أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حراك فلسطينيّي النقب 2022: هويّة وانتماء

البروفسور إبراهيم أبو جابر

يتعرّض النّقب الفلسطينيّ البالغ مساحته الكليّة قرابة 12.000 كم2(عن الموسوعة الفلسطينية)، منذ نكبة عام 48، لمشاريع تهويدٍ ونهبٍ للأراضي، وتهجيرٍ متكرّرةٍ من قبل المؤسّسة الإسرائيلية وأذرعها الفاشيّة، كالّتي تُعرف بدائرة أراضي إسرائيل، والصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) و”سلطة أراضي إسرائيل”(المنهال)، بإسناد واضح من الحكومة وأذرعها الأمنية المختلفة.

هَجّر الإسرائيليون عام48، بالحديد والنّار والإرهاب والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، أكثر من 80% من سكّان النّقب البالغ عددهم حينها قرابة 100.000 نسمةٍ (ما بين 90 ألفًا – 110 آلاف نسمةٍ)، لم يبق منهم في النّقب إلاّ قرابة 10.000 نسمةٍ فقط (ما بين 9 آلافٍ – 13 ألف نسمةٍ)، تمّ تجميعهم في منطقةٍ عُرفت بالسّياج، بعدما رُحّلوا من أراضيهم، فأصبح عددهم بعد 74 عامًا أكثر من 300.000 نسمةٍ، يعيشون على مساحةٍ لا تتعدّى 3% من مساحة النّقب الكليّة.

إنّ حراك الفلسطينيين في النّقب أو هبّة فلسطينيّي النّقب الأخيرة، والتي لما تنته بعد لأنّ حجم المؤامرة كبيرٌ وفصولها متدحرجةٌ، ما كانت لتحصل لولا شعور الأهالي في النّقب بأنّ مستقبلهم أصبح في خطرٍ وأنّهم معرّضون للترحيل، وقطع أرزاقهم ومصادرة أراضيهم.

يُعدّ النّقب الفلسطيني مهمًا من الناحية الجيوسياسية للمؤسّسة الإسرائيلية، سواءً لموقعه المحاذي للحدود المصريّة، أو لكبر مساحته وتضاريسه الجغرافيّة، والأهمّ من ذلك كلّه ما فيه من مستودعاتٍ ضخمةٍ للأسلحة ومطاراتٍ عسكريّةٍ ومعسكراتٍ جيش للتدريب إضافةً للمفاعل النووي في ديمونا، وقد ثبت عن دافيد بن غوريون قوله:” إنْ لم نصمد في الصحراء فستسقط تل أبيب”(نؤور، مردخاي 1985: يشوب هنيغب 1900-1960″استيطان النقب من 1900-1960″، مركز راحل يانئيت بن تسبي لدراسات القدس).

لقد تَنبّهت الحركة الصهيونيّة مبكّرًا للنّقب وأهميّته منذ مطلع القرن العشرين، فتمكّن الصهاينة من إقامة بعض المستوطنات الزراعيّة في النّقب الشمالي والغربي ،ازدادت أعدادها بعد النكبة وسقوط مدينة بئر السبع ،ثم استفحل الاستيطان في الجنوب فترة الحكم العسكري، وسلب أراضي المواطنين الفلسطينيين إمّا بقوّة السلاح أو قوّة القانون الظالم الذي اعتمد أصلاً على نصوص بعض القوانين العثمانيّة مثل قانون الصيحة/أو الصوت للعام 1858م ، وقوانين الانتداب البريطاني الجائرة ،وكثيرٍ من القوانين الجائرة التي تمّ سنّها على يد السلطات الإسرائيليّة خصّيصًا وما أكثرها.

توالت مشاريع التهويد ونهب أراضي فلسطينيّي النّقب بعد مرحلة “بنْ غوريون” كمشروع “ليفي أشكول” المعروف (النقاط ال 12)، ومخطّط غولدبرغ وبرافر ورؤية “بيني بيغن”، وخطط شارون لمصادرة الأراضي العربيّة وفرض سياسة الأمر الواقع، وأخيرًا خطّة “تجميع سكان القرى مسلوبة الاعتراف” فترة إدارة حكومة بينيت-لبيد-عباس.

وبالعودة الى أسباب ودوافع الحراك الأخير في النّقب أو ما يمكن أن يسمّى “حراك فلسطينيي النّقب” أو “هبّة فلسطينيي النّقب”، يمكن تلخيصها في النقاط الرئيسة التالية:

أولاً، سياسة التهميش المُمنْهجة التي تتّبعها السلطات الإسرائيليّة نحو فلسطينيّي النّقب، والتي زادت من معدّلات البطالة والفقر، وانعدام التطوير في البلدات العربيّة في الجنوب، بخاصة القرى العربيّة مسلوبة الاعتراف والتي يقدّر عددها ب 39 قريةٍ مقامةٍ قبل عام 48، وفي المقابل هناك مستوطنات يهوديّةٌ في النّقب متطوّرة وتحصل على كامل الخدمات.

ثانيًا، ازدياد تعداد سكان النّقب من الفلسطينيين بصورة أزعجت قيادات الوسط اليهودي والدوائر الحكوميّة بخاصةً الأحزاب اليمينيّة ، فقد قفز عدد فلسطينيّي النّقب من حوالي ال 10000 نسمةٍ عام 48 الى أكثر من 300 الف نسمةٍ عام 2021 ، فالعرب في الجنوب يشكّلون ثلث إجمالي السكّان، هذا الأمر أغاظ طبعًا صنّاع القرار في المؤسّسة الإسرائيليّة فجعلهم يتسابقون في وضع الخطط والمشاريع لتشجير أراضي العرب، والعمل على اقتلاعهم من أملاكهم، وتجميعهم في بلداتٍ معزولةٍ أشبه بكنتونات أو جيتواتٍ مقابل سلب أراضيهم ومصادرتها لصالح عزَبٍ زراعيّةٍ يهوديّةٍ أو مستوطناتٍ زراعيّةٍ إسرائيليّةٍ.

ثالثًا، شعور قيادات المؤسّسة الإسرائيليّة بفقدان السيادة بل والسيطرة على منطقة النّقب، بخاصةً في السّنوات الأخيرة من عمر حكومة نتنياهو وصولاً لفترة حكومة بينيت الحاليّة، وهذا يظهر جليًا خلال النقاشات الداخليّة بين قادة الأحزاب وبالذات اليمينيّة منها، بادعائهم أنّ فلسطينيي النّقب غدوا هم أصحاب الكلمة والقرار هناك.

رابعًا، الصراع على الأرض، وهذا هو أهمّ عنصرٍ في الهجمة الفاشيّة التي تشنّها المؤسّسة الإسرائيليّة ضد فلسطينيّي النّقب الذين لا يملكون سوى 3% فقط من مساحة النّقب الكليّة، لا بل يعتبرون فلسطينيي النّقب غزاةً، “نهبوا أرض الدولة”، ولهذا فرؤية السلطات الإسرائيليّة للحلّ تتلخّص في هدم غالبيّة القرى العربيّة مسلوبة الاعتراف، وتجميع سكانها في بلداتٍ محدّدة مناطق النّفوذ ومصادرة أراضي سكّان تلك القرى لصالح المستوطنات والعزَبْ اليهوديّة، حتى أنّ وزيرة الداخليّة الإسرائيليّة الحالية “أييلت شكيد” تخطّط لإقامة 12 مستوطنةٍ جديدةٍ في النّقب.

إنّ الحراك الأخير في النّقب وتحديدًا في منطقة النّقع التي تشمل 6 قرىً عربيّةٍ ومساحته حوالي 45 ألف دونمٍ من ضمنها عشيرة الأطرش وآخرون، أكبر دليلٍ على أنّ السلطات الإسرائيليّة ومؤسّساتها المختصّة بالأراضي من دائرة الأراضي(المنهال) ومؤسّسة أراضي إسرائيل والصندوق القومي اليهودي، عازمون على تنفيذ مخطّطاتٍ أعدّت خصيّصًا سابقًا ولاحقًا لمصادرة أراضي العرب هناك وتهويد النّقب.

خامسًا، ارتفاع نسبة الوعي في صفوف فلسطينيّي النّقب وبالذّات شريحة الشباب منهم، أو ما يمكن أن يطلق عليه “الصحوة الشبابيّة” في السنوات الأخيرة الّتي تعود جذورها لارتفاع نسبة المثقّفين والأكاديميين من سكّان الجنوب الفلسطيني، ثمّ انفتاح فلسطينيّي النّقب على الأحزاب والحركات والقوى السياسيّة والوطنيّة والإسلاميّة الفاعلة على الساحة، إضافةً للجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة، والسياسات الإسرائيليّة العنصريّة ضدهم.

هذه الصحوة المذكورة للشباب، ساهمت في بروز قياداتٍ عربيّةٍ شابّةٍ من الجنوب الفلسطيني على قدْرٍ كافٍ من الوعي والمعرفة الكاملين بمخطّطات وسياسات المؤسّسة الإسرائيليّة ومخرجات مشاريعها، تختلف نهجًا وأسلوبًا وفكرًا عن القيادات التقليديّة السابقة.

تحاول المؤسّسة الإسرائيليّة ممثّلةً في الشرطة والأجهزة الأمنيّة المختلفة والمخابرات، فرض سياسة الأمر الواقع وبالقوّة من خلال استخدام القوّة المفرِطة في قمع المتظاهرين العرب (حال قمع مظاهرة سعوَة-الأطرش)، وشنّ حملات اعتقالاتٍ في صفوف العرب بخاصّة الشباب منهم، وتقديم لوائح اتهام ضدّ بعضهم، وفرض غراماتٍ، كلّ ذلك بهدف خلق حالةٍ من الرعبِ في نفوس العرب في الجنوب، وردعهم عن المشاركة في أعمال الاحتجاج السلمي والتظاهر المشروع، لا بل لمنعهم من التصدّي لاقتلاعهم من قراهم وتهجيرهم منها.

وأخيرًا إنّ كلّ ما بني على باطلٍ فهو باطلٌ، فقد حاول الاستعمار البريطاني قبلهم إسكات صوت الشعب الفلسطيني وحمله على القبول بالأمر الواقع ففشل، وحاولت الحركة الصهيونيّة اجتثاث الشعب الفلسطيني أيضًا ففشلت، ثم جرّبت المؤسّسة الإسرائيليّة حظّها إبّان الحكم العسكري ففشلت فشلا ذريعا أيضّا، وأفشل مجتمعنا مخطّطاتٍ ومشاريع تهويدٍ كثيرةٍ، من مشروع مصادرة أرض المَل في الجليل شمالاً الى الروحة وغولدبرغ وبرافر وغيرها، واليوم سيُفشل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل وباقي مركّبات شعبنا وشرفاء العالم، مشروع حكومة بينت بصمود أهلنا في النّقب وشرعيّة وجودهم في وطنهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى