أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

ظهور الكتلة العالمية الثالثة.. الاحتمالات والمآلات

قبل شهر تقريبًا وفي مقالة “الحرب الروسية الأوكرانية، أين سيتردد صداها؟” فقد أشرنا إلى ما سبق وتحدث عنه الشهيد سيد قطب رحمه الله في كتابه “السلام العالمي والإسلام” حيث حذّر من خطر انفراد أمريكا بالساحة العالمية بعد تحذيره وتوقعه بسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي وأن طريق الخلاص من حالة ثنائية الاستقطاب العالمي هي كما قال رحمه الله: “إن طريق الخلاص هو أن تبرز إلى الوجود من أرض المعركة المنتظرة كتلة ثالثة تقول لهؤلاء وهؤلاء: لا لن نسمح لكم بأن تديروا المعركة على أشلائنا وحطامنا، إننا لن ندع مواردنا تخدم مطامعكم ولن ندع أجسادنا تطهّر حقول ألغامكم ولن نسلّمكم رقابنا كالخراف والجداء”.

وقبل الحديث عن الكتلة الثالثة وقيامها فلا بد من استحضار التاريخ لمدراسة الظروف التي بها استبدت بالعالم كتلتان اثنتان الفرس والروم، حيث كان لا بد من حتمية بروز الكتلة الثالثة يومها “الإسلام”، ليس فقط عبر التردي فيما وصلت إليه العلاقات المتوترة بل الصدامية بين الكتلتين والتي سجلها القرآن الكريم مطلع سورة الروم {الم*غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ} 1-4 سورة الروم، هذه الحرب التي تردد صداها في أرض العرب حيث الحرب المستعرة بين عملاء وأذناب وحلفاء الفرس والروم من قبائل العرب، فقد كان الغساسنة العرب حلفاء للروم وكان المناذرة حلفاء للفرس والحرب بينهم يتأجج لهيبها على وقع لهيب الحرب بين الفرس والروم. لقد شهد العالم عمومًا وأرض العرب خصوصًا اضطرابًا في كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية والعقائدية، وحتى أن من كانت تعقد عليهم الآمال بإنقاذ البشرية لأنهم أهل كتاب “اليهود والنصارى” فقد تأجج بينهم الصراع إلى الحد الذي وصفه الله في القرآن الكريم في قوله سبحانه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ} آية 113 سورة البقرة. فكان اختيار الله سبحانه لرسوله ﷺ نبيًا واختيار جزيرة العرب موطنًا ومنطلقًا واختيار القرن السابع الميلادي لبداية تشكل الكتلة الثالثة. لم تمر سوى أقل من 25 سنة إلا وبلاد بل وعواصم الكتلتين الفارسية والرومانية تتحول إلى إمارتين وولايتين من ولايات الكتلة الجديدة إمارة فارس وإمارة الشام المدائن ودمشق.

لقد توحدت قبائل العرب التي كانت تتناحر داخل حدود جزيرة العرب وتتقاتل لأتفه الأسباب، وإذا بها توجه قوتها الموحدة تحت راية الإسلام بعد أن تحررت من راية العصبية القبلية وتدفع بأبنائها حتى وصلوا إلى حدود الصين شرقًا وإلى شاطئ المحيط الأطلسي “بحر الظلمات” غربًا.

بقي الرسم البياني للكتلة الثالثة في ارتفاع لأكثر من ألف سنة رغم هزات وكبوات بل وهزائم هنا وهناك “الحروب الصليبية وغزو المغول”، ورغم أزمات وفتن داخلية وبروز نعرات شعوبية ومذهبية هنا وهناك إلا أن سقف الخلافة الإسلامية كان يُظلّ الأمة تحت ظله برغم خروق أصابته إلى أن تم هدم هذا السقف بإعلان إلغاء الخلافة الإسلامية على يد المجرم مصطفى كمال أتاتورك في العام 1923 ومباركة بل بدعم وتوجيه من القوى الغربية من سلالة الكتلة العالمية البائدة الروم وأقصد بذلك بريطانيا وفرنسا وروسيا.

صحيح أنها لم تمض سوى خمس سنوات على سقوط الخلافة الإسلامية وانفراط عقدها وتبعثر حباتها، وظهور القوميات العرقية على شكل دويلات إلا وظهرت ملامح وأصوات تنادي بإعادة إحياء الخلافة ونَظم حباتها من جديد “دعوة الإمام الشهيد حسن البنا وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928”.

لكن هذه الجماعة الأكثر انتشارًا وغيرها من الجماعات الإسلامية كانت تواجه بحرب سافرة من قطبي العالم اللذان تشكلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى وقبيل سقوط دولة الخلافة العثمانية، إنهما الاتحاد السوفيتي تقوده روسيا وحلف شمال الأطلسي تقوده أمريكا، وكلا القطبين وعملاؤهما من الحكام العرب والمسلمين الذين أعادوا نهج الغساسنة والمناذرة في الولاء للفرس والروم من جديد، هؤلاء لم يترددوا في استخدام كل وسيلة ممكنة لمحاربة هذه النواة التي ظهرت ونادت بإعادة جمع شتات الأمة ونظم شعوبها في سلك دولة الخلافة الإسلامية الواحدة.

في العام 2010 وتزامنًا مع بدايات ثورات الربيع العربي والتي ورغم التآمر عليها واجهاضها ليس فقط من قبل الأنظمة الديكتاتورية وإنما بالدعم المباشر من قطبي العالم المعاصر اللذان يتحكمان بالعالم روسيا وأمريكا، ورأينا وما نزال دعم روسيا للدموي بشار الأسد ودعم أمريكا للدموي عبد الفتاح السيسي وكل ذلك خوفًا من وصول الاسلاميين إلى الحكم واحتمال إعادة منظومة الوحدة الإسلامية تحت سقف الخلافة الإسلامية. “لا أقصد بحال من الأحوال ما نادى به تنظيم داعش وإعلانه اسم الدولة الإسلامية على الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، حيث كان موقفنا واضحًا من هذا التنظيم من بدايات ظهوره المشبوه ببيان أصدرناه في 7/11/2014 “، لذلك فلم يكن صدفة أن يتم الانقلاب على المرحوم نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا عام 1997 وإسقاط حكومته بعد وضوح مشروعه بتأسيس تحالف الدول الإسلامية الثمانية في تكتل واحد، وهو نفس ما فعلوه في العام 2013 بالانقلاب وإسقاط الشهيد محمد مرسى بعد زيارته للسعودية وإيران ودعوته لتشكيل تكتل إسلامي حتى لو لم يكن تحت عنوان الخلافة، لكن توحد المسلمين تحت أي لافتة كانت تثير الرعب في نفوس أعداء الأمة.

فقبيل الثورات العربية في العام 2010 كتب الصحفي الأمريكي جوشيا يوم 11/1/ 2010 مقالة في صحيفة REPORTER AMERICANمقالة بعنوان “الحرب على الخلافة” هذه المقالة هي رسالة وجهها الصحفي الأمريكي إلى الرئيس باراك أوباما ينصحه فيها بإعادة النظر في الحرب والصراع الدائر بين أمريكا وبين المسلمين، حيث تتزايد بين المسلمين الرغبة في بناء دولة الخلافة، حيث يقول الكاتب في بعض فقرات رسالته ومقالته قبل ظهور داعش بثلاث سنوات: “والحقيقة أنه لا يستطيع أي جيش في العالم ولا أي قوة عسكرية مهما بلغت درجة تسليحها أن تهزم “فكرة” يجب أن نقرّ بأننا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفكرة في كل بلاد الشرق الأوسط ولا أن نحرق كتبها، ذلك لأن هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة”.

إن الشرق الأوسط يواجه اليوم القوة الاقتصادية الموحدة للدول الأوروبية هذا صحيح، ولكن علينا أن نعرف أن الغرب في الغد سيواجه القوة الموحدة لدولة الخلافة الخامسة، ليسمح لي سيادة الرئيس أوباما أن أبدي بعض الملاحظات التالية:

سيدي الرئيس: “إن المعركة بين الإسلام والغرب معركة حتمية لا يمكن تجنبها، وهي ذات تاريخ قديم، ولا بد أن نضع حدًا لهذا الصراع وليس أمامنا إلا أن ندخل في مفاوضات سلام مع الإسلام. إنني أتوقع أن يخبرك بعضهم بأنه من المستبعد تمامًا أن ندخل في مفاوضات مع عدو في الخيال اسمه “الخلافة الخامسة” لكنه يجب عليك كقائد عسكري وأنت تصوغ سياستك في التعامل مع الإسلام أن تعترف بعدم صحة مقولة أن الإسلام منقسم على نفسه، وأن تعترف كذلك بأن توحيد بلاد الإسلام تحت إمرة قائد كاريزمي في هذه الظروف أمر محتمل”.

ويضيف جوشيا في رسالته ومقالته: “إننا نعيش مرحلة تتصارع فيها العاطفة مع الايديولوجيا، لهذا فإن الأمر يتطلب منا إحداث توافق مع الإسلام قبل أن تسيل شلالات الدماء من أجساد الأمريكيين، وهذا أمر قد يحدث قريبًا، يجب أن تكون لدينا الحكمة فلا نضع أنفسنا في قلب الحرب مع دولة الخلافة الخامسة والأفضل لنا أن نقف على حدودها”.

إن هذا الكلام واضح في دلالته المباشرة إلى تخوف الكاتب بل قناعته بأن دولة الخلافة الإسلامية “الكتلة الثالثة” فقد بدأت تتشكل وأن احتمالات قيامها لم يعد محلّ سؤال، فليس السؤال هل ستقوم أم لا ولكن السؤال كيف ومتى ومن سيكون القائد الكاريزمي وفق مصطلح “جوشيا” الذي ستتوحد تحت قيادته بلاد الإسلام.

لم يكن جوشيا هو الغربي الوحيد الذي تحدث عن قناعاته بإمكانيه عودة الخلافة الإسلامية “الكتلة الثالثة” فإن كثيرين مثله قد تحدثوا عن ذلك، فها هو البروفيسور “جب” في كتابه -وجهة الإسلام يقول: “إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بسرعة مذهلة تدعو إلى الدهشة وهي تنفجر انفجارًا مفاجئًا قبل أن يتبين المراقبون من إماراتها ما يدعو إلى الاسترابة في أمرها. إن الحركات الإسلامية لا ينقصها إلا الزعامة، لا ينقصها إلا صلاح الدين من جديد”.

ومثل “جب” قال البروفيسور روبير بين في كتابه -السيف المقدس: “علينا أن ندرس العرب ونسبر أفكارهم لأنهم حكموا العالم سابقًا وربما عادوا إلى حكمه مرة أخرى، والشعلة التي أضاءها محمد لا تزال مشتعلة بقوة هو هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الشعلة لا تطفأ”.

وسبق وتحدثنا عمن أسمى القرن الحادي والعشرين الميلادي الموافق للقرن الخامس عشر الهجري أنه قرن الإسلام وأنه القرن الأخضر في ظل تراجع الشيوعية والرأسمالية، حتى أن الكاتب والمفكر النمساوي الذي دخل في الإسلام “محمد أسد 1900- 1992” حيث قال في كتابه العظيم – الإسلام في مفترق طرق- وفيه تحدث عن صعود الإسلام مقابل انحطاط الحضارة الغربية المادية التي تشمل الاتحاد السوفييتي وبيّن أن الإسلام منهاج شامل كامل ناجح للحياة، وأن الحرب العالمية الثانية كانت صراع لا مفرّ منه بين القوى المادية في الحضارة الغربية. وتوقع محمد أسد رحمه الله أن يجلب التناحر على المادة الكوارث على المعسكرين الغربي والشرقي ويحط بالحضارة الغربية المادية المملوءة زهوًا بالنفس حتى يتطلع الغرب مرة ثانية إلى الحقيقة الروحية.

وإذا كان محمد أسد قد تحدث عن الحرب العالمية الثانية بين معسكري الحضارة الغربية فإن ما يحصل في الحرب الروسية الأوكرانية مزيد تأكيد على الصراع المحتدم بين أتباع الشق الواحد من هذه الحضارة، وهو ما صرّح به وزير خارجية روسيا “لافروف” من الضرورة معاقبة حكام أوكرانيا بسبب ما أحدثوه من انقسام في الكنيسة الأرثوذكسية كما قال.

وما أجمل ما قاله الشاعر اليمني الفاضل “محمد الصادق المرّاني” في لفتته الرائعة من أن الهلال يكون نوره خافتًا ولا يكتمل نوره ولا يكون بدرًا إلا ليلة الخامس عشر واستبشر أن يكون القرن الحالي الخامس عشر الهجري هو قرن ظهور وتجلّي أنوار الإسلام من جديد، وقد نظم في ذلك قصيدته الرائعة قال في بعض أبياتها:

زمان تولى وعهد غبر وعصر تقضّى وأبقى العبر

وقرن وليد بوجه جديد ستجري به مجريات القدر

كأن الليالي وترحالها حنين إلى القادم المنتظر

أيا بدر هذا أوان الظهور فما بالك يا بدر هل من خبر

وفيم استِتارك والعالَمون يخوضون في الظلمات الخطر

أيا أرض هل تذكرين الهلال هلال الهداية لما ظهر

وحين استدار وتم الكمال وعمّ الضياء به وانتشر

ودونك يا أرض حان القدوم وعمّا قريب سيبدو القمر

مثل رؤية القمر ليلة البدر، ومثل رؤية الشمس في كبد السماء فإنني أرى ليس الكتلة الثالثة بل إنها ستكون الكتلة الوحيدة لأنها وحدها التي تملك ما تسعد به البشرية التي تعست وشقيت وهي تلهث خلف سراب الرأسمالية والشيوعية، لا بل إن اليهودية والمسيحية ما عادت تملك ما تقدمه لملء الخواء الروحي والجفاف الإيماني الذي تعيشه البشرية، قال رسول الله ﷺ في إشارة واضحة إلى عودة الكتلة الثالثة “الخلافة الإسلامية” : “تكونُ فيكم النبوَّةُ ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوَّة، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثم يرفعُها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثمَّ تكونُ مُلكاً عاضَّاً ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها، ثم تكونُ مُلكاً جبريًا، فتكون ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها، ثم تكون خلافةً على منهاج النبوَّة” ثم سكت. وقال ﷺ:” لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله تعالى رجلًا من أهل بيتي يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا”.

إنها إذن الكتلة الثالثة الخلافة الإسلامية الراشدة القادمة، وإنهم المسلمون قادمون

فأمّلوا وأبشروا.. يا أيها المضيّعون.. والمُحطمون.

وهللوا وكبروا يا مؤمنون

فالفجر لاح

والديك صاح

والعطر عطر الحق فاح

والنهار قادم والمسلمون قادمون

فقل لأنصار الظلام: ما لكم لا تعقلون؟!!!.

من ذا يؤخر النهار؟!

من يصارع الأقدار؟!

من يعاند القهار؟!

من يناطح المريخ؟!

من يوقف التاريخ؟!

إلا بلهاء يجهلون.. أو صغارٌ يعبثون

فليتهم يفكرون ساعة ويصدقون

ليعلموا علم اليقين: أننا قادمون.

أجل.. أجل.. المسلمون قادمون

فلم يعد السؤال بالنسبة لنا هل ستقوم الكتلة العالمية الثالثة لإعادة التوازن في العالم أم لا، وإنما السؤال متى وحتى هذا السؤال فإن كل المؤشرات والمبشرات والقرائن تشير أنه قريب بإذن الله تعالى. ولعلّ ما يجري وما يحصل من اضطراب عالمي غير مسبوق في ظلّ الحرب الدموية التدميرية التي يشنها بوتين السفّاح على جيرانه وأبناء ملته ودينه الأوكرانيين وانفضاح الحضارة الغربية وكشف سوءاتها وهي تزن مواقفها من خلال مصالحها للذي يؤكد حاجة البشرية إلى هذه الكتلة. وإنه المخاض وإنها أوجاعه وزفرات الميلاد بدأت تسمع في الشرق الأوسط وإنها الأوراق التي يعاد ترتيبها بعناية إلٰهية تمهيدًا لميلاد الكتلة العالمية الثالثة بل الواحدة كتلة الخير والفضيلة والرحمة للبشرية جمعاء.

يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى