أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الحسد داء يقتل صاحبه

أمية سليمان جبارين (أم البراء)

في خضم انشغالنا بالأوبئة والأمراض المنتشرة في العالم، وتحديد مصدرها وسبل علاجها، لما لها من تأثير كبير على حياتنا، غاب عن كثير منّا داء من نوع آخر. داء يصيب قلب قليلي الإيمان منّا حيث افتقد المصابون به لأهم دعائم الإيمان وأركانه، ألا وهو ركن الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره، فأصبحوا من الناقمين الساخطين على تقسيم الله لرزقه بين الناس والعياذ بالله، وبذلك اقتدوا بإبليس الملعون صاحب الخطيئة الأولى في السماء الذي سخط وتكبر على أمر الله بالسجود لآدم وحسده على تلك المكانة العالية التي أعطاها الله له.

كما كان هذا الداء سببا في حصول أول خطيئة على الأرض وهي قتل قابيل لهابيل، ولنا كذلك في قصة يوسف وإخوته وتفريقهم بينه وبين أبيه 40 سنة، دليل على إصابتهم بهذا المرض القلبي. وهذا أبو جهل يرفض الإيمان بسبب هذا المرض، وحال هذا المرض كذلك بين أهل الكتاب والإسلام كما أعلمنا القرآن الكريم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ). يتضح من خلال هذه الآية وهذه الأمثلة أن الحديث يدور حول داء وآفة الحسد التي باتت تعصف في مجتمعنا، وتفرق بين المرء وزوجه، وتسبب الأمراض للبعض دون معرفة السبب أو العلاج، ويخسر الناس أموالهم واستقرارهم نتيجة إصابتهم بهذا المرض وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبرنا أن (العين حق، تدخل الجمل القدر والرجل القبر)، كما قال: (العين حق ولو كان شيئا سابق القدر سبقته العين)، وفي موضع: (إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فإن العين حق).

إذًا، من خلال هذه الأحاديث، يؤكد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم على انتشار هذا الداء بين الناس منذ الأزل إلى قيام الساعة، وهذا الداء لا ديانة له ولا جنسا ولا لونا له، بل هو مرض يصيب مرضى القلوب كما ذكرت أولئك الذين سمحوا لهذا المرض بالسيطرة على قلوبهم وملئها بالغلّ والغيظ والسخط على الله، والعياذ بالله، ونحن كأفراد علينا أن نعرف هذا المرض ونعرف أعراضه وطرق العلاج منه. بداية، علينا أن نعلم أن الحسد نوعان، حسد محمود، وهو الغبطة والفرح لما عند الآخرين من نعم مع التمني بحصولنا على مثل تلك النعم، والنوع الثاني هو الحسد المذموم المحرّم، وهو تمني زوال النّعم عن الآخرين، بل والعمل على إلحاق الضرر بهم، لذلك علينا الاستعاذة من شرّ الحاسد كما أخبرنا الله في سورة الفلق: (ومن شر حاسد إذا حسد)، وكذلك نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: (إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، وقد قال بعض السلف: (لا يخلو جسد من حسد لكن الكريم يخفيه ويقمعه واللئيم يبديه). ومن الملفت للنظر، أنّ الحاسد يعرف أنه يحسد لكن إن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان عليه العمل على التخلص من هذه الآفة، وعليه تعويد نفسه وتربيتها على حب الناس وحب الخير لهم والرضا بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وعادة ما يكون الحسد بين الأقران الذين هم في نفس المستوى العمري أو التعليمي أو الاقتصادي، فتجد الحاسد يحسد قرينه على زوجة جميلة أو زوج كريم أو على وظيفة مرموقة أو ترقية في العمل أو نجاح مشروع تجاري، مع العلم أن هذه أرزاق مقسمة ومقدرة.

وهذا يؤكد لنا أن أسباب الحسد عند الناس ابتعادهم عن الدين، وسوء الظن بالله، والانشغال بمظاهر الدنيا الخدّاعة، فتجد الحاسد دائما ما ينظر إلى نصف الكوب الفارغ ويترك نصفه المليء. وعلى المحسود أن يلجأ إلى الله في قراءة القرآن وخاصة سورة البقرة وآيات الرّقية والمعوذات والالتزام بأذكار الصباح والمساء والعمل بحديث رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالسرّ والكتمان) خاصة إذا لم نعلم مصدر سهام الحسد المصوبة نحونا، في ظل هذا النفاق المنتشر بين الناس، وكما قال الشاعر: اصبر على كيد الحسود… فإنك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. وآخر دعوانا نسأل الله أن يرزقنا قلوبا سليمة، لأن سلامة القلب تسعد صاحبها في الدنيا قبل الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى