أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المفكرة الخاوية

أسماء علي كريم

تمضي بنا الأعوام وتتقلب بنا الأيام، كجري الرياح ومرِّ السحاب، تتهادى بنا أمواج السنين فتنقلنا من حال إلى حال، بين البأساء والسراء، والمحن والأفراح، بين الاختبارات والابتلاءات، تتعاقب علينا لّمات الملائكة ونزغات الشيطان، وترحل بنا الأيام إلى بيت التراب أو وشيكا منه على درب المقابر، فلا نرى أننا أنجزنا أو قدمنا شيئًا يذكرـ أو عملًا يؤثر، أو ذكرى عتيدة أو قيمة فريدة! فعجبًا لهذا العنفوان البائس عجبًا!

نظرت إلى مفكرتي السنوية في نهاية العام، فإذا بها خاوية، فارغة، تلعب بأرجائها رياح الفشل وكأنها قاعًا صفصفا! وكأنها قربة ماءٍ امتلأت هواء… وحين احتاج الظمآن لشراب في صحراء الحياة، ما وجد الماء ولا حتى السراب، أين الخطط والأفكار النافعة؟ لِمَ لَم تجد إلى مفكرتي سبيل التوقد والتوهج والفلاح؟

أين الذكريات المذكرات! أين الإنجازات والاستكمالات؟ أين العلوم والمعارف المكتسبة؟ أين الجمل المضيئة المتلقاة من كنوز العلم، التي يفترض أن تزين محفظتي وتدفع همتي وعزيمتي!

أقلبُ المفكرة فلا أجد من هذا كله إلا نزرًا يسيرًا وعملا قليلًا، وأسطرًا شحيحة هنا وهناك، ثم صفحات بيضاء بيضاء بيضاء!!! لا زارها حبرٌ ولا خط بساحتها المداد!

جلست أفكر في حال النفس الفاشلة! لو كانت للنفس حياة متحركة لنسجت من بريق حركتها شيئا من الذكرى العاطرة الأثيرة! وقبسًا من النور المتلألئ على أوراق المفكرة، فالعادة تقتضي أن لا بد للنور أن ينبثق ويخرق أستار الظلام، ولا بد للضياء أن يشع فيحرق بشعاعه غياهب الركود….

إن الشمس تشرق كل يوم وتغيب، فتطوي معها سجل اليوم والأمس والغد، فهل تكون أيامنا مضارعة للعدم؟! وهل تتمايز الأوقات والسنوات إلا بتنوع الإنجازات والأفكار والأسرار! إن النذير قد جاء… فهل سمعتم الصريخ وهل هزكم الصدى المدوي عبر أثير الأعوام؟ أعوام تتقلب وأيامٌ تطوى وتتداول بين الناس أسرع من تقلب صفحات مفكرتنا الخاوية، فماذا عسانا نبدل ونغير! وهل زمن التغيير قد آن؟ هل استبدت بك القوى واشرأبت أعناق الجدية والسعي وحان قطف ثمار الأعمال؟! هلمّ فلتصحبك من اليوم مفكرة جديدة مزدحمة بخير الخصال والفعال…وخاوية من الشوائب والتوافه والخواء، ودمت بولاية المنان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى