أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

فلسفة الوسطية في النظام الإسلامي

د. محمود مصالحة- الباحث في الدراسات الإسلامية

الوسطية خصيصة إسلامية من أهم الخصائص التي تميّزت بها الأمة على سائر الأمم، وبها يتقدم النظام الإسلامي الشمولي بالرسالة الحضارية لسعادة البشرية ورفعتها، وبات بهذه الخصائص نظامًا إنسانيًا عالميًا متميزًا على سائر الأنظمة السائدة من اشتراكية ورأسمالية وقومية.

والوسطية هي من أهم خصائص النظام الإسلامي الذي امتاز بالعقيدة المُنزَّلة من عند الله تعالى، لا كالأنظمة الوضعية التي صاغتها الأيادي البشرية فوقعت في مخالفات فطرية انسانية فاعتراها الظلم.

فوسطية النظام الإسلامي منبثقة من عقيدة التوحيد، بعيدًا عن العقائد الشركية، والفكر العلماني الوضعي،

ولا تنفك الوسطية عن خصائص النظام الإسلامي فهي متشابكة مع خصيصة الشمولية لكل الجوانب في حركة المجتمعات الحياتية، في الجوانب الاجتماعية والتربوية والنظام الاقتصادي الإسلامي الذي يتناسب مع متطلبات البنية الخلقية للإنسان، فهو نظام واقعي التطبيق وليس في عالم التصور الخيالي، يمتاز بوسطيته وعدالته المطلقة، بعيدًا عن النسبية والنفعية للفلسفات العَلمانية، وكذلك فالوسطية العقدية التربوية تقف في وجه العصبية القبلية والطائفية فتهذبها بمنظومة القيم القرآنية، وخصيصة الوسطية بإيجابيتها تتعدى بالنفع الى المجتمعات غير الإسلامية، وهكذا فإن النظام الإسلامي متقدم بمشروعه العالمي الذي يعلو على سائر الأنظمة الاشتراكية والليبرالية والرأسمالية ذوي النزعات الأيديولوجية، بنظام القيم الإنسانية التي أنزلها الله تعالى لإقامة العدالة الانسانية في الأرض رحمة بالبشرية.

ولقد خاطب الله جلّ وعلا أهل الكتاب للعودة عن معتقدات الحلول الشركية إلى عقيدة التوحيد، عقيدة الأنبياء والرسل، قال تعالى: ” قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” سورة البقرة 136-137.

ومفهوم الوسطية: هي العدالة والتوازن والاعتدال في الأمور كلها، ترفض التطرف والتفريط، وهي ميزة فطرية انسانية في النظام الإسلامي في كافة جوانبه العقدية والتعبدية والتشريعية والاجتماعية، وقد جعل الله الأمة الإسلامية أمة وسطًا أي عدلًا، ورفع من قدرها وأعلى من شأنها بشهادتها على الأمم، لقوله تعالى: ” وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” سورة البقرة: 143. لذلك يمكننا القول: إن الوسطية خصيصة إسلامية في الجوانب العقدية، والتعبدية والاجتماعية والتربوية والفكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية، وكذلك في دعوتها الحوارية الحضارية مع غير المسلمين، فالعدل والحق وسائر القيم الانسانية فيها سيد الموقف.

أما الوسطية في الجانب العقدي: في النظام الإسلامي فهي منبثقة من منهج الاستقامة على الصراط المستقيم وهو القرآن الكريم، حبل الله المتين، والنور المبين المبدد لظلمات الشرك والإلحاد، الذي لا عِوَجَ فيه، ولا روغان ولا ميلٌ يُمْنة أو يسرة، ولا محاباة فيه لأحد على حق أحد، فيه قيمة التقوى هي ميزان قيم العدالة والاستقامة والحق والصدق والأخوة والتعاون والتكافل والحوار والحياء…وقيمة التقوى راعية للأقوال والأفعال والحاكمة عليها، فلا مداهنة ولا تكبر ولا انحرافات كالتي وقعت في تاريخ الأديان، حيث تلاعبت فيها الأيادي البشرية حينما كتبت بدَّلت وغيرت فانتابها الزوغان والضلال البعيد عن عقيدة التوحيد التي جاء بها رسل الله.

وحينما نقول أمة وسطًا: أي عدلاً بين الغلو والتطرف، والإفراط والتفريط، في الاعتقاد بين الغلو في التجرد الروحي وترك الممارسة الحياتية بالانزوائية والانطوائية بعيدًا عن المجتمع، وبين الارتكاس في غمار النزعة المادية الإلحادية.

ونقصد بنظامًا إسلاميًا وسطًا: أي بين مادية العقيدة اليهودية الصِرفة، وروحية النصرانية المنقطعة عن الحياة البشرية، فنظام الإسلام الوسطي وازنَ بين القيم الروحية والقيم المادية المجردة، فلا طغيان للمكاسب المادية على القيم الروحية، ولا القيم الروحية التعبدية تطغى بانقطاعها عن الحياة البشرية، فوسطية النظام الإسلامي تُخْرج تلك النظرتين من مفهوم حيِّز الضِديَّة، إلى حيِّز التداخلية والتشابكية والتشاركية النفعيَّة، حيث تقوم على اعادة القيم الروحية وفق عقيدة التوحيد، فتُصوب القوانين المادية وتُرشِّدُها نحو المجالات النفعية والخيرية بالقيم الإسلامية الإنسانية على الصعيد الفردي والأسري والمجتمعي والأمة، فتخلق أنموذجًا جديًدا بين من اعتقد بماديته العقدية أنه الأصوب فغال وظلم، وبين من اعتقد بروحيته التعبدية المنزوية عن الحياة البشرية أنه الأكثر صوابًا فغال وظلم، فجاء النظام الإسلامي بخصيصة الوسطية العقدية بالحل الوسطي، فأزاح غمار ظلم المادية الصرفة والروحانية المنزوية فدمج بين النظرتين في إطار خصائص وقيم عقيدة التوحيد الخالصة فعَدَلَ، فبات هو أمل البشرية في أمنها وأمانها ورقيها وسعادتها.

أما في الجانب التعبدي:

أما في الجانب التشريعي:

أما في الجانب الاجتماعي: فتنشر العدل بين الناس، وتزيل كل أشكال الظلم والظلمات، والابتزاز، والامتهان والاستعلاء والاستكبار في الأرض، ولا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى، لقوله تعالى:” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، عقيدة وسطًا: أي تدعو إلى الانفتاح المنضبط على الشعوب، وترفقض الانغلاق،

فالنظام الإسلام في الجانب الاقتصادي: فالعقيدة الإسلامية تُحرِّم مصادر الكسب المادي من المعاملات الربوية أو من الأتجار بالسلع المحرمة كالخمرة، والسرقة السلب والظلم، وأكل أموال الناس بالباطل، واحتكار السلع، وتبيح الكسب الحلال في المعاملات التجارية كالمرابحة وبيع السلم،

ووسطية النظام الإسلامي في الجانب الفكري: فهي تزكّي العقل الذي هو ممقصد هام من مقاصد الشريعة ومدار أحكام الإسلام، فتنميه وترتقي به وترفعه ليبدع في المجال العلمي والفكري، فتخرجه من مستنقع الخرافات والأساطير الشركية إلى المكانة البحثية الرفيعة في مجال العلوم الإنسانية، وتدعو إلى الإيمان بالإله الواحد الأحد، الذي هو بين انكار الإله الخالق وبين تعدد الألهة،

يستنهض عزيمة الأمة ويقاوم أشكال الاستكانة والتخلف والجمود في جميع مجالات الحياة كلها، وكلك يرفض الخنوع والعمالة التبعية للغير، فالفرد والمجتمع والأمة تحمل الشخصية والذاتية المستقلة، ويرد على كل فكر حداثي متطاول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى