أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

العطب السياسي وحالة الأحزاب العربية

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

تعاني الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، تراجعا هائلا في أدائها السياسي والمجتمعي، مقارنة مع سنوات خلت من عمرها. والحديث هنا يدور عن أحزاب تحمل أيديولوجيا وفكرا ولها قواعد وهياكل تنظيمية، وهذا العطب السياسي تعود أسبابه لأمور كثيرة يمكننا فهمها على ضوء مقتضيات العلوم السياسية ذات الصلة بالأحزاب والصيرورات السياسية التي تمرّ بها. والحديث هنا يدور عن أحزاب تعمل في السياق الديموقراطي الليبرالي، ولخصوصية الحالة الإسرائيلية بكونها صهيونية ويهودية، تكون حالة الأحزاب العربية في داخلنا الفلسطيني ذات شأن خاص لحجم التناقض الذي تعيشه (انظر مقالتي السابقة: هل وعت الحركات السياسية الكنيستية في الداخل الفلسطيني معنى وجودها؟).

وفي بلادنا ينسحب هذا التراجع على الأحزاب اليسارية في السياق الإسرائيلي كما الأحزاب اليمينية المحافظة والمتطرفة، وعطبها كامن في شعبويتها وغوغائيتها السياسية، وإن كان هذا ليس مكان حديثنا لكن من باب المعرفة.

العَطَبُ لغة، يعني العياء ويعني التراجع ويعني الخلل والخراب (بمعنى فساد الشيء كقولنا عطبت الفاكهة) وفقهًا، تعني عدم صلاحية الشيء لأدائه المهمة التي أنيطت به، أي عدم صلاحية الأحزاب في أداء مهامها المنوطة بها على صعيد قضايا الداخل الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

يكون بيان هذا العطب جليُّ في الجدل القائم بين مكوناتنا السياسية في الفترة الأخيرة، بعد أن اقتحمت القائمة العربية الموحدة الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية عقبة الدخول إلى الائتلاف الحكومي إثر شنشنات قامت بها الموحدة سواء عبر المفاوضات مع الليكود أو التقرب من القوس السياسي اليميني أو التصريحات الكثيرة التي صدَّرها رئيسها منصور عباس أو ما تعلق في العلاقات البينية الداخلية للقائمة الموحدة التي خرجت من القائمة المشتركة التي كانت شريكة بها ممهدة الأرضية للموحدة لاقتحام عقبة المشاركة السياسية المباشرة بعد التوصية على غانتس وبعد سيل من تصريحات مركبات المشتركة تفضي الى ما قامت به الموحدة، غير متناسيا أن الخلفية الفكرية-الفقهية-السياسية للموحدة ومن يقف من خلفها من الإسلامية الجنوبية تؤمن بهذه الطريق أي طريق الدخول المُباشر الى الائتلاف الحكومي بصرف النظر عن خلفيات الأحزاب المُشاركة في الائتلاف الحكومي.

في هذه المقالة، سأتناول البُعد الثاوي في عطب السياسة العربية الحزبية من خلال التعرض لطروحات النائب عن الموحدة والشريك الحكومي منصور عباس، فيما يتعلق بتصريحاته المتعلقة بيهودية الدولة وأبدية هذه الصفة، باعتبار أنّ هذا التصريح في جوهره تنكب ظاهر لمحايثات العلاقة مع القضية الفلسطينية التي نحن جزء أساس منها، وإن أخرجتنا أوسلو خارج السياق الفلسطيني، فالتعرض الشديد من طرف العديد من المثقفين والسياسيين المحسوبين على أحزاب وطنية وقومية موجودة في الكنيست يحمل فلسفات تبريرية لا يعفيها من الحالة التي آلت اليها راهنية الحالة السياسية في الداخل الفلسطيني، ولعل ما يجري هذه الاثناء في النقب من تغول سلطوي استعماري استيطاني تقوده مؤسسة محسوبة أساسا وراهنا على الحركة الصهيونية أي دائرة أراضي اسرائيل (كاكال) تؤكد ما اشير إليه من حجم العطب السياسي المتعلق ابتداءً وانتهاءً بوجود هذه الأحزاب تحت سقف الكنيست، فإسرائيل كما أشرت في مقالة السابقة، منتوج صهيوني وعمليا لا يوجد شيء اسمه إسرائيلية بل هناك صهيونية تسعى للحصول على الشرعية من الضحية الفلسطينية، سواء تمثلت في سلطة رام الله أو في الأحزاب العربية المشاركة في الكنيست، فمجرد المشاركة في الكنيست هو بيان إقرارٍ للصهيونية بمنجزها “اليهودي”. ومن نافلة القول التأكيد على أن قادة الحركة الصهيونية من العلمانيين رفضوا بالمطلق تسمية الهيئة التشريعية برلمان أو أي مسمى آخر، وأصرّوا على تسميته بالكنيست إحضارا للموروث التاريخي اليهودي من عصر السنهادرين وما يحمل من معان ذات صلة بالأرض والتاريخ والوجود وتيمنا بالقيم اليهودية التاريخية، وهذا بحد ذاته بيان لحجم العطب السياسي لدى هذه الأحزاب، خاصة وأنَّ هذه الأحزاب تعلم يقينا أنّ الثابت في العلاقة الصهيونية مع وجودنا الفلسطيني على أرضنا وأوقافنا ومقدساتنا قائم على دعائم عدة أهمها تجاهلنا كشعب، كبيان لنزع شرعية وجودنا على أرضنا والسعي للحصول على الشرعية الوجودية للصهيونية كمشروع ومن ثمّ للدولة كيهودية، وهو ما حصلت عليه من تصريحات عباس الأخيرة ولو ظاهريا، ولئن كنت لا أحمل تصريحاته أكثر من ألفاظها سواء بسبب الخلفيات الفكرية-الفقهية الثاوية في العقل السياسي للجنوبية وذراعها، الموحدة، أو بسبب الأحداث المُتسارعة في بلادنا عموما وفي النقب خصوصا (انظر مقالتي على موقع موطني48)، حيث تعتبر النقب الحديقة المُباشرة للموحدة وكما صرّح ليلة الأربعاء النائب منصور عباس في سياق تعرضه للأحداث التي جرت في النقب ليلة الأربعاء للقناة الـ 12: “تلقيت مؤخرا الكثير من الضربات للصدر مباشرة ولا يمكنني الثبات. النقب هو الموحدة ولن نصوّت مع الائتلاف حتى تُحل القضية”. فالامتحان الأخلاقي-السياسي للأحزاب العربية ومدى خروجها من نفق الفساد السياسي وعفنه الصهيو-يهودي متعلق بمدى قُدرتها على اتخاذ قرار تاريخي يتعلق ببساطة شديدة في خروجها نهائيا من الكنيست والعمل لصالح الداخل الفلسطيني من خارج هذا الإطار الذي باتت شعبويته تهدد أصل وجوده. ولعلي هنا أشير إلى اقتراح قانون شاكيد شريكة الموحدة الرئيسية في الائتلاف في موضوع قانون المواطنة الساعي لسلب نهائي لحق المواطنة للفلسطينيين المتزوجين والمتزوجات من أبناء عمومتهم من الداخل الفلسطيني، وكذلك مفاعيلها التي أدخلتها إلى قانون الكهرباء، وما تواجد ممثلي الليكود والتيار الديني الحارديلي، الثلاثاء، صباحا، في النقب إلا بيان آخر للشعبوية السياسية التي تأثرت منها وتتأثر الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني.

ثمّة عطب في الخطاب السياسي للأحزاب المنضوية تحت سقف الكنيست، ومن نافلة القول الإشارة الى العطب في الخطاب السياسي لذى القائمة الموحدة وسيل التصريحات الصادر عن سياسييها أو منظّريها ومن يقف خلفها من الإسلامية الجنوبية، لكن قراءة سريعة في خطاب الأحزاب الأخرى والقوائم الانتخابية الكنيستية فالمأساة لا تقل كارثية عن الموحدة، ولعل قادم الأيام يقوم نخبة من الباحثين الشباب ببحث هذا الموضوع بعمق وموضوعية، وفي هذا السياق، أشير مثلا الى النقاش الذي دار في الكنيست مؤخرا بين النائبين الطيبي وعباس حول الكهرباء وأعمدة الكهرباء في منطقة النقب، لنطّلع ولو قليلا على حجم هذا العطب.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى