أخبار عاجلةتكنولوجياومضات

صرفت مليارات الدولارات على ذكاء الآلات.. هل تحقق الصين حلمها بالسيطرة على الذكاء الاصطناعي؟

استخدمت الصين نظام “وو داو” (Wu Dao)، الذي يحاول محاكاة الدماغ البشري وشكّل قفزة في عالم التعلم الآلي، وجعل قدرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي تتفوق على مثيلاتها في العالم.

وقالت مجلة “إيكونوميست” (economist) البريطانية في تقرير لها، إن نظام “وو داو” للتعلم الذاتي يأتي في قلب سياسة الصين لجعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي جوهر خطتها التكنولوجية والاقتصادية التي أعلنتها أول مرة سنة 2017، وهي الخطة التي أثارت قلق الحكومات الغربية بشأن الاستخدامات غير المشروعة لتقنية الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل المراقبة والحروب، لا سيما أن هذه التقنية باتت تثير حماس المستثمرين، الذين يريدون انتهاز الفرص التجارية الضخمة التي تقدمها هذه التقنية.

وكأمثلة على تطبيق تلك الخطة؛ ذكر التقرير أن شركة “جيه دي. كوم” (jd.com) -وهي شركة للتجارة الإلكترونية- تدير أحد أكثر المستودعات الآلية المتقدمة في العالم بالقرب من شنغهاي، وأطلقت شركة “بايدو” (Baidu) -عملاق البحث الصيني في مايو/أيار الماضي- سيارات ذاتية القيادة في بكين، كما أطلقت شركة “سينس تايم” (SenseTime) كاميرات مراقبة ذكية تتعقب حوادث المرور والسيارات المتوقفة بشكل غير قانوني، ونشرتها في أكثر من 100 مدينة في الصين وخارجها.

وحسب التقرير؛ فإن الصين تنشر الروبوتات الصناعية القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر من أي دولة أخرى، ونتيجة لذلك بلغت قيمة أبرز 5 شركات صينية في مجال الذكاء الاصطناعي ما يقرب من 120 مليار دولار؛ حيث تبلغ القيمة السوقية لشركة “هايك فيجن” (Hikvision) الصينية 60 مليار دولار، في حين بلغت قيمة شركة “سينس تايم” -التي تم طرحها للاكتتاب العام في هونغ كونغ في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي- 28 مليار دولار، كما بلغت الاستثمارات في شركات ناشئة غير مدرجة في مجال الذكاء الاصطناعي عام 2020 نحو 10 مليارات دولار، وفقًا  لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الذي نشره معهد ستانفورد.

وأوضح التقرير أن شركة “سينس تايم” تتوقع أن الإيرادات من برامج التعرف على الصور القائم على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تصل إلى 100 مليار يوان (16 مليار دولار) بحلول عام 2025، بعد أن بلغت 24 مليار يوان عام 2021.

وأشار التقرير إلى أنه رغم أن الصين أحرزت تقدمًا في مجال الذكاء الاصطناعي فإن من شبه المؤكد أنها لا تزال متخلفة عن أميركا من حيث الاستثمار والابتكار المتطور؛ ففي عام 2020 -أي بعد 3 سنوات من وضع الخطة الرئيسية- تلقت الشركات الصينية الخاصة بالذكاء الاصطناعي أقل من نصف استثمارات نظيراتها الأميركية، ومن المحتمل أن تذهب كل الأموال العامة والخاصة المتدفقة إلى هذا القطاع أدراج الرياح.

 

أهداف الصين

ولفت التقرير إلى أن خطة بكين الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وضعت جملة من الأهداف؛ فعلى سبيل المثال، وبحلول عام 2025، من المتوقع أن تبلغ إيرادات البلاد من هذه الصناعة 400 مليار يوان (64 مليار دولار)، ناهيك عن أنها ستحقق “إنجازات تكنولوجية ضخمة”، وتهيمن على الصناعة في السنوات الخمس التالية بمبيعات تصل إلى تريليون يوان.

واستعرض التقرير وسائل الحزب الحاكم في الصين لتحقيق الخطة؛ فقد أصدرت وزارة العلوم والتكنولوجيا تعليمات لعمالقة التكنولوجيا في الصين الذين لديهم مشاريع قائمة في بعض التخصصات الفرعية للذكاء الاصطناعي -مثل شركة “تينسنت” (Tencent) المتخصصة في التعرف على الصور الطبية، و”بايدو” في القيادة الذاتية- تطالبهم فيها بمضاعفة أبحاثها.

وبين التقرير أن سياسة تجاهل المخاطر تنطوي على صرف كثير من الأموال العامة سواء عن طريق تقديم إعفاءات ضريبية لهذه الشركات أو إعانات، مثل برنامج “العمالقة الصغار” الذي وضعته الحكومة الصينية لرعاية 10 آلاف شركة ناشئة واعدة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، كما قامت الحكومات المحلية حتى في المقاطعات الفقيرة مثل لياونينغ بتقديم حوافز مماثلة لشركات متخصصة في الذكاء الاصطناعي.

وأظهر التقرير أن الدولة تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر؛ فتدير الحكومة المركزية العديد من أدوات الاستثمار التكنولوجي، وتعمل الحكومات المحلية بشكل متزايد على إنشاء شركاتها الخاصة، التي غالبًا تكون مدعمة بمليارات الدولارات؛ فقد أعلنت المدينة الساحلية تيانجين -على سبيل المثال- إنشاء صندوق ذكاء اصطناعي قيمته 16 مليار دولار عام 2018.

وقال التقرير إن رأس المال الحكومي ساعد في سد الفجوة التي خلفها المستثمرون الأجانب جراء خوفهم من العقوبات الأميركية ضد بعض شركات الذكاء الاصطناعي التي تفضلها الصين، والتي يُنظر إليها على أنها قريبة جدًا من الحزب الحاكم.

فعلى سبيل المثال، اكتسب صندوق تديره إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين حصة غير معلنة في “سينس تايم”، التي تعرضت الشهر الماضي لعقوبات أميركية بسبب تورطها المزعوم في القمع الحكومي لأقلية الإيغور، في حين تقول “سينس تايم” إن العقوبات تستند إلى “مفهوم خاطئ” لأعمالها.

وحسب التقرير، فإن صندوق إصلاح الملكية المختلطة يمثل 200 مليون دولار من 765 مليون دولار التي سبق أن جمعتها الشركة في العرض العام الأولي، كما ضخت الحكومات المحلية 220 مليون دولار أخرى.

 

أموال ضائعة

واستطرد التقرير موضحًا مساعدات الحكومة -إلى جانب القدرة على الوصول إلى عدد كبير من البيانات العامة- على تحويل الشركات الصينية للذكاء الاصطناعي إلى مراكز قوة في بعض المجالات؛ فوفقًا لشركة “بين” الاستشارية، كان عملاق التجارة الإلكترونية في الصين “علي بابا” (Alibaba) في يونيو/حزيران الماضي يقدم 62 خدمة تعمل بالذكاء الاصطناعي، بداية من التعرف على الصوت وصولًا إلى تحليلات الفيديو، وذلك بالمقارنة مع 47 خدمة تقدمها “مايكروسوفت” (Microsoft)، أقرب منافسيه الغربيين.

وتابع التقرير أن “سينس تايم” و”ميغفي” (Megvii) تنتجان برمجيات وأجهزة رؤية حاسوبية على نطاق واسع يمكن تكييفها وتثبيتها في مصانع فردية، ورغم إغلاقها معظم الأسواق الغربية بسبب العقوبات الأميركية، فإن “سينس تايم” حصدت 762 مليون يوان (120 مليون دولار) من العائدات الخارجية عام 2020، مقارنة بـ319 مليون يوان (50 مليون دولار) قبل عامين، والتي كانت معظمها من جنوب شرق آسيا.

وأكد التقرير أنه رغم هذه النجاحات فإن صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين تتخلف عن الغرب في عدة أمور مهمة؛ منها أنها تنتج أبحاثًا كثيرة تتعلق بالذكاء الاصطناعي -وحتى أكثر من أميركا- لكن معظمها ليست مراجعة من قبل المؤسسات المماثلة التي تضم كتابًا أكاديميين وشركات متخصصة، ولا تُقدم في المؤتمرات، كما أنها تحتل مرتبة أقل من الهند وأميركا، وكذلك في ما يتعلق بعدد المبرمجين الماهرين بالذكاء الاصطناعي بالنسبة لسكانها.

وأشار التقرير إلى وجود 3 أسباب تسهم في استمرار هذه النواقص: أولا أنه قد لا يتم تخصيص رأس المال بكفاءة؛ فعلى سبيل المثال من غير الواضح مقدار ما نُشر بالفعل من صندوق تيانجين البالغ قيمته 16 مليار دولار.

وتتلخص مشكلة الصين الثانية -حسب التقرير- في عجزها عن تجنيد أفضل العقول البشرية في العالم، خاصة أولئك الذين يعملون في مجال البحوث رفيعة المستوى؛ حيث أظهرت دراسة نُشرت عام 2020 من قبل مؤسسة ماكروبولو الفكرية، التي تقع في شيكاغو أن أكثر من نصف الباحثين رفيعي المستوى في هذا المجال كانوا يعملون خارج بلدانهم الأصلية.

وقال التقرير إن أميركا وأوروبا تبدوان أكثر جاذبية لمثل هذه العقول، بما في ذلك العديد من الصينيين؛ لأنه رغم أن نحو ثلث أفضل مواهب الذكاء الاصطناعي في العالم من الصين فإن العُشر منهم فقط يعمل هناك، وهو ما يعيق قدرات الصين البحثية، حسب ما قاله مات شيهان من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن.

ولفت التقرير إلى أن المشكلة الثالثة تتمثل في أن الحكومة الصينية تجاهلت في خطتها أشباه الموصلات المتطورة التي تُشَغِّل الذكاء الاصطناعي؛ فمنذ نشرها وجدت الشركات الصينية صعوبة أكبر في الحصول على رقائق الحاسوب المتقدمة، وذلك لأن جميع هذه المعالجات الدقيقة تقريبًا إما أميركية أو مصنوعة من معدات أميركية، والتي بالتالي تخضع لقيود على الصادرات إلى الصين التي وضعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومددها خليفته جو بايدن.

واختتم التقرير بالقول إن هذه التحديات ستستمر في إعاقة جميع صناعات التكنولوجيا الفائقة في الصين، وفي ترك شركات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها عالقة؛ حيث تعمل بنجاح على إنتاج منتجات غير متطورة نسبيًّا، في حين تعمل على تعقب أوروبا وأميركا في تطورات متغيرة النموذج ذات قيمة مالية وإستراتيجية أكبر.

 

المصدر : إيكونوميست

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى