، من الشمال والجنوب، لكنه فاقد للرؤية أكثر عندما يخرج أكبر جنرالاته ليحل مكان الناطق الرسمي – لأول مرة ربما- معلنا “ضبط وإفشال عشر عمليات أمنية”.. في مجال هو أصلا ليس من تخصصاته ولا من مجالات عمله، إلا في حالة واحدة: ممارسة الحكم العسكري المباشر على الحيز المدني. ليس هناك أي تفسير آخر لهذا المشهد. جيش طويل عريض، أرعب دُولا وجمهوريات، ويزعم أنه أقوى جيش في المنطقة، يستعرض عضلاته في الكشف عن إفشال عشر عمليات، على لسان قائد أركانه، فهذا إنما يدل على أن الذي ظنّه الحمقى أنه (باشا) تبين في النهاية أنه (زلمة).

إن بوادر ممارسة الحكم العسكري بشكل مباشر على المواطنين الفلسطينيين في الداخل، قد بدأت في إطار ضيّق في رمضان الماضي، في هبة الكرامة، ويبدو أنها تتجهز الآن لممارسة حكم العسكر بحذافيره وبشكل أسوأ بكثير مما عرفه شعبنا منذ النكبة عام 1948.

نعم، نحن فيما يبدو لي، مقبلون على مرحلة مليئة بالضيق والشدّة، ولكننا على يقين وثقة بأنها مرحلة قصيرة جدا لن تطول سيليها فرج وانفراجة وفجر جديد. إذ تعلمنا من التاريخ أن الظلم عمره قصير، وأنه عندما تلجأ دولة ما إلى البطش والقمع والتضييق وإلى المزيد من الظلم، وعندما تستخدم جيشها لأغراض الأمن الداخلي، فإنه لن يطول بها الزمان حتى تنقلب موازين، وتتغير مشاهد، وتنهار صروح، وتسقط أمجاد، وتتبدد أوهام، وتنكشف أكاذيب وعمليات تضليل وتزوير… وسيتقيأ التاريخ كل ما حُشِر في صفحاته ظُلما وزورا وبُهتانا ومَكرا وكُرها.

المشهد الحالي- يوم تحمرُّ وجوه وتصفرُّ

وإن من أدلة الفشل أن هذه “الدولة المرعبة” لم تتمكن من تحقيق استقرار سياسي في السنوات العشر الأخيرة على الأقل، إلى درجة أنها شهدت أربع جولات انتخابية في سنتين، أنتجت في نهاية الأمر حكومة مشوَّهة أقرب ما تكون إلى المولود المنغولي، لم تتمكن من الاستمرار سنة كاملة وإذا هي أمام أزمة تهدد بسقوطها الذي يبدو أنه بات وشيكا. لكن أكثر ما يهمني في هذا المشهد، والذي يجب أن يهم كل أبناء مجتمع الداخل، أن التيار الذي قبل على نفسه أن يكون جزءا من هذا الائتلاف الحكومي لأول مرة في تاريخ الصراع، مارس السياسة بغباء وقرأ الخارطة دون علم وبلا دراية، لذلك سيكون كشف الحساب الذي عليه أن يقدمه للجمهور قاسيا، وسيكون الثمن كبيرا، وسوف تحمرُّ وجوه وتصفرُّ وجوه…خجلا وشعورا بالخيبة والإحباط والفشل والغرق في بحار أوهام كان عليهم أن يدركوا منذ البداية أنها لن توصل إلى شيء نافع.

كان في إمكان ذلك التيار أن يتوقف عند محطة ما ويرفع يديه وينسحب من المشهد، لكنه لم يفعل وواصل تسويق الأوهام بتحصيل حلول لأزمات صنعتها “الدولة الفاشلة” بيديها، فإذا هو اليوم مرشّح للخروج صِفر اليدين خالي الوفاض، بلا إنجازات، وبلا سمعة سياسية طيبة، وبلا ظهير ولا نصير. وعندها لن ينفع الشرح والتفسير والتبرير… ولو استأجرت له ألف خبير.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى